أميركا وروسيا والصين… وإيران

ناصر قنديل

 

لدى أميركا أسباب عديدة للعداء مع إيران، وفي طليعتها اليوم موقف إيران العدائي الجذري من كيان الاحتلال ودعمها المبدئي لحركات المقاومة، وتقارب واشنطن الملف النووي الإيراني في إحدى زواياه من هذا المنطلق، كذلك هناك الهوية الاستقلالية الصارمة للنظام السياسي الحاكم في إيران، ونجاحه في بناء دولة متطورة على الصعيد الصناعي والتقني رغم الحصار والعقوبات من جانب دول الغرب، بحيث باتت الرقم الصعب في معادلات المنطقة ومثالاً على الفارق بين الدول التي تتمسك باستقلالها وتلك التي تخضع للمشيئة الأميركية، لكن في العداء الأميركي لإيران جانب حيوي يتصل بتحديات دولية كبرى تتصل بتراجع مكانة أميركا العالمية والخشية من تشكل مركز آسيوي صاعد تمثل إيران نقطة التقاطع الجيواستراتيجي فيه بين روسيا والصين. وبمقدار ما يمثل ضرب الصعود الإيراني مصدر قوة لكيان الاحتلال ومنحه مكانة القوة القيادية في المنطقة، يمثل تخلصاً من نموذج استقلالي تنموي صاعد، لكنه يمثل إطاحة كاملة بكل فرص تحول الصين وروسيا إلى قوتين لهما طابع عالمي ومكانة دولية عظمى، لأن إسقاط إيران يعني عزل روسيا وتحويلها إلى مجرد قوة إقليمية في أقصى الشمال، وعزل الصين وتحويلها قوة إقليمية في أقصى الشرق، بحيث يبدو واضحاً أنه بدون إيران لا مستقبل لنظام عالميّ جديد متعدّد الأقطاب، فقد منحتها الجغرافيا صفة لا يملكها سواها هي موقع قلب الشرق.

عندما طوّر الأميركيون ومن خلالهم حلف الناتو مصطلح الحزام الشمالي، كانوا يقصدون إيران ومن حولها تركيا وباكستان، كقوس يضمّ دولاً كبرى إقليمياً وسكانياً وجغرافياً واقتصادياً وعسكرياً تشكل حاجزاً يمنع الصين وروسيا من الوصول إلى الخليج والبحر المتوسط، وشكلت خسارة أميركا لإيران بعد الثورة الإسلامية سبباً لانهيار هذا الحزام الجيواستراتيجيّ، بل أكثر من ذلك سبباً لإعادة تموضع تركيا الواقعة بين إيران وروسيا بما يتيح إقامة توازن بين مصالحها وسياساتها كعضو في حلف الناتو وبين مقتضيات الجغرافيا السياسية والاقتصادية، بحيث إن الافتراق حول سورية لم يدفع تركيا للابتعاد عن روسيا وإيران ولا دفع بهما إلى ذلك، أما باكستان الواقعة بين الصين وإيران فقد تأثرت بالمتغيّرات من حولها وباتت أقرب لجسر صينيّ إيرانيّ منها لدولة تدور في الفلك الأميركي، وإذا لم يكن إسقاط إيران سبباً لاستعادة الحزام الشمالي، فإن الخشية من فوالق التقسيم بعد سقوط إيران وامتدادها نحو تركيا وباكستان سوف يدفع بهما إلى التقرّب أكثر من أميركا و”إسرائيل”

روسيا والصين ليستا بوارد الدخول على خط الحرب إلى جانب إيران، سواء بقيت حرباً إسرائيلية إيرانية أو تحوّلت إلى حرب أميركية إسرائيلية على إيران، لكن روسيا والصين تدركان أهمية إيران وموقعها ودورها، وتدركان حجم الخسارة المترتبة على ترك واشنطن وتل أبيب تستفردان بتدمير قدراتها.

إن الحديث هنا يدور عن دولة كاملة المواصفات عضو في الأمم المتحدة كاملة الشرعيّة، وصاحبة قدرات استثنائيّة، تربطها بكل من روسيا والصين معاهدات تعاون استراتيجي ومن ضمنها أشكال للتعاون الدفاعيّ، فهل يمكن أن تكتفي روسيا والصين بموقف يدعو لخفض التصعيد، وإبداء الرئيس فلاديمير بوتين الاستعداد للوساطة؟

إيران تقاتل بالنيابة عن كل قوى التحرر والحرية والاستقلال، وهي دولة عظمى قادرة على الصمود، ولن تُهزم في هذه الحرب مهما كانت التضحيات، لكن مصداقية روسيا والصين التي اهتزت كثيراً خلال حرب إبادة غزة، بحيث إن دولاً أوروبية غربية مثل إسبانيا قررت تجميد العلاقات التجارية مع «إسرائيل» وبعضها مثل إيرلندا قرّر تعليق العلاقات السياسية والدبلوماسية، بينما بقيت الصين وروسيا عند حدود سقف الموقف الخليجيّ، بالدعوة لوقف الحرب والوساطة والمواقف الإنشائية العامة، كأنما تمّ تلزيم المنطقة من موسكو وبكين لدول الخليج وعقلية تاجر الشنطة، ولا يمكن تجاوز سقف الموقف الخليجي، وكثيرة هي التساؤلات التي أثارها سقوط سورية حول مصداقية بكين وموسكو في تحالفاتهما، فهل نشهد ما يسقط صفة المصداقيّة عن مواقف روسيا والصين نهائياً مع الحرب ضد إيران، أم أنهما سوف تظهران قدراً من الشجاعة بالضرب على الطاولة والقول إن هذه الحرب العدوانيّة بلا مبرر شرعي وقانوني هي حرب ممنوعة، وإن هذه الحرب هي حرب بالواسطة على الصين وروسيا ولن يسمح لأميركا و”إسرائيل” بالفوز بها، وليس مطلوباً لقول ذلك دخول الحرب بل توفير ما تحتاجه إيران لتصبح أكثر قدرة على المواجهة.

 

قد يعجبك ايضا