مناضلون من لحج يروون تفاصيل هامة من معارك البطولة والفداء التي دكت عروش المستعمر



سريع:
في (نقيل الربوة) كبد الثوار جيش الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والعتاد

الحوشبي:
منزلي كان مخزناٍ سرياٍ لأسلحة المقاومة وفي 1967م أصبت بطلقة رصاص في رأسي تسببت لي بشلل نصفي في جسدي

فضل:
قصفنا المواقع الاستراتيجية للاحتلال .. والمناضل البطل سالم زين لم وينصف

العزيبي:
استشهاد المناضل الشيخ راجح لبوزة وسع دائرة المعارك وأشعل جبهات القتال

السقاف:
نفذنا عمليات فدائية كثيرة في عدن .. واستهدفنا منشآت الاحتلال الحيوية

مطلق:
مصر عبدالناصر دعمت الثورة .. وبفضل النضال الطويل والمرير لشعبنا تم طرد وانهاء الاستعمار

ثورة 14 أكتوبر 1963 م المجيدة ضحى من أجلها الشعب بخيرة شبابه ورجالاته حيث اندلعت شراراتها وأخذت تستعر حمما ٍ بركانية من عزائم إرادات أرواحهم الطاهرة في المنافحة عن جنوب الوطن الذي ظل المستعمر جاثماٍ على ترابه الطاهر طيلة 129 عاما ٍ وسقط من أولئك الأشاوش الأبطال شهداء رووا بدمائهم الزكية تربة الوطن حتى غدا حلم الآباء والأجداد حقيقة واقعة شاهدة ناجزة بنيل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967 م .
صحيفة (( الثورة )) وفي العيد الـ 51 لثورة 14 أكتوبر الخالدة التقت بثلة من أبطال تلك الملاحم الفدائية الذين كانت لهم بصماتهم الوطنية الملموسة في القيام بالعمليات العسكرية في عدن ولحج ضد الاحتلال البريطاني ودحره إلى غير رجعة واسترجعت معهم شريط ذكرياتهم الحافل بشتى الصور الخالدة للكفاح المسلح والفداء السخي والدفاع المستميت عن أرض الوطن . . وفي ما يلي حصيلة جملة تلك اللقاءات مع عدد من المناضلين في محافظة لحج:

لحج / عيدروس زكي

المناضل سيف بن محمد بن فضل العزيبي عضو مجلس الشورى . . قال :
بعد المشاركة الفاعلة للثوار الجنوبيين في قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 م في الشمال ودعمها بالتضحية بأرواحهم الطاهرة حتى تحقق نصرها المؤزر ثم عودتهم إلى مناطقهم في جنوب الوطن ومنها منطقة ردفان التابعة إلى إمارة الضالع آنذاك حدث اشتباك ما بين القبائل الموالية للثورة وقوات الحكومة البريطانية التي استعمرت الجنوب 129 عاما ٍ على أثره أْستْشهد الشيخ راجح بن غالب لبوزة ومن هناك أْذيع من إذاعة كل من (( صوت العرب )) من القاهرة بجمهورية مصر العربية الشقيقة وإذاعة (( صنعاء )) نبأ أن الشيخ راجح بن غالب لبوزة هو أول شهيد للثورة وكان يوم 14 أكتوبر 1963 م واستمرت المعارك وتوسعت وشملت بقية جبهات القتال وكنت أنا رئيسا ٍ للقيادة المحلية للجبهة القومية في لحج وعقبها بشهور عدة تم فتح جبهة مدينة عدن وانضم إليها كل شباب عدن وبقية مناطق الجنوب واستمرت المقاومة ضد الاستعمار وتم دمج الجبهة القومية مع منظمة التحرير تمخض عنه تكوين (( جبهة تحرير الجنوب المحتل )) وبقيادة واحدة مثلت الفصيلين إذ كان من جانب الجبهة القومية : سالم زين محمد السقاف وعلي أحمد ناصر السلِامي وسيف أحمد الضالعي وطه أحمد مقبل وعبدالفتاح إسماعيل ومن جانب منظمة التحرير كان : الراحل عبدالله عبدالمجيد الأصنج ومحمد سالم باسندوة وأحمد عبدالله الفضلي وجعبل بن حسين عبدالله علي عْبيد إلى جانبهم عبدالله محمد المجعلي مستقل ورأس الجبهة أبي الشهداء الراحل عبدالقوي حسن مكاوي هكذا كان تشكيل جبهة التحرير لكن حركة القوميين العرب برئاسة جورج حبش وهاني الهندي ونايف حواتمة لم يرق لهم هذا العمل وعملوا على انسحاب الجبهة القومية من جبهة التحرير مع اثنين من قياداتها هما : سيف أحمد الضالعي عبدالفتاح إسماعيل وبقيت جبهة التحرير وثلاثة من قيادات الجبهة القومية هم : سالم زين محمد السقاف وعلي أحمد ناصر السلِامي وطه أحمد مقبل في قيادة الجبهة حتى يوم الاستقلال الوطني المجيد لجنوب الوطن من بريطانيا في 30 نوفمبر 1967 م كما أنه بعد قيام جبهة التحرير وعقب انسحاب الجبهة القومية في مؤتمر (( حْمر )) بمنطقة قعطبة في إب في 14 أكتوبر 1966 م اشتدت المعارك في الداخل والخارج وتبدلت القيادات وتشكلت فرق وقيادات لجبهات القتال والعمل الفدائي وأبرز المعارك كانت مشهودة في عدن بعد أن هدأت بعض الشيء في عدد من الجبهات ولا سيِما عقب سحب بريطانيا قواتها من الأطراف وفي تلك الأثناء انتقلت أنا إلى مكتب جبهة التحرير بمدينة تعز وجرى حينها تعييني عضوا ٍ في المكتب العسكري للتنظيم الشعبي للقوى الثورية برئاسة المغفور له بإذن الله تعالى عبدالله محمد المجعلي وعضوية : السيد عبدالله أحمد حسن السقاف وعبدالله محفوظ راجح عبدالهادي باعوضة وعلي بن علي هادي الجحافي الضالعي وصالح أحمد ناصر الحارثي وشيخ بن هيثم اليافعي واللواء عبدالله أحمد الحسيني ولقد كانت مهمتي ضابط اتصال ما بين القيادات في الجبهات وما بين العمل الفدائي في الداخل أنقل لقيادة جبهة التحرير طلبات المقاتلين وهم بدورهم يقومون باستخراج الأسلحة والذخائر من القيادة العربية المصرية التي دعمت بسخاء ثورة 14 أكتوبر 1963 م ثم يتم تسليم الأسلحة والذخائر إلى القيادات وجميعها أسلحة خفيفة وقديمة وليست فيها أي سلاح رشاش آلي واحد وكانت القيادات تزاول في تعز العمل الوطني في الجنوب لكونها أقرب إلى حدود جغرافيا لحج وعدن وفي شهر يوليو 1966 م تشكلت قيادات وفرق التنظيم الشعبي ووصل عددها 12 فرقة فدائية في عدن لوحدها ومن ضمن الأسماء لقيادات جبهات القتال والتنظيم الشعبي للقوى الثورية في جبهة عدن : حسين حامد العزيبي ويوسف علوي ومحمد شاهر وسعيد ماطر وصالح إدريس عولقي وأحمد سكران البان وعمر درويش أحمد عمر العزيبي وعْبيد ثابت العزيبي ومحمد علي العبسي وفي جبهة الواحدي : عمر أحمد صلفوح وسالم يسلم باعوضة ومحمد عوض باعوضة عبدالهادي باعوضة وفي جبهة العوالق : الشيخ حسين بن عشيم الطوسلي والشيخ محمد السليماني والشيخ أبو بكر أحمد الدياني وهناك بالتأكيد العديد من القيادات ورفاقها والشهداء نعتذر لمن لم يسعفنا الوقت بذكرهم هنا وبعد تشكيل التنظيم الشعبي برزت قيادات في جبهات القتال حصل التنافس ما بين الجبهة القومية وما بين فرق التنظيم الشعبي المحسوب على جبهة التحرير ما أدى إلى الصدام والقتال الأهلي في آخر المطاف وقد كانت المعارك في أول أكتوبر 1967م.
المطالبة بالاستقلال
ومن جانبه يقول المناضل السيد عبدالله أحمد حسن السقاف:
بدأت بالعمل الوطني بعد ثورة 23 يوليو 1952 م المصرية وبدأنا نتجاوب مع خطابات الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فكانت الجماهير مهيأة للتجاوب مع عبدالناصر وتلك الفترة لم تكن بيننا صلة بالزعيم عبدالناصر ومصر سوى صلة القومية الروحية وبحكم أنه الصوت الذي بدأ يرتفع باسم العروبة وباسم الإسلام وفي ذلك الحين نشأت رابطة أبناء الجنوب العربي برئاسة السيد محمد علي الجفري أول من بدأ بطرح قضية الاستقلال وكان أيضا النشاط العمالي في عدن اتحاد نقابات العمال الذي أْسس في العام 1956 م وفي العام أعلن اللورد لويد وزير المستعمرات البريطانية أنه سيزور عدن وفي تلك الفترة اتفق لأول مرة صوت الجبهة الوطني بما فيهم المؤتمر العمالي والرابطة على موقف موحد أنه لا بد من مقابلة هذا الرجل القادم بوقفة صريحة تجاه المطالبة بالاستقلال وهذا كان أول موقف فرحنا به وكانت لقاءات تتم أكثرها في لحج في مقر الرابطة يحضرها قياديون من المؤتمر العمالي أمثال : الراحل عبدالله عبدالمجيد الأصنج وعبده خليل سليمان وآخرون وخرجت مسيرة كبرى من عدن ولحج وأبين إلى المطار عبِر فيها الشعب عن رأيه بصراحة وصدح بصوت جهوري واحد عن موقفه المطالب بالاستقلال وعلى أثرها جرى اعتقال المناضلين الوطنيين يرحمهم الله : عبدالله عبدالمجيد الأصنج وشيخان عبدالله الحبúشي ومحمد علي الجفري وحوكموا في محكمة عدن وكان ذلك نوعا ٍ من الضغط عليهم من السلطات البريطانية وحزب الشعب الاشتراكي كان الواجهة السياسية للمؤتمر العمالي وفي بداية العام 1962 م اجتمعنا مع أبناء لحج الساكنين في عدن وتشاورنا مع زملائنا في لحج واتفقنا أن نقوم بعمل وطني على مستوى ((سلطنة لحج)) نتبنى فيها قضايا المظلومين من المواطنين ونكتب المنشورات السياسية المؤججة لحماسة الشعب نحو الثورة والاستقلال ونوزعها في لحج وكان التعاون مثمرا ٍ في ما بيننا والمؤتمر العمالي إذ كانوا يطبعون لنا المنشورات وبعد التأسيس اجتمعنا على الانضمام إلى حزب الشعب الاشتراكي وفي يوليو 1964 م حصل أن الشرطة في سلطنة لحج حينذاك عملت كمينا ٍ لزملاء لنا واعتقلتهم وهم يوزعون المنشورات وهم : علوي حسن جعفر السقاف عبدالقادر حسن جعفر السقاف عبدالعزيز حسين مساوى وصالح عبدالكريم صالح النهدي ومحمد سعيد مصعبين عبدالله علي عْبيد عبدالعزيز شائف اليماني والإخوة في الجبهة القومية بدأوا العمليات الفدائية ضد المحتل الانجليزي في أواخر العام 1963 م وبدأنا العمل معهم في أغسطس 1964 م في الجانب العسكري للأخ أبو بكر علي شفيق أول قائد عسكري لعدن وأيضا هو يْعِد أول محافظ لمحافظة عدن عقب الاستقلال في 30 نوفمبر 1967 م الذي دربنا ورفاقه بمنزل في مدينة المنصورة على بعض الأسلحة الخفيفة نحن الأربعة : عبدالله أحمد حسن السقاف عبدالله حسين مساوى وحسين عبده عبدالله الأصبحي وأحمد عبدالله سعيد وانضم إلينا بعد أربعة أشهر عبدالله محفوظ راجح يرحمه الله وبقينا نحن في الجانب العسكري.
شرف النضال
واستطرد السقاف: وبعد التدريب تشكلت قيادة ميدانية بمدن : خور مكسر والمنصورة والشيخ عثمان والقاهرة والشعب والبريقة والخيسة وضمت يوسف علي بن علي المسؤول ويرأس الاجتماع عبدالله أحمد حسن السقاف عبدالله حسين مساوى وحسين عبده عبدالله الأصبحي عبدالله محفوظ راجح إلى جانب اثنين من (( الحركيين )) وتحت هذه القيادة تكونت الخلايا العسكرية و(( الحركيين )) لديهم فريق آخر ومستويات أخرى وكانت قيادة ميدانية أيضا ٍ في مدينة كريتر وبحكم عملي في محل بالمدينة كنت على اطلاع كامل بكل القيادة في كريتر منذ أكتوبر 1964 م لأن السلاح في مدينة عدن كان يؤخذ مني إلى أن انكشفت في 7 سبتمبر 1965 م ثم طلبوني أن أتحول إلى قيادة كريتر وبالفعل تحولت وكنا نتكون من : عبدالعزيز عبدالولي رئيسا ٍ عبدالله أحمد حسن السقاف وسالم عبدالله سالم وحسين علي الصغير وعلي فرج عبدالشيخ باوزير وكل واحد منا مسؤول عن فرقة وكل فرقة تتكون من خلايا عسكرية وكانت تْجرى العمليات الفدائية ليلا ٍ وكانت أول عملية تتم في النهار عملية اغتيال ماستر هاري بيري في 29 أغسطس 1965 م وبعدها عملية اغتيال ماستر تشارلز والأماكن التي نْفذِت فيها العمليات الفدائية كثيرة حيثما وْجدِت تحركات البريطانيين أو منشآتهم الحيوية قمنا باستهدافهم ومن أبرز تلك الأماكن خط الطريق الحالي بجانب مصنع الغزل والنسيج في مدينة المنصورة وكذلك خط طريق منطقة عبدالقوي وهو الخط المؤدي من مدينة الشيخ عثمان إلى منطقة عبدالقوي وكانت تْجرِى العمليات الفدائية في تلك الخطوط مهاجمة ٍ الدوريات الانجليزية وتستخدم فيها البازوكا والرشاشات والقنابل أما الهجوم الفردي بالقنابل اليدوية يتم في شارع المتنزِه الممتد من جولة مدينة القاهرة إلى جولة منطقة السيلة بمدينة الشيخ عثمان وأيضا ٍ الشارع الممتد من جولة منطقة السيلة بالمدينة إلى نقطة نمبر 6 (( 6 N )) في مدينة دار سعد وكان حينها يْسِمِى بـ ((شارع الموت)) وكانت أول عملية في مدينة كريتر ضرب المجلس التشريعي بالمدينة في 1964 م إذ نْفذِت عملية أخرى كذلك في العام نفسه لضرب المجلس التشريعي بمدينة كريتر ومن نفذها وهو حسين علي الصغير رحمه الله تعالى وآخرون مازالوا على قيد الحياة نتحفِظ عن ذكرهم أما في ما يخص مدينة التواهي فنفذت العلميات الفدائية فيها بمسؤولية محمد صالح مطيع قائد العمليات الفدائية فيها رحمه الله تعالى ومن منحى حجم العمليات الفدائية الكبرى التي شهدتها فلقد كانت عملية ضرب إذاعة عدن بمدينة التواهي التي اشترك فيها لأول مرة 25 فدائيا ٍ توزعوا في مجموعات وتمت العملية بنجاح وألحقت الأضرار الجسيمة في صفوف جنود القوات البريطانية وبدون أي خسائر في الأرواح من الفدائيين الوطنيين وفي 30 نوفمبر 1967 م أْعلن عن استقلال جنوب الوطن وكنت يومها في المستشفى بسبب إصابة في يدي لكننا احتفلنا وابتهجنا بهذا الحدث الوطني الذي كان لنا شرف النضال من أجل بلوغه بأرواحنا وتحقق بفضل الله عز وجل ثم بإرادة خيرة أبناء وشباب الوطن الذين ضحوا بحياتهم الغالية التي رخصت من أجل تحريره من ربقة الاستعمار البريطاني .
تنظيم القوى الثورية
وتحدث المناضل يوسف فضل العزيبي من جهته قائلاٍ:
إن التنظيم الشعبي للقوى الثورية الجنوبية قام ليشكل الجناح العسكري الأوسع والأشمل لجبهة تحرير الجنوب المحتل من الاستعمار البريطاني ليعيد الروح للكفاح المسلح وكان شهر أغسطس 1966 م هو تأريخ ميلاد التنظيم الذي أْسسِ بوتيرة أعلى وعن بدء عمليات فرقتنا (( فتح )) فتربطني بالمناضل الشيخ عزب محمد فضل العزيبي مسؤول فرقة (( فتح )) للعمليات الفدائية أواصر القربى والصداقة والجميل والمروءة المتبادلة وزاد ذلك بارتباطنا بأنبل مهمة في تأريخ الوطن والشعب وهي النضال والكفاح المسلح من أجل تحرير الوطن من بريطانيا وبدلا ٍ من انتظاري الأمر من عزب محمد فضل العزيبي مسؤول الفرقة بالبدء في تنفيذ العمليات الفدائية استعجلته قائلا ٍ له : (( عزب نريد أن نبدأ وما دام اسم فرقتنا فتح لازم أن نبدأ ونستفتح )) فوافق وأعطانا لغما ٍ أنا وأحمد سالم دياب وعمر سيف فمشينا على الأقدام قاطعين الصحراء في ظلمة الليل من منطقة صِبر في لحج حتى مدينة دار سعد في عدن بيد أننا كنا وقتها شبابا ٍ أصحاء ولا بد عبور مناطق خالية من الطرق والنقاط العسكرية وعيون المراقبة البرية والجوية معا ٍ ووصلنا إلى دار سعد باتجاه حديقة الملاهي الترفيهية حاليا ٍ بستان الكمسري سابقاٍ من جهة الشمال الذي كان ترابا ٍ وأشجارا ٍ واخترنا مكانا ٍ مناسبا ٍ لمرور الدورية البريطانية في آخر آخر خط طريق ضواحي مدينة كريتر عدن إذ لم تكن هناك مبان ُ البتة ــ كما هي الحال الآن ــ وكان الموقع شبه صحراوي وليس فيه سوى قصر الشكر الخاص بسلطان لحج وأشجار السيسبان وطريق ما بين مسفلت وترابي ونحن ننتظر دورية العدو فإذا بدورية بريطانية تقترب في الظلام الحالك السواد ونحن لا نستطيع أن نميزها غير من نوع السيارة بسبب أنوار السيارة التي ترسل أو تشع فتحجب عنا رؤية من بداخلها إلِا مقدمة سيارة الـ (( لاند روفر )) تجعلك تميزها بحكم بروز جانبي المقدمة خلافا ٍ لبقية السيارات كما تتميز من طريقة ومكان وزمان تحركها خلافا ٍ للمدنيين من المواطنين الذين لن يأتوا إلى مثل هذا المكان في مثل هذه الساعة خصوصا ٍ أن هذه المواقع تعد فاصلا ٍ ما بين مستعمرة عدن وسلطنة لحج وأقبلت دوريتان الأولى بريطانية والأخرى من الجيش المحلي الاتحادي فغيرت الدورية الأولى مسارها وعادت بينما استمرت الدورية الأخرى في سيرها وكان اللغم من نصيبها ووقعت فريسة مرامي نيراننا المقاومة علما ٍ أن هذه القوات وضعت ألغاما ٍ مضادة للأفراد في بعض هذه المواقع وللعلم أيضا ٍ كانت بعض هذه الدوريات من السيارات تتوغل في هذه المناطق شبه الصحراوية من سلطنة لحج شمال مستعمرة عدن بحثا ٍ عن مهربي الأسلحة ولما أصيب عدد منها لجأت إلى استخدام دوريات من المصفحات أو دبابات صلاح الدين ولما نْسفِت هذه كذلك توقف القوات البريطانية عن إرسال أي دورية إلى هذه المناطق وصار حدها فقط بستان الكمسري والمعروف اليوم بخط طريق التسعين وأصدرنا أول بيان لـ (( فرقة فتح )) في هذه العملية وسْرِ المناضل عزب محمد فضل العزيبي مسؤول الفرقة بذلك الذي جِهِز لنا عبوة صفيحة كاملة مخوزنة بمادة الـ (( تي إن تي )) ويضيف عليها أصابع الديناميت من أجل العملية الثانية عند جسر مدينة البريقة وعملنا المؤقت للمتفجرات التي وضعناها وانطلقنا وما أن وصلنا إلى الخط المجاور لأعمدة وأبراج اللا سلكي حتى فعلت المتفجرات مفعولها وإذا بالنيران تشتعل ووصلت عنان السماء وكنا نحن في الطريق عند قرية المهرام في البريقة نرى القرية مضاءة بفعل ألسنة اللهب فنجحت العملية وأصدرنا بيانا ٍ بها وهكذا توالت عملياتنا في إطار (( فرقة فتح )) ثم تركت الفرقة وانتقلت إلى (( فرقة النصر )) وكان مسؤولها المناضل البطل خالد أحمد سعيد مفلحي يرحمه الله وشاركنا من خلالها في عمليات فدائية ضد أماكن إستراتيجية لوجود العدو البريطاني فيها منها : قصف المطار وقصف مدينة الاتحاد الشعب وتفجير جولة السيلة بمدينة الشيخ عثمان وقصف مركز الشرطة بالمدينة وقمت بتعديل نوع من السلاح وذاكرتنا تحفل بالكثير من الأعمال الوطنية الميدانية الفدائية التي قمنا بها وعجلت برحيل المستعمر البريطاني جنوب الوطن وننتهز الفرصة هنا من خلال (( الثورة )) الغرِاء للتذكير بالمناضل الكبير البطل الراحل السيد سالم زين محمد السقاف رئيس التحرير الأسبق للصحف الرسمية الثلاث : (( الثورة )) و(( 14 أكتوبر )) و(( الجمهورية )) ابن منطقة الوِهúطú في لحج وأبرز الملتحقين بحركة القوميين العرب وأحد مؤسسي الجبهة القومية وهو أول من صاغ (( ميثاق الجبهة القومية )) والمتوفى في العام 1985م ومناقبه النضالية والثقافية والصحافية عظمى والشباب من الجيل الحالي لا يعرف عنه الكثير وتأريخ هذا الرجل كبير وزاخر ومْشِرف قبل الثورة وما بعدها وبعض من يدِعون النضال هم في الحقيقة تلاميذه فأنا أستغرب لماذا لا يْذكِر هذا الرجل الذي عاش فقيرا ٍ ومات فقيرا ٍ وهو خدم الوطن وأنا التقيت به مرتين في منزل المناضل الراحل السيد حسن علي السقاف في منطقة القاعدة في إب واستمعت منه إلى أفكاره النيرة عن مستقبل الدولة القادمة في جنوب اليمن وقتها وتنبِأ بالمآلات المفجعة التي ستصل إليها عقب الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م واليوم أنا أْهيب بمثقفي أبناء منطقة الوهط وعلى رأسهم ولدنا الأخ الدكتور هشام محسن السقاف المدير العام لمكتب وزارة التربية والتعليم بمحافظة لحج رئيس منتدى الوهط الثقافي ــ منتدى الفنان الراحل محمد صالح حمدون بالمحافظة وأطلب منهم كافة الكتابة عن الأدوار الجسام خلال فترة حياة هذا الرجل وعمل كتاباٍ عنه فمن الحرام تجاهله وعدم إنصاف تأريخه الوطني الناصع من الجميع الدولة والأفراد وهو من القامات السامقة.
اجتماعا بيروت والقاهرة
المناضل عبدالله مطلق صالح الحالمي وكيل محافظة لحج . . يقول :
إن الفضل في دعم ثورة 14 أكتوبر 1963 م كان للزعيم جمال عبدالناصر وللمصريين الذين تم الاتفاق معهم في العام 1956 م في الاجتماع الأول الذي تم عقده في العاصمة اللبنانية بيروت ثم في الاجتماع الثاني الذي جرى عقده في العاصمة المصرية القاهرة على تشكيل فرع حركة القوميين العرب في الجنوب لتنظيم الثورة والعمل المقاوم والانتفاضات ضد الاستعمار البريطاني وفي هذين الاجتماعين وعد الزعيم جمال عبدالناصر بدعم ومساندة وتمويل نضال اليمنيين وثورتهم إذ تم تمويل المقاتلين ودعمهم ماليا ٍ ولوجيستيا ٍ وإعلاميا ٍ وكان يْجرِى إعطاء كل مقاتل في جبهة منطقة حالمين في ردفان راتبا ٍ شهريا ٍ مقداره 20 ريالا ٍ وتم إرسال للمقاتلين مدافع تو هنش (( 2 إنش )) وثري هنش (( 3 إنش )) بواسطة الضباط المصريين وكان يتم نقل الأسلحة من مصر إلى تعز وقعطبة في إب ثم يرسلها الضباط المصريون إلى الثوار في جبهات القتال في الجنوب كما فتح المصريون معسكرات لأبناء الجنوب في منطقة الحوبان في تعز للقتال ضد الملكيين بعد قيام الجمهورية العربية اليمنية وأيضا ٍ لفك الحصار عن مدينة صنعاء والدفاع عن النظام الجمهوري واستْشهد آنذاك العديد من أبناء الجنوب الشجعان منهم الأبطال : السيد هاشم عمر إسماعيل وسالم يسلم الهارش ونصر بن سيف مهتم المسعودي ومحمد حسين موقد وفضل محسن باصم ومحمد سعيد يافعي والصول محسن فضل الردفاني ومحمد ناصر القدح وإبراهيم المولد عبدالله فريد عبدالواحد الأبرش وعلي بن علي شكري الذين استْشهدوا بمنطقة نقيل يسلح وهم يدافعون عن مدينة صنعاء والجنوب لم يستقل بقرار دولي بل بنضالات وتضحيات أبنائه رغم طرح بريطانيا حينها مقترح منح الجنوب الاستقلال شريطة بقاء قواعدها العسكرية ولكن الجنوبيين رفضوا ذلك بقوة وحملوا السلاح وقاموا بالثورة وضحوا بأنفسهم لسنوات طوال حتى نالوا الاستقلال الكامل الظافر في 30 نوفمبر 1967 م فالإنجليز لم يرحلوا من جنوب الوطن بسهولة ولكن بقتال مرير ضدهم من قبل الشعب المقدام الجسور البطل.
الكفاح المسلح المْنِظِم
وفي ذات السياق تحدث المناضل صالح سريع علي العيسائي وكيل محافظة لحج بالقول:
استشهاد الشيخ راجح بن غالب لبوزة في 14 أكتوبر 1963 م في منطقة ردفان شِكِل الانطلاقة للثورة الأكتوبرية ضد المستعمر البريطاني واتجهت مجموعة من الثوار على رأسها الشيخ المناضل الراحل بالليل بن راجح لبوزة إلى مدينة تعز للتنسيق مع القيادة هناك والحصول على الإمدادات من الأسلحة والذخائر والمؤن لأن ذلك كان ضرورة لا بد منها لبدء عمليات الكفاح المسلح المنظم وتأمين استمراريته وقد عادت القيادة وهي تحمل دلائل الاستجابة الكاملة لمتطلبات الثورة من إمدادات وكانت أول خطوة اتخذتها القيادة الميدانية في منطقة ردفان هي الالتقاء بالمشائخ والشخصيات الاجتماعية والتوقيع على صلح شامل تنتهي بموجبه إلى الأبد المشكلات والنزاعات كافة ما بين قبائل منطقة ردفان وتوجيه القوى والطاقات كلها لمحاربة الاستعمار البريطاني وهو ما حدث بإنجاز الصلح وحشد كل أبناء المنطقة في خندق الثورة وفي اجتماع هو الأول في المنطقة حينذاك تم إعلان أسماء القيادات للعمليات القتالية ضد الاحتلال من الأخوين : الشيخ بالليل بن راجح لبوزة والشيخ سيف مقبل عبدالله وهما اللذان قاما بالإعداد لأول وأكبر عملية هجوم فدائي ضد مواقع تمركز قوات الاحتلال وهو أول هجوم بعد استشهاد راجح بن غالب لبوزة شهدته ردفان إذ قام الثوار ذات ليلة من شهر ديسمبر 1964 م بمهاجمة قوات الاحتلال المتمركزة وقتها في منطقة نقيل الربوة في حبيل جبر ردفان فشبت معركة ضارية استخدم فيها الثوار أنواع الأسلحة كافة التي توافرت لديهم فيما استخدمت قوات الاحتلال الدبابات والطائرات الحربية والمدافع وقد استمرت المعركة لأكثر من 8 ساعات تكبد خلالها العدو خسائر فادحة لم تكن في حسبانه في الأرواح والعتاد وسقط من جرائها قاسم صائل شهيدا ٍ وآخرون استشهدوا معه وجْرحِ عدد من الثوار في تلك المعركة البطولية ولقد كانت المعركة تلك ضد الإنجليز أكبر معركة فعلا ٍ بعد انطلاق شرارة الثورة وسقوط شهيدها الأول لبوزة واستدعت القيادة العامة للكفاح المسلح الإخوة : المناضل صالح علي الغزالي ومحمود البكري وبالليل بن راجح لبوزة وقاسم الزومحي وسيف مقبل عبدالله وتم عقد لقاء في منطقة قعطبة في إب جرى فيه تدارس الوضع ومن بين القرارات التي خرج بها اللقاء أتى قرار القيادة العامة بتكليف المناضل عبدالله محمد المجعلي يرحمه الله لتولي العمل العسكري في جبهة ردفان والعمل على فتح جبهات أخرى في مناطق الحواشب والصبيحة وأبين لتصعيد الكفاح المسلح وتخفيفا ٍ للضغط العسكري على جبهة ردفان .
خلايا ثورية
الأخ المناضل العبد صالح سالم الحوشبي تحدث عن بعض أدواره وزملائه المناضلين في قيام وانتصار ثورة 14 اكتوبر 1963 حيث قال:
عند قيام ثورة 14 أكتوبر 1963 م قمنا بتقسيم أنفسنا إلى خلايا تحت تنظيم واحد أسسناه أنا ومن معي أطلقنا عليه (( تنظيم الضباط الأحرار )) والحقيقة كانت هناك الكثير من الخلايا الأخرى لكن لم يسمح لنا الوقت لنتعارف وقتها واستمرينا في العمل التنظيمي ومنزلي الحالي الذي أسكن فيه الآن بكل تواضع كان مخبأ ٍ لأسلحة المقاومة والثوار ودربنا على استخدام القنابل اليدوية ووضع الألغام والعبوات الناسفة الأخ المناضل أحمد سلام العيسائي وكان معي الإخوة : محمد سرور علي وصالح سيف مقبل وعلي سالم أحمد وأحمد عبدالله الباصلة وأحمد منصور صلاح وأهم العمليات التي شاركت فيها وضع لغم في مطار الهليكوبتر في مدينة الاتحاد (( الشعب )) استهدف الطائرة التي تقل المندوب السامي البريطاني ولكن لسوء الحظ لم تنفجر العبوة بسبب عطل فيها وقد اْكتشفت في اليوم التالي بعد تفتيش دقيق ورغم فشل الخطة إلِا أن هذا ترك ضجة عارمة ورعبا ٍ في قلوب الإنجليز ومن المهمات التي كْلفت بها أيضا ٍ مراقبة ضباط المخابرات الإنجليز ومنهم ماستر كندش الذي تم اغتياله عقب ذلك إضافة ٍ إلى ما تحملته من خطر في تخزين الأسلحة في بيتي والتدريب فيه بسرية تامة كما كْلفت باستطلاع الأخبار عن الإخوة فيصل عبداللطيف الشعبي ومحمد أحمد البيشي وعوض محمد جعفر وعدد من الإخوة في التنظيم كانوا قد اْختْطفوا وتم أخذهم إلى مدينة تعز فكْلفت بالذهاب إلى منطقة المْسيمير ثم إلى منطقة الملاح لاستطلاع هذه الأخبار وفي الطريق انفجر لغم في السيارة التي كنا فيها وقْتل السائق وشخص آخر ومشيت برا ٍ على الأقدام إلى المْسيمير واجتمعت هناك ببعض الإخوة في التنظيم وحاولنا تشجيعهم وتثبيتهم على البقاء ومن ثم ذهبت إلى الملاح ومن هناك استقليت سيارة إلى لحج والتقيت بدورية من تنظيم الجبهة القومية عرفت فيهم الأخ محمد الجفة الذي طلب مني البقاء معهم وحذرني من خطر الطريق ولكنني كنت مْصرا ٍ على العودة إلى عدن وموافاة الإخوة هناك بما حصلت عليها من أخبار وفي الطريق أْطلق علينا الرصاص وأْصبت في الجانب الأيمن من رأسي وفقدت الوعي وكان هذا في 4 سبتمبر 1967 م وأعادني السائق إلى لحج وعرفني الأخ محمد يحيى البعم واتصل بالنقيب محمد حيدرة وجهز لي سيارة لتنقلني إلى مستشفى (( الجهيتش )) مستشفى الشهيد عبود العسكري حاليا ٍ بمدينة خور مكسر في عدن وقد أدت الإصابة بي شلل نصفي لأن طلقة الرصاصة في الدماغ وقد أْرسلت للعلاج إلى جمهورية مصر العربية الشقيقة ولكن الأطباء لم يتمكنوا من إخراج الطلقة .

قد يعجبك ايضا