العالم يفكر بالكاميرا

أصبح العالم يفكر بالكاميرا مقولة ليست ببعيدة ولا مبالغ فيها ذلك أن انتشار التصوير على هذا النحو وشيوع الكاميرا ملحقة بأجهزة الهاتف يجعل التصوير مدى للرؤية والتفكير ما إن تلاحظ مشهدا مثيرا أو حادثا أو منظرا جميلا حتى تخرج هاتفك وتصور الأمر وصل إلى حد أن البعض ومعظمهم من الأطفال يخرجون في الرحلات مستخدمين الكاميرات “فيديو” طوال الوقت لدرجة أنهم لا يشاهدون الطبيعة على حالها والمناظر التي حولهم كما هي وبالمدى البصري الطبيعي بقدر ما يرونه من خلال الكاميرا.
الصورة تحيط بنا من كل مكان ونفكر ونحن نرى الأحداث الاستثنائية وأحيانا العادية أن نسجنها في شريط رقمي “فيديو” أو إطار فوتوغرافي في الزيارات العائلية يكتفي الجميع بالتقاط الصور أكثر مما يعيشون اللحظات ذاتها ومثلها في الرحلات كما لو أن الناس تذهب لالتقاط الصور وليس للاستمتاع بما ذهبوا إليه.
اكثر من هذا فإننا نتلقى كل شيء في العالم عبر الصورة في التلفاز وفي الإنترنت وفي الهواتف المحمولة لدرجة أن الكلمات يتم الاستعاضة عنها بالصور وهي صور تعبيرية لوجوه أو كائنات مصحوبة بالكلمات ونتبادل الصور عبر الوسائط الرقمية وننشرها على صفحاتنا في مواقع التواصل الاجتماعي ونكتفي كثيرا بمشاهدة الصور لمعرفة ما يجري.
ولا نعلم ما الذي تخبئه التقنية من مفاجآت فهذا انتشار التصوير “سيلفي” يجعلنا نعيش لحظاتنا نحن ونرى أنفسنا عبر الصورة وهي ربما واحدة من تقنيات التصوير الحديث حين تمكن كاميرا الهاتف الشخص من تصوير نفسه لكن ثمة تقنيات أخرى لعل أبرزها “طائرة من دون طيار” التي انتشرت مؤخرا وإن كان ما يزال استخدامها سينمائيا إلا أنها بدأت تنتشر وتستخدم في مكاتب وشركات التصوير كما أن تطويرها جار على قدم وساق بحيث يمكن أن تناسب المستهلك العادي وقد يصل الأمر يوما ما إلى أن يمتلك كل منا طائرة خاصة للتصوير.
وللصورة دورها الكبير في تغيير الوعي الإنساني خصوصا حين يستخدمها الناس في الجانب الإعلامي ويصورون حوادث الانتهاكات فيما يشبه التوثيق الصحفي الذي يرصد الأحداث ويفتح عيون العالم على وحشية الممارسات اللاإنسانية لأنظمة القمع والجماعات الإرهابية وإن كانت هذه الأخيرة للأسف تتباهى بذلك لكن الصورة وبشكل عام (إلى جانب الإنترنت) جعلت من كل مواطن صحفيا إنه يمتلك كاميرا ويمتلك حسابا في مواقع التواصل الاجتماعي وبوسعه نشر ما يرى أنه يستحق النشر ولم يعد بوسع الأنظمة وإدارات الرقابة أن تحد من نشاطه أو تنمطه وتقيده أو تصنع صورة ما وتسمح بتداولها بما يتوافق مع رؤاها ونظرتها للأحداث.
من الناحية الثقافية البحتة ثمة فرق شاسع بين الصورة والكلمة فالكلمة تحفز التفكير بينما الصورة تجعل الذهن سطحيا وبسيطا وبالكاد يلاحق اللحظات وحركة الصور وتتابعها وصمتها الذي دائما ما يستنطق جانب منه. لكن الصورة تظل مساحة جغرافية في عوالم التواصل الاجتماعي خلقتها وتعززها كل يوم التقنيات الحديثة لكن التفكير عبر الصورة والتثقف عبرها خصوصا فيما يتعلق بالمجتمعات التي لم تقطع مراحل طويلة في القراءة يسطح العقلية ولهذا نحتاج لتلقي الفنون الجميلة ونقرأ حولها وحول معطيات الصورة كما نحتاج للفن الفوتوغرافي الذي يجعل من الصورة فنا وجمالا فتصبح كاللغة تماما في جانب منها تواصلي ومباشر وفي الجانب الآخر إبداعي حيث يمكن لكل منهما أن يثري الآخر.

قد يعجبك ايضا