ليبيا المضطربة حكومات متعاقبة ومشهد سياسي قاتم

منذ أن شهدت ليبيا الاحتجاجات الشعبية في 17 فبراير 2011م وحتى اللحظة الراهنة تم تشكيل عدة حكومات وكانت كل حكومة لا تستمر أكثر من شهر أو شهرين وطيلة الفترة الماضية والبلاد تشهد حكومات متعاقبة وكلما جرى الإعلان عن حكومة جديدة وإقالة أخرى تزداد الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية تدهوراٍ ملحوظاٍ خصوصاٍ خلال العامين الماضيين ناهيك عن تشكيل حكومة عبدالله الثني الأسبوع الماضي التي تعهدت أمام البرلمان بأن تكون عند مستوى المسؤولية وأن تحافظ على الاستقلال الوطني وأن تحل كافة مشاكل الشعب.
إلا أن الواقع دائما ما كان يكذب تلك المزاعم ويظهر الحقيقة خلافاٍ لذلك لا سيما في ظل التطورات الجارية والمؤسفة وما نتج عنها من احتقانات سياسية تعاظمت أكثر خلال السنة الماضية واتخذت أبعاداٍ من التعقيدات المختلفة حيث تجذرت المشكلة وترسخت لسببين أحدهما تمثل بالفساد الداخلي وتراكم الأرث الاستعماري وأزمة الهوية الوطنية والسبب الثاني يتمثل بالتدخلات الخارجية والتي لم تعد في نطاق ما يمكن وصفه بالتدخلات فحسب ولكن تبدو الحالة أسوأ مما كانت عليه البلاد في المراحل الاستعمارية المختلفة.
ففي الماضي خصوصاٍ إبان الاحتلال الايطالي لذلك البلد كان هناك مقاومة ضد الفاشية لكن الحاصل بالظرف الراهن أن الفاشية الايطالية صارت جزءاٍ من النسيج الاجتماعي المكون للشعب وهذه إشكالية حقيقية ومعضلة فعلية أثارت جملة من الاستفسارات المشروعة أبرزها كيف يقسم رئيس الحكومة بأن يحافظ على الاستقلال الوطني والبلد في أسوأ مرحلة تبعية وإرتهان للتحالف الأوروبي الثلاثي المتمثل بايطاليا وفرنسا وبريطانيا والعالم يدرك باستثناء الشعب ربما في ذلك البلد لا يدرك بأن ما هو حاصل ليس حكومات متعاقبة يجري الإعلان عنها وإنما إدارة لذلك التحالف الثلاثي فيما يتم إضفاء مشروعية على الحكومات الشكلية لإخفاء حقيقة تلك الإدارة الأجنبية ضمن تقاسم أوروبي لذلك البلد العربي بسبب امتلاكة للثروة النفطية وبالتالي ما هو حاصل لا يعدو عن كونه استعمار ثلاثي تحت قبة البرلمان وهو ما سبق وأن كتبت صحيفة الشمس الليبية خلال الأسبوعين الماضيين مقالاٍ مطولاٍ جاء تحت عنوان المجاهد عمر المختار ظاهرة قابلة للتكرار أشار ذلك المقال إلى حالة التدني والتدهور التي تشهدها ليبيا بالظرف الراهن منوهاٍ بأن ما هو حاصل يكاد يكون قد شمل أزمة متكاملة تداخلت أبعاد السلبية وخلفياتها المدمرة أزمة مجتمع وأزمة دولة وأزمة حكومة باستثناء ما تبقى من تاريخ ذلك البلد الذي تجاوز أزمة الناس حاضراٍ.
كما ذكرت تلك الصحيفة في ذكرى استشهاد عمر المختار كان ذلك المجاهد بحسب تعبير الصحيفة عاملاٍ أساسياٍ في فض النزاعات الأهلية وأداة مهمة شكلت حركة تاريخية في مرحلة الصراع مع الاستعمار الايطالي كما مثلت تلك الحركة التي قادها ذلك المجاهد أداة مهمة أيضا في الحكم والتحكيم لما من شأنه انهاء الصراعات وأكدت على أهمية أن التاريخ لم يتوحد في ليبيا إلا في عهد عمر المختار أما الآن بحسب الصحيفة فإن الأزمة الحاصلة في البلاد حالياٍ أزمة ناس قبل أن تكون أزمة دولة.
وأرجعت سبب ذلك إلى تفشي الصراعات الداخلية وهيمنة التدخلات الخارجية دونما وعي أو إدراك بأن حالتي النزيف الداخلي والتشظي السياسي نتاج طبيعي لهيمنة العامل الخارجي وكذلك انتشار الجماعات المسلحة كسمة بارزة باتت تحكم ليبيا بالظرف الراهن وإن كانت هناك بالمجمل العام مخاوف من انتقال داعش إلى ليبيا لكن في الحقيقة والواقع أن تلك المخاوف قد تبددت لأن ما هو حاصل أسوأ من ذلك بكثير.
حيث يمثل التدخل الخارجي والصراع الداخلي أخطبوطاٍ ثنائياٍ يتأسس على الرعب والإرهاب بديلاٍ عن البناء والتنمية خصوصاٍ والحديث الذي تشعب منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية بل منذ انقلاب الفاتح 1969م وما سبق أيضا من عملية السمرقندية عام 1943م كل ذلك مازال وسيظل يعيد إنتاج المشكلة الحقيقية المتمثلة بالإرث الاستعماري الايطالي.
وهذا بالتأكيد لا يقلل من أهمية وجود تيار وطني وقوى عربية إسلامية صاعدة لكن تأثير تلك القوى يبدو محدودا في ظل ارتفاع التدخل الخارجي الذي جعل من الجماعات الإسلامية أسوأ من داعش بكثير فالجماعات والأحزاب والتنظيمات الإسلامية في ذلك البلد العربي تندرج تحت مسمى مسلمي إيطاليا أي أن الدولة الاستعمارية سليلة الامبراطورية الرومانية والعدو الحقيقي للشعب الليبي هي من تتحكم بمصير وإمكانيات ومقدسات بلد المجاهد عمر المختار طبقاٍ لتوصيف صحيفة الشمس الليبية.
وهذا يتطابق مع ما قاله الجنرال جرزياني بأن إثارة النزاعات الداخلية في هذا البلد أمر ضروري لتحقيق سيطرة الحكومة الفاشية كان ذلك عندما أعلنت ايطاليا ليبيا مستعمرة إيطالية في سبتمبر عام 1934م ولا زال تاريخ ذلك البلد منذ ذلك الإعلان حتى اللحظة الراهنة مما يجعل من أي حكومة قديمة أو جديدة غير قادرة على إخراج ليبيا من أزمتها القائمة.
ويرجع سبب ذلك إلى عدة عوامل أبرزها أن العملية السياسية في المشهد الليبي أكانت على مستوى الهامش أو المركز تواجه حالة من الاضطرابات المتنامية والتي زادت حدتها في الآونة الأخيرة وأخذت طابع التمدد لكي تتحول إلى أزمة قائمة مما ساعدها على الاستمرار والتعقيد في اللحظة الراهنة تنامي الاضطرابات الأمنية وما نتج عنها من اختلالات أثرت سلباٍ على تلك السياسة المضطربة الأمر الذي يظهر جملة تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية أمام الحكومة الحالية لا سيما والأسباب التي أدت إلى فشل الحكومات السابقة لم تنته بعد وإنما أخذت في التنامي الملحوظ والمستمر.
وبالتالي فإن الحالة السياسية القائمة بحسب متابعين مرشحة للتصعيد بالنظر لغياب السياسة المحلية واحلال السياسة الدولية باعتبارها اللاعب الرئيسي والمؤثرة في رسم التطورات الجارية والتحكم بمجريات الأحداث لا سيما وتعميق الصراعات الداخلية من متطلبات القوى الدولية لضمان التقاسم على لثروات ذلك البلد والحرص على استمراره لكي تكون الادانة للمجاميع المسلحة في ظاهر المعنى والدلالة من أجل إخفاء أي إدانة أو استنكار لتلك القوى.
خاصة والمعضلة الكبرى التي تواجهها ليبيا بالظرف الراهن تتمثل بالمليشيات المسلحة المنتشرة في انحاء متفرقة داخل ذلك البلد والتي أثرت سلباٍ على مسار التطور الديمقراطي والأمني والاقتصادي ما جعل من المشهد السياسي الليبي في لحظته الراهنة يتقدم من سيئ إلى أسوأ جراء ما تشهده ليبيا من فوضى سياسية وأمنية وما نتج عنها من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية المضطربة ظهرت من خلالها الحكومات المتعاقبة عاجزة وغير قادرة على تحقيق أقل قدر ممكن من الأمن والاستقرار.
وهو ما يعني أن ثورة 17 فبراير 2011م التي أطاحت بالنظام السابق لا تزال في معترك التحديات الكبيرة في ظل تعدد الرؤى السياسية وتشتت الأفكار المختلفة وهو ما يتطلب إزاء الحالة القائمة التي تمر بها ليبيا من جميع فرقاء العملية السياسية تحرير القرار الوطني من التبعية والارتهان وإجراء تسوية شاملة لكافة النزاعات وإيجاد مناخات ملائمة تنهي حالة الاحتقانات المتزايدة والحد من اتساع نطاق الاستنفارات المضادة والتوصل إلى حلول موضوعية ومرضية لجميع الأطراف.
ثمة مفارقات عجيبة تستدعي بالتأكيد إخراج ليبيا من أزمتها الراهنة لا يتحد ولا يتقرر إلا من خلال رد الاعتبار لتاريخ المجاهد عمر المختار والأخذ بالقيم التي جسدها في الواقع وترجمتها حرفياٍ في مجابهة ومقارعة الاستعمار بناء على توصيف صحيفة الشمس الليبية التي دعت إلى بحث مسألة الاستقلال الوطني قبل الحديث عن تشكيل الحكومات المتعاقبة كما أوضحنا مشيرة إلى أن الأزمة أزمة ناس وليست أزمة دولة.

قد يعجبك ايضا