إمام الحرم المكي: الحروب المدمرة تقضي على استقرار المجتمعات وتصور السلام حمقا والرحمة عجزا والعدل استكانة

يواصل ضيوف الرحمن اليوم أداء مناسك الحج في أجواء إيمانية وروحانية تتسم بالإنسانية والسهولة حيث يقوم حجاج بيت الله الحرام بتمضية أيام التشريق الثلاثة وهي الـ 11 و 12 و 13 من ذي الحجة في مشعر منى يذكرون الله ويكثرون من ذكره وشكره ويكملون رمي الجمرات الثلاث يبدأون بالصغرى ثم الوسطى فالكبرى كل منها بسبع حصيات ويجوز للمستعجل منهم قضاء يومين من أيام التشريق لمن تعجل.
وكان حجاج بيت الله الحرام قد أقبلوا زرافات وأفراداٍ إلى مشعر منى راجلين وركباناٍ مع إشراقة صباح اليوم العاشر من شهر ذي الحجة مهللين مكبرين تملأ قلوبهم الفرحة والسرور بعد أن من الله عليهم بالوقوف على صعيد عرفات وقد أدوا الركن الأعظم من أركان الحج ثم باتوا ليلتهم في المشعر الحرام مزدلفة تحفهم عناية الله ورعايته وهم يعيشون الأجواء الإيمانية.
وأوصى إمام وخطيب المسجد الحرام أثناء صلاة عيد الأضحى المبارك المسلمين في خطبته بتقوى الله عز وجل والتمسك بالعروة الوثقى مبيناٍ فضل شعائر الحج.
وفور وصول الحجاج إلى مشعر منى شرعوا برمي جمرة العقبة, اتباعا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم , ومن ثم يطوفون بالبيت العتيق ويؤدون نسكي الحلق أو التقصير والنحر.
ويأتي رمي الجمار تذكيراٍ بعداوة الشيطان الذي اعترض لنبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل في هذه الأماكن, فيعرفون بذلك عداوته ويحذرون منه.
وبعد أن يفرغ الحاج من رمي جمرة العقبة شرع له في هذا اليوم أعمال يوم النحر حيث يبدأ بنحر هديه , ثم بحلق رأسه , ثم الطواف بالبيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة.
وقد رصدت وكالة الأنباء السعودية مراحل تنقل الحجاج بين المشاعر وتميزها بالانسيابية رغم كثرة المركبات مشيرة إلى أن الحجيج عاشوا في نفرتهم الهدوء والسكينة في طقس اتسم بالاعتدال بحمد الله تحفهم عنايته سبحانه وتعالى.
وأدى جموع المسلمين بالمسجد الحرام أمس صلاة عيد الأضحى المبارك وأم المصلين إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم الذي أوصى المسلمين في خطبته بتقوى الله عز وجل والتمسك بالعروة الوثقى قبل المصرع إذ بها النجاة بفضل الله يوم المفزع بالتقوى يحقق المرء العبادة على نور من الله يرجو ثواب الله ويخشى عقابه.
وقال: لقد أكرمكم الله في حجكم هذا بعيِدúين عظيمين عيد الأسبوع يوم الجمعة الذي وافق الوقوف بعرفة وعيد الأضحى الذي هو الحج الأكبر يوم رمي جمرة العقبة ونحر الهدي والأضاحي وقضاء التفث يوم الفرح بتمام الوقوف والمبيت والرمي والنحر يوم إعلان التوحيد والبراءة مما يعبد من دون الله إنه التوحيد الذي خلق الله الخلق لأجله إنه الاستسلام لله بالطاعة والخلوص من الشرك وعبادته سبحانه وتعالى.
وأضاف: إن الله سبحانه وتعالى جعل الكعبة البيت الحرام قياما للناس فهي البناء الشامخ وقبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تتعاقب عليها الأجيال زمناٍ بعد زمن وجيلاٍ بعد جيل ويقصد الناس هذا البيت الحرام للحج والعمرة وأن هذا النسك العظيم يذكرنا بما أودع الله فيه من أحكام وحكم قيمة الأمن والاستقرار حيث أمن الله فيها الإنسان والطير والوحش وسائر الحيوان ليدرك الناس حاجتهم الملحة إلى الأمن والاستقرار في حياتهم فلا سياسة ولا تعليم ولا اقتصاد بلا استقرار فبالاستقرار يسود الأمن وبالأمن يؤدي المرء أمر دينه ودنياه.
وأكد الدكتور الشريم أن استقرار المجتمعات سبب في النجاح الذي يشبع احتياج كل أفراده وفقدان الاستقرار فشل ذريع في السير الآمن في مهامه في الحياة ودروبها واختلال لكل مشروع إيجابي وأن الاستقرار هو العود وثمرته هي الظل ومن المحال أن يكون الظل مستقيما في حين أن العود أعوج.
وأشار إلى أن في نْسك الحج المبارك يستلهم كل مسلم أثر العدل في قوام الحياة واستقرار المجتمعات فيستلهم المسلم ذلك في كون الحجاج سواسية لا فضل لأحد على أحد في شكل أو لباس أو وقوف أو رمي أو مبيت كلهم قد ولدوا عراة ثم هم يحجون بلباس يذكرهم بالعراة إنه العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض العدل الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم إن الله شرف أمة الإسلام بالعدل حيث جعله قيمة مطلقة فهو الأساس في تعامل المسلم مع غيره حبيبٍا كان أم عدوٍا مسالمٍا أو محاربٍا.
وتابع الدكتور الشريم : إننا نعيش في زمن بلغ شأنا رفيعا في الحياة المادية والنظريات الفلسفية والثورة التقنية والترسانة العسكرية المتشبعة بروح الأنانية والعدوانية وإرادة العلو في الأرض وإهلاك الحرث والنسل غير أن هذه الحضارة عجزت عن إشباع الروح بالرحمة والطمأنينة والحكمة والعدل والإيثار ولا أدل على تلك النزعة من إفراز هذه الحضارة المادية السباق المحموم إلى التسلح على حساب الاحتياجات البشرية للأخلاق والطعام والشراب والمعيشة بأضعاف مضاعفة حتى جنى على سياسة العالم الثالوث الخانق وهو الخواء الروحي والقهر العسكري ومن ثم أوجدت أسلحة الدمار الشامل فدْعت إلى شعوب العالم دعاٍ حتى صورت السلام حمقٍا والرحمة عجزاٍ والعدل استكانة وجعلت مفهوم الغبطة في الضعيف الجاثي على ركبتيه يسبق مدمعه مدفعه حتى تشرب العالم اليوم ألواناٍ من الحروب المدمرة قل أن يسلم منها بلد.
وسأل في ختام خطبته الله عز وجل أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والاستقرار وعلى بلاد المسلمين كافة.
