
مع كل ما عانته صنعاء خلال السنوات الأخيرة وما تعانيه الآن إلا أنها تبدو كما لو كانت معرضا مفتوحا في ظل تزايد الحملات الفنية والجداريات وازدهار الرسم الجرافيتي فيها. الذي حول جدرانها إلى لوحات فنية زاهية.
وفي الواقع ليس هناك حالة مشابهة في كل الأوطان التي تمر باضطرابات ونزاعات وتصاعد حدة العنف مثل اليمن لهذه الحالة التي يمثلها شباب يمنيون يقاومون بشاعة الواقع بالفن وهم يبدعون في ظروف قاهرة يعاني منها الفن محاولين تجاوز ظروف أكثر قهرا تعاني منها الحياة في هذا البلد.
ولعل آخر الظواهر والحملات الفنية حملة «كاريكاتير الشارع» التي رسم عبرها الشباب قضايا ومشاكل اليمن عبر أعمال كاريكاتورية رسموها على جدران عدد من الشوارع في صنعاء وهي لوحات فنية ورسائل فنية تحمل مضمونا اجتماعيا وسياسيا عوضا عن كون العمل في ذاته تعبيرا رمزيا عن مقاومة الفن لكل الدمار الذي تلحقه السياسة بهذا البلد المكابد وإنسانه.
الحملة التي أطلقها الفنان يزن العلوي ناقشت كثيرا من القضايا والهموم اليمنية منها موضوع الجرعة السعرية ورفع الدعم عن المشتقات النفطية وقضية قتل الجنود وهجمات تنظيم القاعدة بالإضافة إلى موضع ثالث وطريف تحت شعار «جرعة فن وحياة» حيث رسمت الحملة وجوه 22 فنانا وفنانة من أعلام الفن في اليمن كتخليد وتذكير وتكريم لهم وإعادة إحياء للفن وقيمه.
وبالتوازي مع حملة «كاريكاتير الشارع» أطلق مجموعة من الشباب حملة مماثلة لكنها مختلفة الفكرة والفعل ويجمع بينها اللون والريشة وجدران صنعاء والرسالة التي يحرص شباب اليمن إيصالها غير أن هذه الحملة تعتمد على الكلمة وتعيد كتابة مقاطع ومقتطفات من كتب وإنتاج أعلام الفكر والأدب على جدران بعض الشوارع في صنعاء ماضية في إعطاء الكلمة مساحة من حياة الناس والأفق البصري وتحت شعار «كتاب مفتوح» أعادت الحملة كتابة مقولات ونصوص لكل من البردوني ودرويش جيفارا والبردوني وغاندي ومؤلفاتهم.
وتعيد الحملة الاعتبار للقراءة والكتابة كفعلين راقيين يتشكل عبرهما أفق الحضارة الإنسانية وارتقى الإنسان وبقدر ما فيها من إعلاء لقيم المعرفة ففيهما حالة مقاومة ضد الفضاء البصري المشوه بالرصاص والصراعات.
وتعيد الحملتان الأذهان إلى حملات مماثلة أشهرها وأبرزها حملة الفنان الشاب «مراد سبيع» بل تبدو الحملات الأخيرة كما لو كانت امتدادا لحملات الفنان سبيع والمتمثلة في ثلاث حملات على التوالي لون جدار شارعك والجدران تتذكر وجوههم و12 ساعة وهي حملات عمقت حضور الفن الجرافيتي في صنعاء وكان لها أصداؤها الواسعة على مختلف المستويات الفنية والإنسانية والثقافية.