حـديث الصـــورة .. في موكب الثــورة


عندما تتحدث الصورة تخرس الألسنة وتبقى الكلمات حبيسة الحناجر والأفواه فما عساها أن تقول في حضرة المشهد الذي لا يكذب ولا يتجمل , وهل تستطيع أن تنطق بعشرة آلاف كلمة في لحظة هي محتوى الصورة ?! من يستطيع أن يشكك ويطرح أسئلة مريضة عن ثورة سبتمبر 1962م هل ما حدث كان ثورة أم حركة أم موقف ساعدت الحظوظ والصدفة على نجاحه ?! إنها ثورة هكذا تحدثت الصورة , آلاف البشر من مختلف مدن وقرى ومديريات اليمن هبت وتوافدت تدعم الثورة وتساندها بالمهج والدم والأرواح ليس في الشمال فحسب فهناك في الصورة أفواج الجيش الشعبي القادمة من الجنوب المحتل جاءت لتحمل على كتفيها السلاح فالهم مشترك والوطن واحد والدم يحن مهما كانت المناحرات ومهما حاولت القوى المعادية آنذاك استخدام نظريات السياسة والجغرافيا ((فرق تسد)) فوقت الجد والموقف تتلاحم الأيدي وتزأر صرخات الحرية هكذا تحدثت الصورة. نعم إنها كذلك هي خلاصة المواقف فالأحداث العظام لا تصنع نفسها أبدا بل تصنع بههم الرجال وجماجم الأبطال للوصول إلى نهاية الملحمة إلى استراحة المحارب والبدء في بناء التنمية , فقد قامت الثورة ولا رجعة للرجعية والتخلف والجهل والعبودية , صور ومشاهد وثائقية للأيام الأولى للثورة اختزلت الأهداف ومشوار التضحيات في لحظات استقطعت من الزمان والمكان ..هي الوقت الذي استغرقته عدسة الكاميرا لدخول الضوء لقد دخل الضوء الى الفلم الحساس الذي لم يخرج ولن يخرج إلى الأبد إنها حتمية الثورة .. إنها الدماء التي سالت رخيصة في محراب الوطن و حرية الشعب , هكذا تحدثت الصورة . من هؤلاء? وما أسماؤهم ? إنهم معروفون , إنهم شعب اليمن !! لحظات من تاريخ اليمن الحديث وثقتها الصورة ورسمتها عيون فنان وعدسات ” كاميرا ” لا تكذب ولا تقول إلا الصدق.. إنه تاريخ نابض بالحياة في إطار صامت سلخ من ثواني الزمن يعكس الواقع كما هو أنسن الأحداث وتحدث بملايين الكلمات , أناس صنعوا التاريخ ومواقف كتبت بالضوء تستلهم من إطار صورة . ربما أكون من جيل ما بعد الثورة بسنوات ولكنني عشت مع هذه اللقطات الحية كل الأحداث التي وردت فيها وعبرت عنها.. هذا هو أبو الاحرار الزبيري الشاعر الحر والفارس المقاتل في موكب الثورة ومن قال غير ذلك فالصورة تكذبه ها هو حامل للسلاح وها هو رفيق دربه الاستاذ النعمان في الميدان يجوب القرى والمدن يبشر بالفجر الجديد , عندما كانت الكلمة رصاصة أطلقاها مدوية وعندما أصبح الموقف هو الرصاصة عبرا بها . وهذا هو السلال وهذا جزيلان ومحمد قايد سيف والعمري. . و..و.. وهذا هو البيضاني .. كلهم في موكب الثورة . هكذا تحدثت الصورة . أفراد ومئات وآلاف الناس, تواجدوا في ((كادر الصورة)) مرحبين ومؤيدين للثورة واقفين جميعا في خندق واحد , وهناك ملايين لم يستوعبهم الكادر الضيق لعدسة الكاميرا التي صورت ما وجدت أمامها ولم يسعفها الوقت للبحث عن الآخرين وهم كثر وكثر جدا. بحجم الشعب اليمني كله.في قرى والمدن اليمن المترامية الأطراف . فلم تكن ثورة سبتمبر حدثا عاديا أو حادثة عابرة صنعتها الصدفة وأنجتها الحظوظ كما يروج المعتوهون في عصرنا , لكنه موقف الصمود والتضحية جاء عبر سلسلة من التراكمات من النجاحات والإخفاقات ودماء زكية سالت على تراب الوطن الطاهر.. جاء بعد حركات ثورية حاولت التغيير و لم يحالفها النجاح للتحرر من جور الإمامة وعبودية الكهنوت والتخلف وحكم الفرد. استفادت من كل هذه التجارب والإخفاقات وصححت أخطاءها لتحقق النجاح الساحق لان المرجعية كانت الشعب هذه المرة وإرادة الشعوب لا تقهر هكذا قال التاريخ وهكذا تحدثت الصورة وهكذا انبلج فجر جديد على اليمن يوم 26 سبتمبر 1962م حيث بدأت التحولات الكبرى المصيرية للحاق بحضارة النصف الثاني من القرن العشرين إنها الثورة الأم التي شارك فيها الجميع في شمال اليمن وجنوبه وما هي إلا سنة لتندلع ثورة أكتوبر على رأس المستعمر البريطاني في الجنوب المحتل لتعيش اليمن بشطريها حياة الكرامة والحرية ولتتهيئ لاقتناص الفرصة لعودة الهوية الحضارية لأصلها وليتوقف التاريخ في لحظة من لملمة الماضي واجترار الأزمنة يوم إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م . وما ذاك إلا نتاج لمعنى وفحوى الصورة .. نتائج تلك اللحظات الحاسمة التي نعيشها اليوم وسنعيشها غدا وستعيشها لا شك أجيالنا القادمة.
ksofi@hotmail.com

قد يعجبك ايضا