–
دخلت العملية السياسية في جمهورية السودان بالظرف الراهن مرحلة غير طبيعية¡ ففيما تنعقد جلسة المباحثات الثنائية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بين وفدي حكومة الخرطوم وحكومة جوبا¡ تصاعدت بؤر التوتر بين الجانبين لتشمل ولاية النيل الأزرق¡ حيث يتبادل طرفا التفاوض الاتهامات بتحسين العملية السياسية والدفع بها نحو الحرب الوشيكة بحسب مصادر سودانية رسمية¡ وهو ما يعني أن مفاوضات أديس أبابا الجارية حاليا◌ٍ بين ذلك الوفدين ليس إلا التقدم في الطريق المسدود¡ بل قد تكون تلك المفاوضات مقدمة لحرب سيشهدها السودان على حدوده مع الجنوب ومع المتمردين والمدعومين من نظام جوبا في المناطق التابعة للشمال¡ ومعنى ذلك أن دولة جنوب السودان ماضية في دعم التوتر في ولاية النيل الأزرق وكذلك في دار فور على أساس توسيع ماسحة ذلك التوتر لما من شأنه إقلاق الأمن والاستقرار في أرجاء السودان¡ وبالتالي فإن سبل وإمكانية نجاح مفاوضات أديس أبابا ضئيلة جدا◌ٍ¡ بدليل أن رئيس الوفد المفاوض من قبل حكومة الخرطوم شكك من نجاح تلك المفاوضات واعتبرها محاولة لإيقاف بوادر الحرب من قبل دولة الجنوب الماضية في تأجيج النزاع المحلي كأداة مرتبطة في مجريات السياسة الدولية.
ولعل ما يؤكد ذلك القرار الصادر عن مجلس الشيوخ الأمريكي والذي تضمن في معناه الأساسي والرئيسي تعزيز الاستقرار بالسودان والعكس صحيح¡ في إشارة واضحة بأن السياسة الدولية تسعى جاهدة إلى توسيع التدخل في الشأن الوطني السوداني¡ والذي لم يعد تحت غطاء حركة الدبلوماسية العالمية ولكنه تدخل ناعم إلى دعم مباشر لتصعيد حرب داخلية في السودان¡ خاصة وقد تم إلغاء زيارة كانت مقررة للرئيس السوداني عمر البشير إلى جوبا وكذلك الحشود العسكرية المبتادلة بين الجانبين.
وهو ما يعني بكل تأكيد أن السودان ابتعدت حاليا◌ٍ عن مرحلة الوفاق بسبب الوظيفة الأساسية للكيان الذي ظهر بالجنوب والذي من أهدافه تفكيك وحدة السودان غير مكتفي بالانفصال عن شماله ساعيا◌ٍ من جانبه إلى توسيع رقعة النزاعات في جنوب كردفان.
وفي الوقت ذاته تقف السودان على مفترق طرق حاليا◌ٍ إما أن تنهي حالة النزاعات الداخلية ويدخل الفرقاء مرحلة المفاوضات السلمية¡ وإما تعطيل تلك المفاوضات والدخول في حرب داخلية¡ ما لم فلا يعقل أن تجمع السودان حاليا◌ٍ بين القتال والمفاوضات¡ ففي ذلك عبثية تسعى إلى تكريسها السياسة الدولية في السودان ضمن الاستهداف الموجه بشكل عام الذي يطال الخرطوم سعيا◌ٍ إلى عمل عواصم جديدة للسودان على غرار أكثر من جوبا تلبية لمخطط صهيوني في المنطقة.