صنعاء ودورها المحوري في التصدي للمخططات الاستعمارية

طه العامري

 

 

ونعيش وتعيش الأمة بكل مكوناتها الوطنية والقومية مرحلة اختبار وجودي، اختبار لإيمانها ولهويتها ولقدراتها الروحية والمادية والمعنوية، ولعلاقتها بالتحولات والمتغيرات الحضارية ومدى إمكانياتها في التعاطي مع هذه التحولات في عالم مضطرب، عالم يتجه فيه الأقوياء بكل غطرسة وقبح لفرض هيمنتهم على ما دونهم وبطريقة جد فجة ومثيرة للتساؤلات عن قدرة أمتنا في مواجهة كل هذا الجنون الذي يجتاح العالم والمنطقة، حيث أصبح الصراع الجيوسياسي يستبيح كل القوانين والتشريعات والقيم والأخلاقيات والأعراف الإنسانية، بدليل المذابح التي تجري في فلسطين وسوريا ولبنان والعدوان المتجدد على بلادنا اليمن التي تقف وحيدة كما يبدو في مواجهة طوفان الغطرسة الجيوسياسية رغم قدراتها وإمكانياتها المتواضعة غير إنها استطاعت وبكل ثقة أن تلفت أنظار العالم أمام ارادتها الصلبة ومواقفها الثابتة والمبدئية التي تعكس أصالة الفعل والموقف، ناهيكم عن أن صنعاء بمواقفها تقرع أجراس الخطر إزاء المخاطر الوجودية التي تهدد الأمتين العربية والإسلامية.
إن صنعاء وبعيدا عن كل التحليلات والتفسيرات التي تتداولها وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، وبعيدا عن كم التحريض ضدها التي تسوق من بعض الأطراف المحلية والإقليمية والتي تغذي التوجهات الدولية المعادية لمواقف صنعاء، غير أن الأيام سوف تثبت سلامة موقف صنعاء والتاريخ سيدون في أنصع صفحاته هذه المواقف المبدئية التي تقفها، ليس تجاه القضية العربية العادلة في فلسطين فحسب، بل تجاه المخططات الاستعمارية المعادية للوجود العربي -الإسلامي الهادفة إلى تطويع إرادة الأمتين واستلاب قدراتهما لتكون في خدمة أعدائهما الوجوديين.
إن صنعاء تثبت من خلال مواقفها الإسنادية صحة استقلالها واستقلال قرارها السيادي الوطني، كما تؤكد سلامة رؤيتها تجاه المخططات التي تستهدف الوجود العربي الإسلامي، على اعتبار أن القضية الفلسطينية هي البوصلة التي يمكن من خلالها استشراف خطورة العدوان وأهدافه الاستعمارية، التي لن تقف في نطاق التداعيات الجارية، بل سوف تمتد بصورة أو بأخرى إلى تلك النطاقات الجغرافية التي تقف موزعة بين (الحيادية، والوساطة،) وبين التواطؤ والتحريض ضد كل من يرفع لواء المقاومة في مواجهة العدو ومخططاته..!
إننا نقف أمام مرحلة وجودية خطيرة وغير مسبوقة، مرحلة يريد صناع أحداثها إعادة هيكلة خارطة الوطن العربي والعالم الإسلامي، وإعادة هيكلة الوعي العربي الإسلامي اتساقا مع رغبات قوى التأثير الدولية التي نقلت معركتها الجيوسياسية إلى الوطن العربي والعالم الإسلامي بهدف إعادة ترتيب مواقفها ونفوذها وتقاسم هذا النفوذ على حساب الوجود العربي الإسلامي، اعتمادا على ما يمكن وصفه بانتصار العدوان الصهيوني الذي أباد آلافاً من أبناء فلسطين وحيَّد إلى حد ما حضور المقاومة في لبنان وإخراجها من المشهد برعاية دولية وموافقة إقليمية، وسقوط النظام القومي في سوريا، لتصبح اليمن وإيران هما الثنائي المطلوب رأساهما للعدو باعتبارهما العقدة الأخيرة الواقفة أمام مشروعة الاستعماري الهادف إلى تجديد وتحديث اتفاقيه (سايكس -بيكو) التي انتهت صلاحيتها في يونيو 2016م، ومطلوب اتفاقية جديدة تحل محلها وعلى حساب الوجود العربي الإسلامي، وهذا ما تتصدى له صنعاء وحيدة في نطاق الجغرافية العربية، حيث يتوهم البعض فيها أن علاقتهم بمحاور الاستعمار كفيلة بجعلهم بعيدين عن مخططات أعداء الأمة الاستعمارية، وهذا وهم يستوطن هؤلاء العرب الذين قطعا سيدفعون ثمن صمتهم وثمن التواطؤ والصمت والحيادية وإن جاءت تحت مسمى التوفيق والتوسط بين أطراف الصراع، ناهيكم عن أن انتهازية البعض من العرب سترتد عليهم بصورة وبال ووباء لن يكون بمقدورهم النجاة منه..!
إن الأمة تقف أمام مرحلة اختبار وجودي حقيقي، يضعها أمام مفترق تكون أو لا تكون فيه، اختبار أدركته صنعاء بحصافة فكرية وبحدس المؤمن وفراسة الحكيم، وعلى المتفرجين أن يستوعبوا هذه الحقيقة وأن لا يأخذوها بطرق عابرة تعكس انتهازية السلوك والرغبة في التسلط وتسول النفوذ تحت (حوافر خيول العدوان الجامحة)..!
إن أمريكا بكل ما تقوم به اليوم في منطقتنا، لا تدافع عن الكيان الصهيوني الذي هو جزء منها فحسب، ولكنها تدافع عن وجودها وعن مصالحها ونفوذها الجيوسياسي بعد أن أخفق كيانها في الدفاع عن هذه المصالح وهذا الوجود، الأمر الذي أجبرها على الحضور بنفسها، وهي تخوض اليوم معركتها الوجودية الأخيرة التي يمتد مسرحها من أوكرانيا إلى صنعاء وبحر الصين، إنها معركة المصالح الحيوية لأمريكا التي تصالحت مع إرهابيي سوريا ومستعدة أن تتصالح مع الشيطان إن كانت مصلحتها تتطلب ذلك، وهذا يدل دلالة قطعية على أن هذه الدولة هي دولة استعمارية لا يمكن الوثوق بها إلا من قبل عملائها الذين يصعب عليهم التخلي عنها، لأن في هذا التخلي نهايتهم الوجودية، لذا تراهم يسبحون بحمدها وينقادون خلفها طواعية ويصورون للآخرين حرصهم على شعوبهم وأوطانهم وهو حرص مزيف وكاذب ومخادع ..

قد يعجبك ايضا