
يعمل محمد النابهي منذ تخرجه قبل عامين من كلية الهندسة في إحدى المؤسسات الخاصة العاملة في مجال الاستيراد والتصدير في جانب التوزيع والمبيعات ويتحسر كثيراٍ لعدم قدرته على العمل في مجال تخصصه في الهندسة قسم الاتصالات .
محمد واعداد غفيرة من أمثاله من خريجي الهندسة بمختلف تخصصاتها الفنية والكهربائية والتقنية لم يجدوا أي فرصة لهم في سوق العمل الأمر الذي يضطرهم للبحث عن أعمال أخرى لا تمت بأي صلة لتخصصاتهم ومؤهلاتهم وشهاداتهم.
ولا تتوقف المشكلة عند حدود السوق وعدم قدرتها على استيعاب الخريجين بل يتعدى الأمر إلى عوامل متعلقة بالتخصصات المطلوبة والتأهيل والتدريب وعدم اكتساب المهارات حيث هناك انخفاض لمهارات التوظيف وخصوصا للمهندسين حديثي التخرج.
لم تعد التخصصات العلمية مثل الهندسة والتقنيات الحديثة كافية حتى لو كانت بمستويات أكاديمية عالية للدخول لسوق العمل والحصول على وظيفة مناسبة تستطيع التعامل معها بكفاءة وفاعلية إنتاجية.
النمط التقليدي بعملية التشغيل في اليمن ينصهر ويتلاشى في ظل متغيرات متعددة تعيشها البلد بشكل عام وسوق العمل بشكل خاص والذي يشهد تحولات جذرية مصيرية يتغافل الكثير عنها في ظل وضعية صعبة مع تزايد أعداد الخريجين وطالبي العمل واتساع هوة البطالة وما يقابلها من فرص محدودة تخضع لمعايير جديدة مرتبطة بالتخصص والتأهيل والمهارة.
وتوسعت خلال الأعوام القليلة الماضية قوة الطلب على بعض التخصصات وأبرزها الهندسة اعتقاداٍ بأهميتها وقدرتها على اختراق سوق العمل لكن المعضلة لاتزال أقوى بكثير في انخفاض مهارات التوظيف في هذا الجانب الذي يشهد اقبالاٍ كثيراٍ للالتحاق به من قبل الطلاب والدارسين وصعوبات بالغة أيضا في الحصول على مقعد دراسي نظراٍ لتشديد إجراءات القبول في كليات الهندسة بالجامعات اليمنية.
عوائق
يقول الباحث في مركز إدارة الأعمال بجامعة صنعاء احمد الضلاعي إن عدم وجود مواهب مهارة وكفؤة تشكل إحدى أهم المعوقات لتطوير ونمو الاقتصاد اليمني وهناك فجوة شاسعة بين طلب السوق وما تنتجه مؤسسات التعليم .
وعلى الرغم من اتساع فجوة المهارة والمعرفة الا أن الباحث الضلاعي يشير الى أن هناك قبولاٍ إلى حد ما لا صحاب الأعمال لمستوى مهارات ومعرفة الخريجين بنسبة تزيد على 50% من إجمالي أصحاب الأعمال ممن قدموا فرصاٍ لمهندسين حديثي التخرج وكانوا نوعا ما ولو بنسبة متدنية راضين بجودة وأداء المهندسين وفقا لأحد الأبحاث التي أعدها بهذا الخصوص.
معايير
بناء على فرز المهارات الى ثلاثة مجاميع هي مهارات التوظيف الأساسية والاتصال والمهنية فإن أصحاب الأعمال يصنفون مجموعة المهارات البرمجية كمهارات مهمة جدا .
ويرى الضلاعي أن الفجوة الكبيرة بين مهارات التوظيف واضحة جداٍ في مهارات التفكير العالية التنظيم بناء على المعايير والتصنيفات الدولية مثل تصنيف “بلوم”.
ويؤكد خبراء أن هذا له تأثير على انخفاض ولو محدود في مهارات التوظيف لهؤلاء المهندسين من الخريجين الجدد.
وبحسب الضلاعي فإن أصحاب الأعمال يصنفون في نفس الوقت المهارات الفنية والقدرة على تحمل المسؤوليات كأساس للأعمال كمهارة فردية عالية من حيث الأهمية.
قرارات
نحو الثلثين من السكان الواقعين تحت سن العمل يقعون خارج سوق العمل لأسباب اجتماعية واقتصادية وأخرى ثقافية ومعرفية ودينية والأهم نتيجة للقرارات الخاطئة في اختيار التخصص المناسب لطلبة العلم والمعرفة حيث تعمل كخزان احتياطي ضخم لطالبي العمل لا قبل لسوق العمل المحلي على مجابهته بأي حال من الأحوال إذا ما تحررت تلك العوائق .
ويرى الخبير المتخصص بالتنمية البشرية وإدارة الأعمال بوزارة الشؤون الاجتماعية صبري الزريقي ان سوق العمل يعاني من فجوة كبيرة تتمثل في التخصصات والمخرجات من اغلب المؤسسات التعليمية سواء من حيث المخرجات الكمية أو المعرفية .
ويضيف إن هناك فجوة تتسع كل عام بين هذه المخرجات واحتياجات سوق العمل في ظل غياب التنسيق والتكامل بين جميع الأطراف المعنية.
ويشير الزريقي إلى أن القطاع الخاص يعمل بعيداٍ عن سوق العمل حيث لا يوج د تخطيط ولا رؤية للتعامل والتغلب على هذا الوضع ولا دراسات ولا رؤية مستقبلية .
ويقول : منذ سنوات هناك تكدس كبير لتخصصات معينة في سوق العمل ولا تزال مخرجاته تتدفق بكميات أكبر بينما هناك تخصصات مطلوبة يحتاجها بشدة سوق العمل ولا يجدها ولا يوجد أي اهتمام بتوفيرها.
ويؤكد أهمية إشراك القطاع الخاص في خطط وتوجهات سوق العمل لكن الفجوة لا تزال قائمة ومؤثرة على هذه التوجهات والإجراءات.
معدلات
توضح دراسة حديثة أن تزايد مخرجات التعليم الجامعي بمعدلات تفوق القدرة الاستيعابية لسوق العمل المحلي يمثل هو الآخر تحدياٍ في جانب العرض فخلال الأعوام الماضية تخرج من الجامعات الحكومية فقط حوالي 75 ألف طالب وطالبة شكل الخريجون من الكليات النظرية حوالي 85% والنسبة الباقية يمثلها خريجو الكليات العلمية.
وإجمالا فإن الخريجين أصبحوا يعانون من عدم الحصول على فرص عمل مناسبة سواء في القطاع العام أو الخاص بسبب قصور في المهارات المطلوبة لسوق العمل.
وتشير نتائج مسح القوى العاملة إلى أن أهم الصعوبات التي تواجهها المنشآت في توظيف العاملين بأجر هو عدم توفر مهارات اللغة بنسبة تصل لنحو ( 39%) ومهارات الكمبيوتر (22.5%) ومهارات الهندسة واستخدام المعدات (28%).
وفي جانب الطلب بينت الدراسة أن التطورات والمستجدات في اتجاهات الطلب على القوى العاملة أفرزت متغيرات جديدة تتطلب وضع سياسات وبرامج فاعلة لتلبية احتياجات سوق العمل المحلي بالمقابل فإن التطورات في سوق العمل المحلي والاقليمي وتنامي الطلب على المهارات النوعية والمتخصصة بدأ يجذب الكفاءات اليمنية المؤهلة والمدربة في عدد من المجالات الأكاديمية والهندسية والطبية وتقنية المعلومات وهذا يعني أن هناك فرصاٍ متاحة لتطوير وتوسيع مؤسسات حديثة لتنمية الموارد البشرية في مجالات معينة وتوجيه مخرجاتها تجاه كل من السوق المحلي أو الإقليمي.