بعد فشلها في غزة ولبنان.. واشنطن تقامر بإشعال الحرب في سورية

محمد الحسيني

 

لبنان كان ولا يزال وسيبقى المحور الاستراتيجي الذي تنطلق منه دوائر التخطيط الأمريكية والإسرائيلية في تأسيس المشاريع الرامية للسيطرة على منطقة ما يسمّى الشرق الأوسط، ليس مردّ ذلك فقط لأهمية هذه المنطقة على مستوى التمركز الجيوسياسي – الاقتصادي في أجندة الأطماع الغربية، بل لأنها أيضاً الوحيدة التي بقيت فيها دول وحركات مقاومة عصيّة على التسليم والسير خلف مخطط الهيمنة.. ولأن لبنان أضحى رأس حربة لجبهة المقاومة خلافاً للدور المرسوم له وفق رؤية المخطّطين، فإن الجهد الأمريكي – الصهيوني انصبّ على إزالة عوامل قوته، ولا يكون ذلك إلا بسحق المقاومة للانتقال إلى الخطوة التالية في مشروع “تغيير الشرق الأوسط”.
لعلّ من محاسن الحروب مع “إسرائيل” أن مسؤوليها – بعكس الأمريكيين والأوروبيين – لا يتورّعون عن كشف خططهم وأهدافها، ويسارعون إلى ترجمتها عملياً بعد أن يكونوا قد أتمّوا تحضيراتهم الاستخبارية والعسكرية وتهيئة الأجواء المحيطة داخلياً وخارجياً، والتي تسهم في تشكيل حالة ضاغطة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما حصل عملياً على مدى 18 عاماً منذ أن حقق لبنان والمقاومة الانتصار الخامس في العام 2006، (*) حتى جاءت “معركة أولي البأس” لتميط اللثام عن كامل الصورة نظراً لما سبقها من حرب إبادة على قطاع غزة وما تشهده اليوم سوري من استئناف الجماعات التكفيرية حربها ضد الحكومة السورية.
لم تمضِ أيام قليلة على بدء “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر عام 2023، والذي استبق مخطط إبادة حركة حماس في قطاع غزة، حتى انبرى مسؤولو العدو وعلى رأسهم المجرم المدان الفار من وجه العدالة بنيامين نتنياهو للقول: “اليوم غزة وغداً لبنان”، وتكشفت تدريجياً في أوقات لاحقة تفاصيل المخطط الأمريكي – الصهيوني بشأن إبادة حزب الله في لبنان، والتي كانت مجزرة البيجر في 17 سبتمبر 2024الخطوة التمهيدية لها، فضلاً عما تلاها من استهداف لقيادات حزب الله العليا وعلى رأسها الأمين العام السيد الشهيد حسن نصر الله.
إذن هي حرب كان مخططاً لها في العناوين والتفاصيل والأهداف وغايتها الكبرى تغيير الشرق الأوسط كما صرّح بذلك نتنياهو نفسه، ولكن على مدى ١٤ شهراً من الحرب التدميرية في غزة ومنها 72 يوماً على لبنان، لم تستطع واشنطن وأداتها الإسرائيلية أن تحقق أهدافها في القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، ولكنها نجحت في دعم وتمويل وتغطية الجرائم الوحشية التي ارتكبها العدو في قطاع غزة فضلاً عن عمليات التدمير والتهجير، وهذا ما ارتكبته نسبياً في لبنان دون أن تنجح أيضاً في كسر شوكة المقاومة، بل إنها اضطرت للمسارعة إلى وقف إطلاق النار خوفاً من الغرق أكثر في المستنقع اللبناني، وخشيةً من استنزاف أكبر لقدرات جيش الاحتلال المنهك وللاقتصاد الصهيوني المتهالك.
أفشلت المقاومة مساعي أمريكا لتحقيق أهدافها في غزة وكذلك في لبنان، وأخفقت في كسر توازن القوة الاستراتيجي مع إيران، فانتقلت إلى المرحلة الثالثة في إطار المخطط الشامل، فأوعزت إلى أعوانها من التكفيريين في سوري للتحرّك باتجاه ضرب استقرارها الداخلي وزعزعة النظام، وهم كانوا قد أتمّوا استعداداتهم وتجهيزهم بالأسلحة الأمريكية تحت إشراف ضباط أمريكيين و”غير أمريكيين”. والهدف وفق ما أعلنه نتنياهو ضرب القدرة على تهريب السلاح عبر سوري من إيران إلى حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، ومهّد لبدء التحرك التكفيري بالقول في خطاب الإذعان للقرار 1701: “الأسد يلعب بالنار”.. إلا أن المرامي الأمريكية، حسب مراقبين، تتجاوز هذا الهدف لتحويل الأرض السورية إلى ميدان حرب بدعم من “إسرائيل” وبعض أنظمة العرب والجوار، والغاية من ذلك قطع الصلة بين إيران والعراق من جهة وبين لبنان وفلسطين من جهة ثانية، وتطويق لبنان وعزله جغرافياً عن باقي دول المحور.
وارتباطاً بهذه المؤشرات يوضح المراقبون أن واشنطن وتل أبيب تمارسان لعبة خطرة قد تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية انطلاقاً من سوري، فالكل يعلم أن سوري تشكّل عمقاً جيوسياسياً وعسكرياً لكل من روسيا وإيران، وبالتالي لن تسمح موسكو أو طهران في أن تشكّل الأرض السورية الخاصرة الرخوة لجبهة المحور أو لجبهة الشرق في مواجهة الحلف الغربي.
ويلفت هؤلاء في معرض تأكيدهم لهذه الرؤية إلى “الاندفاعة الروسية في دعم الجيش السوري جواً وبراً للقضاء على الجيوب التكفيرية في حلب وغيرها من المناطق التي لا تزال خارج السلطة السورية”، ويحذر المراقبون من مضي واشنطن في تفجير الألغام في المنطقة قبل تولي دونالد ترامب مقاليد السلطة في الولايات المتحدة، واحتمال حصول تدهور دراماتيكي للحرب على الجبهة الروسية – الأوكرانية، ودخول القواعد الأمريكية في منطقة الخليج وتركيا على خط التطورات الميدانية ما ينذر بالفعل بانفجار الوضع، وهو ما يفتح الاحتمالات على تدحرج ناري لأحجار الدومينو، وحينها من غير المستبعد أن تتحقق نبؤات الحرب العالمية الثالثة.

قد يعجبك ايضا