الثلاثون من نوفمبر يذكر المستعمر القديم وأدواته الجديدة، بأن اليمن- مهما تكالبت عليه المحن، وخانه بعض أبنائه- لن يكون صيدا سهلا لهم، بل مصيدة لهم.. يذكرهم الثلاثون من نوفمبر بشجاعة اليمنيين وبأسهم.. هذه الشجاعة والبأس في مواجهة الأعداء هي جزء من حياة اليمنيين يتوارثونها عبر الأجيال منذ ما قبل الإسلام، والتاريخ الإسلامي حافل ببطولاتهم في الشرق والغرب ، والسر في ذلك يعود لأنهم أقدم شعب ارتبط بالأرض وكان له فيها وطن ودولة منذ آلاف السنين، ولذلك فهو يدرك أهمية الوطن، وضرورة الدفاع عنه مهما كانت التضحيات، ومهما كانت قوة الأعداء.
بنى اليمنيون وطنهم بأنفسهم ، رسموا حدوده، وشيدوا حضارته التي ملأت الآفاق وخلدها التاريخ بأنفسهم ، وحين يتكالب عليهم الغزاة والطامعون، يعتمد اليمنيون على أنفسهم في المواجهة، ويجعلون من وطنهم مقبرة للغزاة.
الثلاثون من نوفمبر يذكر المستعمر القديم الجديد، بأن اليمني حتى وإن فقد البوصلة، وعمل أداة للمحتل لفترة، لا بد له من العودة إلى جادة الصواب.. هذا ما تجسد في انتفاضة 20 يونيو 1967، التي كان أبطالها “ضباط البوليس المسلح” المعسكر الذي كان يستخدمه الاحتلال لقمع المواطنين اليمنيين في عدن. التحم قادة المعسكر مع الثوار وأمدوهم بالسلاح، وتحررت مدينة كريتر، وكان تحريرها إنجازا عربيا بدد غيوم الحزن التي لبدت السماء العربية من المحيط إلى الخليج بعد أيام من “هزيمة الجيوش العربية” أمام جيش كيان الاحتلال الصهيوني، في ما عرف بـ”نكسة حزيران 1967.
ولذلك ، لا غرابة إن سعت قوى العدوان وأدواتها لطمس هذه الذكرى، كما فعلت في ذكرى انطلاق الثورة ضد المستعمر في14 أكتوبر، حين اختلقت أدوات العدوان الذرائع والمبررات لمنع إقامة الاحتفالات بالمناسبة في عدن وحضرموت، لأن إحياء مثل هذه الأيام يسبب حرجا للمستعمر الجديد والقديم وأدواته، ومنذ أيام، بدأت هذه الأدوات في خلق الذرائع كي تمر ذكرى الثلاثين من نوفمبر بصمت.
الثلاثون من نوفمبر يذكر المستعمر القديم والجديد، بأن اليمن واحد في جغرافيته وتاريخه، وفي كفاحه ضد الاستعمار.. فالشمال والجنوب، ذراعان لجسد واحد، والهوية الجنوبية التي اخترعها الاستعمار القديم سقطت في الثلاثين من نوفمبر، رغم محاولة ترسيخها لأكثر من قرن. فالجنوب تاريخيا وجغرافيا هو جنوب الجزيرة العربية كلها ويشمل الشمال والجنوب، ومحاولة إحياء هذه الهوية مجرد عبث لن يتحقق.
في الثلاثين من نوفمبر، ينطلق اليمنيون لتحقيق الاستقلال الثاني، يستلهمون تضحيات من سبقوهم ، وهم واثقون من هشاشة الطامعين واللصوص، مهما كانت قوتهم، وفيه يجددون العهد بالوفاء لدماء الشهداء والذود عن وطنهم، أرضه وبحره وسمائه، من رازح إلى الشيخ سعيد في باب المندب وشرقا إلى شحن وصرفيت.
aassayed@gmail.com