ها هي أنفاس الرحمن تعم أرجاء اليمن ابتهاجًا وفرحًا وسرورًا بمولد سيد ولد آدم، المصطفى المجتبى، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله. لقد تزينت اليمن، المعروفة بخضرتها وطبيعتها الخلابة، فأصبح نهارها مشرقًا وقد اكتست سهولها وجبالها حللها الخضراء، ولياليها مشرقة بشمس أحمد والابتهاج بمولده حتى لا تكاد تجد ليلًا في اليمن.
والعجيب في الأمر أنه ليس هناك أمر حكومي إلزامي للاحتفال بيوم المولد، فقد قال سيد الأنصار: “ممنوع أي إجبار أو إلزام للمشاركة في الاحتفالات”، فهو يعرف شعب الأنصار أنهم في محبة حبيبهم، فالأمر فقط لقلوبهم، ولهذا تراهم في مسعى حثيث للاستعداد لهذه المناسبة، وترى أطفالهم يبذلون حتى مصروفهم الخاص في المساعدة على إحياء هذه المناسبة. إنها مناسبة تقود مسيرتها الأرواح والقلوب، وليست الأجساد فيها الاخادمة لما تأمرها به، ولا تجد في اليمن من يتخلف عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إلا القلة القليلة ممن أحبطت أعمالهم وطُبق الران على قلوبهم. أما السواد الأعظم فهم الملبون والرافعون أصواتهم: “طلع البدر علينا”.
ولا أحد يستطيع أن يصف الحال التي تعم اليمن وأهل اليمن في شهر ميلاد حبيبهم، فتظنهم قد انخلعوا من كينونتهم الصلصالية وأصبحوا نورانيين وملائكيين يعيشون في سندس جنتهم الخضراء، وكلهم يقولون: “يا رسول الله، شرفة اليمن”، وهم يحسون حقيقة بوجوده بينهم، ولن يصدق قولنا إلا من عاش وأحس بنشوتهم وشغفهم وهم في حضرته، فقد استحضروه حتى حضر بينهم.
إنهم اليمنيون الذين آمنوا به منذ عرفوه وبايعوه ونصروه وانتصروا به، وقد رافقهم بدعائه: “اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار”، فكانوا الرحماء المرحومين بدعوة نبي الرحمة، وهاهم بعد أربعة عشر قرنًا من الزمن ما زالوا على عهدهم باقين وبحب نبيهم متيمين وبنصرة دينهم قائمين، فتراهم الأشداء على الأعداء الرحماء فيما بينهم، وما ذلك إلا لعظمة ارتباطهم بنبيهم. فكيف يظن من عاداهم أنه قادر عليهم؟
فاليمن قد برهنت للجميع أن الحب الصادق يكون معك وبين جوانحك، لا يختل ولا يتزعزع، أين كان وضعك وظرفك، كنت في سلم أو حرب، في رغد من العيش أو اقتار، في صحة أو سقم، في مراكز مرموقة أو في الحقول مع الماشية، لا يهم أين مكاني ولا موقعي، فأنا في حضرة حبيبي وأعرف أن حبيبي حاضر معي.
هنيئًا لك يا يمن بهذا الارتباط بنبيك، وهذا التمسك به. نعم العديد من المسلمين يحتفلون بالمولد النبوي الشريف، ولكن ليس كما يحتفل به اليمنيون. هنيئًا لك يا يمن أن تكون المتفرد، شعبًا وقيادة، بالانشغال والإعداد والاستعداد للاحتفال بمولد النبي الكريم، وليس ذلك إلا لك، فغيرك قد شغلهم وشغلوا شعوبهم بأعياد الهالوين والكريسمس وغيرها من أعياد الشياطين. هنيئًا لك هذا الفخر العظيم.
“وكل الناس تولد ثم تفنى
ووحدك أنت ميلاد الحياة
وكل الناس تذكر ثم تنسي
وذكرُك أنت باقٍ في الصلاة”