جاء ملطخا بدماء عشرات الآلاف من نساء وأطفال فلسطين، وبأياد ملوثة، بأبشع الجرائم ضد الإنسان والإنسانية عبر التاريخ البشري، وبدل أن يُزج به في أقرب سجن، ويُساق مكبّل اليدين والقدمين، إلى ساحات العدالة، لينال القصاص الرادع على مجازره الوحشية بحق الأبرياء، إذا به يُستقبل استقبال الأبطال الفاتحين، ويفسح له المجال ليتخذ من “صرح” الديمقراطية والحضارة الأمريكية الزائفة، منبرا لتمرير أكاذيبه المقززة، وتبييض مذابحه الهمجية أمام العالم، والتشدق، كما هي العادة، بقيادته لحرب الحضارة والمدنية، في مواجهة الإرهابيين والأشرار.
-قيل الكثير عن خطاب نتنياهو الأخير أمام الكونغرس الأمريكي، فمنهم من وصفه بخطاب العار، وآخرون اعتبروه وصمة في جبين دولة تزعم قيادتها العالم المتحضّر، والبعض اعتبره أسوأ خطاب وجهه سياسي أمام “برلمان ديمقراطي”، لكني أرى فيه هذيانا لا قيمة فعلية له، غير أنه أكد من جديد، حقيقة سقوط منظومة القيم الغربية الكاذبة، وتهاويها إلى وادٍ سحيق، ومسرحية هزلية أثارت الاشمئزاز، وفضحت زيف حضارة شيطانية قبيحة، لطالما تجمّلت وتوارت خلف أقنعة ملائكية، في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، وخدعت الكثير من البسطاء والأنقياء على كوكبنا.
– كانت مسرحية سياسية قاتمة السواد، في عالم أشد سوادا وظلامية، وقد فقد ضميره وانسانيته، وباع نفسه علانية للشيطان، وأعطاه تأييدا صارخا لجرائمه الوحشية البربرية، ضد شعب أعزل، خذله القاصي والداني إلّا من رحم الله، ورسّخ في أذهان شعوب العالم، حقيقة شراكة دولة “التقدم والحضارة والمدنية” في جرائم الإبادة الشاملة والمتواصلة، بحق الشعب الفلسطيني.
-هواة جمع الأرقام وعاشقو الإحصائيات، وجدوا ضالتهم وهم يرصدون (حماة الديمقراطية) وأدعياء المدنية، يصفقون ويقفون إجلالا وتبجيلا للسفاح لعشرات المرات، وهو ما لم يحصل عليه المجرم نفسه، وسط قطعان مستوطنيه ومؤيديه من الإرهابيين المتطرفين داخل كيانه اللقيط، غير مدركين أنهم كانوا بذلك، يسجلون أرقاما قياسية جديدة وغير مسبوقة، في السقوط والانحلال والانسلاخ، من كل المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية.
-حفلة التصفيق الأمريكية للقاتل النتن، والوقوف الاستعراضي المتكرّر، أمام كل إنجاز يزعمه، لم يكن طبيعيا، وفقد العرض الهزلي- بحسب كثير من المراقبين والمحللين- تلقائيته وعفويته، وبدا واضحا أن نواب الكونغرس أرادوا فقط، مواساة السفاح ورفع معنوياته المنهارة، ودعمه نفسيا إثر العجز والفشل الذي بات عليه، في تحقيق أي من أهداف عدوانه المعلنة على غزة، وطمأنته بأن لا خطوط حمراء أمامه، إذا ما أراد مواصلة مذابحه في غزة، وأن العدالة الدولية التي تلاحقه، وكل ما يُقال في هذا الشأن، ستنهار أمام قوة ونفوذ وعنجهية الشريك الأكبر في الجريمة.
– لم يكن الاحتفاء الأمريكي الرسمي بنتنياهو جديدا ولا مفاجئا، فمواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض – ديمقراطية كانت أم جمهورية- هي ذاتها و لا تتغير أبدا في تبني ودعم الكيان الصهيوني، وتوفير كل ما يحتاج من أدوات ووسائل لمواصلة جرائمه وممارساته الوحشية في فلسطين المحتلة، وفي بلدان المنطقة وإن ظهرت بعض الآراء والمواقف المغايرة من حين لآخر، من قبل بعض السياسيين والبرلمانيين فلدواع انتخابية سرعان ما تنتهي “وتعود حليمة لعادتها القديمة».