قصائد تتغنى بذكرى الهجرة النبوية الشريفة

تعد الهجرية النبوية من مكة المكرمة للمدينة المنورة حدثاً فاصلاً ومنعطفاً حاسماً في مسار السيرة النبوية، بل وفي التاريخ الإسلامي ككل، ومن ثم كانت وسوف تظل الهجرة النبوية مادة ثرية لجميع الكتّاب والشعراء، وقد كتب عن الهجرة الكثير من الأشعار ممن يتغنون بذكراها المشرفة.. وسنتناول مقتطفات منتقاة من أجمل وأحلى وأروع ما قاله الشعراء في الهجرة النبوية، أبيات وقصائد تحمل بين طياتها كلمات الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والأهمية التي اكتسبتها الهجرة في توطيد أركان الإسلام وانتشاره في ربوع الجزيرة العربية ومن ثم إلى أنحاء العالم:
إعداد/ خليل المعلمي

وقد استقبل أهل المدينة المنورة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأبيات:
طلع الـبدر عليـنا
مـن ثنيـات الوداع
وجب الشكـر عليـنا
مـا دعــــا لله داع
أيها المبعوث فينا
جئت بالأمر المطـاع
جئت شرفت المديـنة
مرحباً يـا خير داع
……………………..
الهجرة الكبرى
محمود سامي البارودي
إِنّي لَأَعجَبُ مِن قَومٍ أُولي فِطَنٍ
باعُوا النُّهى بِالعَمى وَالسَّمعَ بِالصَّمَمِ
يَعصُونَ خالِقَهُم جَهلاً بِقُدرَتِهِ
وَيَعكُفُونَ عَلى الطاغُوتِ وَالصَّنَمِ
فَأَجمَعُوا أَمرَهُم أَن يَبغتُوهُ إِذا
جَنَّ الظَّلامُ وَخَفَّت وَطأَةُ القَدَمِ
وَأَقبَلُوا مَوهِناً في عُصبَةٍ غُدُرٍ مِنَ
القَبائِلِ باعُوا النَّفسَ بِالزَّعَمِ
فَجاءَ جِبريلُ لِلهادِي فَأَنبأَهُ
بِما أَسَرُّوهُ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ
فَمُذ رَآهُم قِياماً حَولَ مَأمَنِهِ
يَبغُونَ ساحَتَهُ بِالشَّرِّ وَالفَقَمِ
نادى عَلِيّاً فَأَوصاهُ وَقالَ لَهُ
لا تَخشَ وَالبَس رِدائي آمِناً وَنَمِ
وَمَرَّ بِالقَومِ يَتلُوُ وَهوَ مُنصَرِفٌ
يَس وَهيَ شِفاءُ النَّفسِ مِن وَصَمِ
فَلَم يَرَوهُ وَزاغَت عَنهُ أَعيُنُهُم وَهَل
تَرى الشَّمس جَهراً أَعيُنُ الحَنَمِ
وَجاءَهُ الوَحيُ إِيذاناً بِهِجرَتِهِ
فَيَمَّمَ الغارَ بِالصِّدِّيقِ في الغَسَمِ
فَما اِستَقَرَّ بِهِ حَتّى تَبَوَّأَهُ
مِنَ الحَمائِمِ زَوجٌ بارِعُ الرَّنَمِ
بَنى بِهِ عُشَّهُ وَاِحتَلَّهُ سَكناً يَأوي
إِلَيهِ غَداةَ الرّيحِ وَالرّهَمِ
إِلفانِ ما جَمَعَ المِقدارُ بَينَهُما إِلّا
لِسِرٍّ بِصَدرِ الغارِ مُكتَتَمِ
كِلاهُما دَيدَبانٌ فَوقَ مَربأَةٍ
يَرعَى المَسالِكَ مِن بُعدٍ وَلَم يَنَمِ
إِن حَنَّ هَذا غَراماً أَو دَعا طَرَباً
بِاسمِ الهَديلِ أَجابَت تِلكَ بِالنَّغَمِ
يَخالُها مَن يَراها وَهيَ جاثِمَةٌ
في وَكرِها كُرَةً مَلساءَ مِن أَدَمِ
إِن رَفرَفَت سَكَنَت ظِلّاً وَإِن هَبَطَت
رَوَت غَليلَ الصَّدى مِن حائِرٍ شَبِمِ
مَرقُومَةُ الجِيدِ مِن مِسكٍ وَغالِيَةٍ
مَخضُوبَةُ الساقِ وَالكَفَّينِ بِالعَنَمِ
كَأَنَّما شَرَعَت في قانِيءٍ سربٍ
مِن أَدمُعِي فَغَدَت مُحمَرَّةَ القَدَمِ
وَسَجفَ العَنكَبُوتُ الغارَ مُحتَفِياً
بِخَيمَةٍ حاكَها مِن أَبدَعِ الخِيَمِ
قَد شَدَّ أَطنابَها فَاِستَحكَمَت وَرَسَت
بِالأَرضِ لَكِنَّها قامَت بِلا دِعَمِ
كَأَنَّها سابِريٌّ حاكَهُ لَبِقٌ بِأَرضِ
سابُورَ في بحبُوحَةِ العَجَمِ
وَارَت فَمَ الغارِ عَن عَينٍ تُلِمُّ بِهِ
فَصارَ يَحكي خَفاءً وَجهَ مُلتَثِمِ
فَيا لَهُ مِن سِتارٍ دُونَهُ قَمَرٌ
يَجلُو البَصائِرَ مِن ظُلمٍ وَمِن ظُلَمِ
فَظَلَّ فيهِ رَسولُ اللَّهِ مُعتَكِفاً كَالدُرِّ
في البَحر أَو كَالشَمسِ في الغُسَمِ
حَتّى إِذا سَكَنَ الإِرجاف وَاِحتَرقَت
أَكبادُ قَومٍ بِنارِ اليَأسِ وَالوَغَمِ
أَوحى الرَّسولُ بِإِعدادِ الرَّحيلِ إِلى
مَن عِندَهُ السِّرُّ مِن خِلٍّ وَمِن حَشَمِ
وَسارَ بَعدَ ثَلاثٍ مِن مَباءَتِهِ
يَؤُمُّ طَيبَةَ مَأوى كُلِّ مُعتَصِمِ
فَحِينَ وَافى قُدَيداً حَلَّ مَوكِبُهُ
بِأُمِّ مَعبَدَ ذاتِ الشَّاءِ وَالغَنَمِ
فَلَم تَجِد لِقِراهُ غَيرَ ضائِنَةٍ
قَدِ اقشَعَرَّت مَراعِيها فَلَم تَسُمِ
فَما أَمَرَّ عَلَيها داعِياً يَدَهُ حَتّى
اِستَهَلَّت بِذِي شَخبينِ كَالدِّيَمِ
ثُمَّ اِستَقَلَّ وَأَبقى في الزَّمانِ لَها
ذِكراً يَسيرُ عَلَى الآفاق كَالنَّسَمِ
فَبَينَما هُوَ يَطوي البِيدَ أَدرَكَهُ
رَكضاً سُراقَةُ مِثلَ القَشعَمِ الضَّرِمِ
حَتّى إِذا ما دَنا ساخَ الجَوادُ بِهِ
في بُرقَةٍ فَهَوى لِلسَّاقِ وَالقَدَمِ
فَصاحَ مُبتَهِلاً يَرجُو الأَمانَ وَلَو
مَضى عَلى عَزمِهِ لانهارَ في رَجَمِ
وَكَيفَ يَبلُغُ أَمراً دُونَهُ وَزَرٌ
مِنَ العِنايةِ لَم يَبلُغهُ ذُو نَسَمِ
فَكَفَّ عَنهُ رَسولُ اللَّهِ وَهوَ بِهِ
أَدرى وَكَم نِقَمٍ تفتَرُّ عَن نِعَمِ
وَلَم يَزَل سائِراً حَتّى أَنافَ عَلى
أَعلامِ طَيبَةَ ذاتِ المَنظَرِ العَمَمِ
أَعظِم بِمَقدَمِهِ فَخراً وَمَنقبَةً
لِمَعشَرِ الأَوسِ وَالأَحياءِ مِن جُشَمِ
فَخرٌ يَدُومُ لَهُم فَضلٌ بِذِكرَتِهِ ما
سارَت العِيسُ بِالزُّوّارِ لِلحَرَمِ
يَومٌ بِهِ أَرَّخَ الإِسلامُ غُرَّتَهُ
وَأَدرَكَ الدِّينُ فيهِ ذِروَةَ النُّجُمِ
ثُمَّ اِبتَنى سَيِّدُ الكَونَينِ مَسجدَهُ
بُنيانَ عِزٍّ فَأَضحى قائِمَ الدّعَمِ
وَاِختَصَّ فيهِ بِلالاً بِالأَذانِ وَما
يُلقى نَظيرٌ لَهُ في نَبرَةِ النَّغَمِ
حَتّى إِذا تَمَّ أَمرُ اللَّهِ وَاِجتَمَعَت
لَهُ القبَائِلُ مِن بُعدٍ وَمِن زَمَمِ
قامَ النَّبِيُّ خَطيباً فيهِمُ فَأَرى نَهجَ
الهُدى وَنَهى عَن كُلِّ مُجتَرَمِ
وَعَمَّهم بِكِتابٍ حَضَّ فيهِ عَلى
مَحاسِنِ الفَضلِ وَالآدابِ وَالشِّيمِ
فَأَصبَحُوا في إِخاءٍ غَيرِ مُنصَدِعٍ
عَلى الزَّمانِ وَعِزٍّ غَيرِ مُنهَدِمِ
وَحِينَ آخى رَسُولُ اللَّهِ بَينَهُمُ
آخى عَلِيّاً وَنِعمَ العَونُ في القُحَمِ
هُوَ الَّذي هَزَمَ اللَّهُ الطُغاةَ بِهِ
في كُلِّ مُعتَرَكٍ بِالبِيضِ مُحتَدِمِ
فَاِستَحكَم الدِّينُ وَاِشتَدَّت دَعائِمُهُ
حَتّى غَدا واضِحَ العِرنينِ ذا شَمَمِ
وَأَصبَحَ الناسُ إِخواناً وَعَمَّهُمُ
فَضلٌ مِنَ اللَّهِ أَحياهُم مِنَ العَدَمِ
……………………..
يا هجرة المصطفى
وليد الأعظمي
يا هجرة المصطفى والعين باكية
والدمع يجري غزيراً من مآقيها
يا هجرة المصطفى هيّجت ساكنةً
من الجوارح كاد اليأس يطويها
هيجت أشجاننا والله فانطلقت
منا حناجرنا بالحزن تأويها
هاجرت يا خير خلق الله قاطبةً
من مكةً بعد ما زاد الأذى فيها
هاجرت لما رأيت الناس في ظلم
وكنت بدراً منيراً في دياجيها
هاجرت لما رأيت الجهل منتشراً
والشر والكفر قد عمّا بواديها
هاجرت لله تطوي البيد مصطحباً
خلاً وفياً.. كريم النفس هاديها
هو الإمام أبوبكر وقصته رب
السماوات في القرآن يرويها
يقول في الغار لا تحزن لصاحبه
فحسبنا الله: ما أسمى معانيها
هاجرت لله تبغي نصر دعوتنا
وتسأل الله نجحاً في مباديها
هاجرت يا سيد الأكوان متجهاً
نحو المدينة داراً كنت تبغيها
هذي المدينة قد لاحت طلائعها
والبشر من أهلها يعلو نواصيها
أهل المدينة أنصار الرسول لهم
في الخلد دور أعدت في أعاليها
قد كان موقفهم في الحق مكرمة
لا أستطيع له وصفاً وتشبيها
……………………..
ذكرى الهجرة النبوية
عبدالرحيم محمود
يوم مجد فات ما أجمل ذكره
فيه لو نفطن آيات وعبره
فيه أن الحق إن حصنه قادر
لم يستطع ذو البطل هدره
فيه أن الفعل أجدى للفتى
مم كلام ما عهدنا قط أمره
فيه أن المال والأهل إذا
لم يجودا ضحيا من أجل فكرة
فيه إن هم الفتى فليقتحم
لا يخف ضحضاح ما ينوي وغمره
شرعة علمناها المصطفى
ليتنا نمشي على شرعه إثره
فليحل السيف ما عقده
غادر بيت للأوطان غدره
ليس مثل البطش في الدنيا فكن
باطشا يرهب أهل الأرض شره
ضيع المضعوف لا ظفر له
ونجا المضعوف لو طول ظفره
ودموع الذل ما رق لها
قلب ظلم إن قلب الظلم صخرة
قوة المرء له حجته
وهي إن يظلم تقف في الناس عذره
«وأعدوا» لم يقلها ربكم
عبثا فلتحسنوا في «الذكر» نظره
لم تكن هجرة طه فرة
إنما كانت على التحقيق كره
كانقباض الليث ينوي وثبة
وانقباض الليث في الوثبة سوره
ورمى في السوح أبطالا لهم
فوق سوح الموت تمراح وخطره
وانجلى العثير عن هاماتهم
كللت بالغار من مجد وفخرة
نصروا الله فلم يخذلهمو
بل جزاهم ربهم فوزا ونصرة
فمشوا في الناس نورا وهدى
وبدوا فوق جبين الدهر غرة
ركزوا أرماحهم فوق العلا
وحدى الحادي بهم عزا وشهرة
وأتينا نحن من بعد همو وأضعنا
ما جنوا طيشا وغرة
يثغر السور علينا ونرى
ثم نرتق بالأفعال ثغرة
ونرى الماكر في أمجادنا
ثم لا نفسد للشقوة مكره.

قد يعجبك ايضا