الثورة / سبأ
فترة قصيرة فصلت بين تولّي الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان منصبيهما، فقد اختار الأول الثاني ضمن حكومته الأولى بعد انتخابه بأشهر قليلة. واليوم، يغادران منصبيهما معاً. هذه محاولة للإضاءة على شخصيتيهما ومسيرتيهما.
الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان
لم يكن غريباً اختيار الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، الدبلوماسي الإيراني المعروف حسين أمير عبد اللهيان وزيراً للخارجية ضمن تشكيلته الحكومية الأولى عام 2021، فسرعان ما بدا الانسجام بين الرجلين في المواقف من القضايا الرئيسة وطبع مسيرتيهما في منصبيهما الرفيعين، وهي مسيرة قدّر لها أن تكون قصيرةً، وأن يكون ختامها مشتركاً أيضاً. في هذه السطور محاولة للإضاءة على أبرز مراحلها.
رئيسي رئيساً.. ثورة متجددة بعد استشهاد سليماني
في 19 يونيو 2021، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية فوز المرشح السيد إبراهيم رئيسي بنحو 18 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية التي شهدت مشاركة بلغت نسبتها 48.8%.
كان فوز رئيسي الذي ترشح للمنصب للمرة الثانية بعد 4 سنوات من ترشحه الأول في مواجهة الرئيس الإيراني السابق الشيخ حسن روحاني دليلاً إضافياً على ارتفاع النبض الثوري في المزاج الشعبي الإيراني بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني.
وفي الوقت الذي هنأت فصائل المقاومة الفلسطينية الرئيس المنتخب، آملةً مواصلة وتعزيز مواقف إيران المشرّفة في التضامن مع فلسطين وقضيتها العادلة ودعم صمود الشعب الفلسطيني، طغى القلق على توقعات الخبراء والمحللين في كيان الاحتلال من الرئيس الذي «يحمل عصب حرس الثورة، والذي قد يضع انتخابه إسرائيل أمام فترة صعبة».
وبعد نحو 3 سنوات من ولاية رئيسي، التي تزامنت مع تطورات دراماتيكية في المنطقة، في طليعتها ملحمة «طوفان الأقصى»، والرد الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق واستشهاد قائد قوة القدس في لبنان وسوريا العميد محمد رضا زاهدي، ثبت أن رهان فصائل المقاومة كان في محلّه، وكذلك قلق المحللين الإسرائيليين.
لا نستطيع التوقف عن دعم فلسطين
الرئيس الإيراني الذي كان يرى أن بلاده «لا تستطيع التوقف عن دعم فلسطين»، وأنّ «تطورات العالم السياسية ورغبات بعض الدول في المنطقة لن تُغير المبادئ الأساسية لسياسة طهران الخارجية»، أكدّ بعد بدء «طوفان الأقصى» أنّ دعم الجمهورية الإسلامية للشعب الفلسطيني «يأتي ضمن إطار الدستور وما ينصّ عليه بشأن دعم المظلومين، وأيضاً كجزء من مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية».
وإذ أكد أن عملية «طوفان الأقصى» كسرت هيمنة «إسرائيل» وأدّت إلى هزيمتها عسكرياً واستخبارياً، فقد لفت إلى أنّها كانت نتيجة لاستمرار احتلالها الأراضي الفلسطينية والاعتداءات المتكرّرة على الضفة الغربية والأسرى الفلسطينيين، مشدداً على أنّ الاحتلال عجز عن مواجهة المقاومة الفلسطينية. لذلك، لجأ إلى الانتقام عبر قتل النساء والأطفال في قطاع غزة.
ولم يكتفِ رئيسي بمواقفه المعلنة، بل كان في قلب القرار الإيراني الداعم للمقاومة في فلسطين ولبنان على الصعد كافة، وهو ما شدد عليه مراراً ممثلو فصائل المقاومة أثناء زياراتهم طهران.
وفي الإطار ذاته كانت مواقف السيد رئيسي من المقاومة في لبنان، إذ قال في مقابلةٍ مع الميادين إنّ «حزب الله اللبناني يتمتع بمكانة مميزة، ليس في لبنان فقط، بل هو دعامة كبيرة للمقاومة في المنطقة أيضاً». وأضاف: «منذ تشكيل الحزب مع الشهيد السيد عباس الموسوي، وصولاً إلى السيد حسن نصر الله والشبان المقاومين في لبنان، لم يكنْ أحد يتنبأ بأنه يمكن للكيان الصهيوني أن ينسحب من الجنوب اللبناني».
وقال: «في ذلك اليوم، عندما وقف حزب الله بشموخ، وصمد أمام الهجوم الإسرائيلي في حرب يوليو 2006، وأثبت للمرة الأولى أنّ إسرائيل قابلة للاندحار، نجح في إلهام الشبان الفلسطينيين في الصمود أمام الكيان الصهيوني، وفي القيام بالانتفاضات».
علاقة خاصة بالقائد
السيد إبراهيم رئيس الساداتي، المعروف باسم إبراهيم رئيسي، والمولود في مشهد عام 1960، لا تجمعه مشهد وحدها بقائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، بل علاقة قريبة فيها من الفكر والروحانية الكثير.
السيد خامنئي عيّنه على رأس السلطة القضائية عام 2019، موكلاً إليه مهمة استئصال الفساد وضرورة التغيير في السلطة القضائية؛ هذه السلطة التي تطبع مسيرة «حجة الإسلام» على نحو شبه كامل.
يعدّ رئيسي من علماء الدين البارزين في إيران، إذ درس في الحوزة العلمية في مدينة مشهد، وأكمل دراسته الجامعية في مدينة قم في اختصاص الحقوق الدولية والقضاء. تدرّج رئيسي في السلك القضائي، وكان من أبرز مناصبه نائب المدعي العام الثوري، ما جعله ينال إعجاب المرشد السيد علي خامنئي الذي كلفه بمعالجة ملفات قضائية في البلاد.
وأشرف على العتبة الرضوية في مشهد عبر تولي رئاسة مؤسسة «أستان قدس رضوي»، وهي أكبر مؤسسة خيرية لإدارة مرقد الإمام علي بن موسى الرضا بين عامي 2016 و2019، من ثم عيّنه السيد خامنئي رئيساً للسلطة القضائية في البلاد، إذ ركّز بيان تعيينه بشكل أساسي على «الدعوة لاجتثاث الفساد» داخل القضاء.
كما شغل رئيسي منصب نائب رئيس مجلس الخبراء، وهو الهيئة الإدارية المخولة بعزل القائد الأعلى أو تعيينه.
الغياب المؤلم.. والتداعيات المحتملة
بعد شيوع خبر الحادث، وقبل معرفة مصير السيد رئيسي ورفاقه، أعلن قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي أنه يسأل الله عودتهم سالمين، مطمئناً الشعب الإيراني إلى أنّه لن يكون هناك أي خلل في إدارة شؤون البلاد.
ومن المعلوم أن في الجمهورية الإسلامية من مقومات الدولة القادرة ما يضمن استمرارية الحكم بمعزل عن الأشخاص، مهما علت مناصبهم وما بلغته من أهمية وحساسية، ومهما تميّزت شخصياتهم بفرادة، فمن مزايا العمل المخلص والجاد أنه لا يموت بموت صاحبه.
وقد كانت للرئيس الذي رفع شعار الاقتصاد المقاوم إنجازات بارزة في ولايته التي لم يقدّر لها أن تكتمل، منها النمو الاقتصادي الإيجابي، ونمو قطاع الصناعة، وانخفاض معدل التضخم، وتبادل الغاز مع تركمانستان وأذربيجان، ونمو الترانزيت الخارجي، وتسجيل أدنى معدل بطالة، وتدشين أكبر مشروع للسكك الحديدية، وغير ذلك الكثير.
بهذا المعنى، يبقى الغياب المفاجئ حدثاً مؤثراً من الناحيتين الإنسانية والعاطفية لرئيسٍ متواضع دمث بشهادة من عرفوه عن قرب، ومسؤول مجتهد لم ينظر يوماً إلى نفسه إلا كجندي في خدمة بلاده ومواطنيها، ولكنه غياب لا يُتوقع أن يترك تداعيات سلبية على إيران من ناحية انتظام العمل في المؤسسات الدستورية.
أمير عبد اللهيان .. الدبلوماسي الثوري
مع إعلان حسين أمير عبد اللهيان وزيراً للخارجية في التشكيلة الحكومية التي قدّمها الرئيس الإيراني المنتخب السيد إبراهيم رئيسي في 11 آب/أغسطس 2021، لم يكن الاسم غريباً على المجتمع الدولي، فصاحبه دبلوماسي عريق شغل مناصب متعددة في وزارة الخارجية الإيرانية من قبل، فقد شغل منصب المساعد الخاص لرئيس البرلمان الإيراني في الشؤون الدولية، كما تولى منصب مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والأفريقية، إضافة إلى مناصب سفير إيران لدى البحرين، ورئيس اللجنة الخاصة في العراق في وزارة الخارجية، ومساعد السفير في بغداد، ومستشار وزارة الخارجية الإيرانية.
عبد اللهيان الذي ترأس الدبلوماسية الإيرانية في لحظة إقليمية ودولية حساسة، والذي يتقن أصول اللعبة الدبلوماسية جيداً، لم تتعارض مرونته ودبلوماسيته مع مبدئيته وثباته، فكان انتماؤه إلى التيار المحافظ في الدولة جلياً، وكانت مواقفه من القضايا الرئيسة في منتهى الوضوح، وكانت أيضاً متوائمة مع رؤية كل من قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي والرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي.
الدبلوماسي الثوري آمن منذ البداية بالتكامل بين الميدان والدبلوماسية على طريقة الشهيد قاسم سليماني. وبعد توليه منصبه بوقت قصير، قال عبد اللهيان إنّ «إيران ستدافع عن محور المقاومة بقوة، وبلادنا توفّر الأمن في المنطقة، وهذا ما يدركه أصدقاؤنا جيداً»، وشدد على ضرورة الوقف الفوري للحرب على اليمن.
وفي الوقت نفسه، أكد «مدّ يد الصداقة إلى كل دول المنطقة، وخصوصاً دول الجوار»، وأضاف: «نحن ندرك جيداً أنّنا قادرون على توفير أمن المنطقة من خلال التعاون»، مشيراً إلى أن «تعاون إيران مع السعودية يصبّ في مصلحة المنطقة».
وكما في حالة رئيسي، لا شك في أن سياسة عبد اللهيان الخارجية التي أعلن في ظهوره الأول وزيراً للخارجية أنها «ستقوم على مبادئ الكرامة والحكمة وتحقيق مصالح البلاد»، ستستمر من بعده، وستختار القيادة الإيرانية بعناية من يتولى المنصب، كما فعلت حين اختارته عام 2021 من بين عدة مرشحين، ولكن المؤكد أن اسم الرجل وصورته ومواقفه من القضايا الكبرى، وفي طليعتها القضية الفلسطينية، ستبقى في أذهان الجميع.