يروون قصصاً حقيقية عاشها المجاهدون في مقارعة الكيان الغاصب: الفلسطينيون والجهاد بالكلمة من خلال الرواية والشعر

خليل المعلمي
يواصل الفلسطينيون جهادهم وكفاحهم ضد الصهيونية العالمية من خلال الأدب، فللكلمة دورها في إيصال معاناة الفلسطينيين منذ أكثر من 75 عاماً، فمن خلال الشعر والقصة والرواية تصل القضية الفلسطينية إلى أرجاء المعمورة وتغرس في نفوس الأجيال الجديدة أصل القضية وعمقها وحقيقتها، والمؤامرة التي صاغتها الدول الكبرى على هذا الشعب في أخذ حقوقه ومصادرة أراضيه تحت أعذار واهية، مع تجاهل الأنظمة العربية لهذه القضية المحورية.
لقد صور الأدباء الفلسطينيون معاناة الفلسطينيين (الأم، الأب، الطفل، الشاب، الشيخ) من خلال إبداعاتهم فكان أبرزهم الشاعر محمود درويش والأديب غسان كنفاني والرسام الكاريكاتوري ناجي العلي وغيرهم، ولا يزالون كذلك، يظهرون مع كل جيل حتى وقتنا الحالي.
أمامنا عدد من الأعمال راجت في الأوساط الثقافية، وحققت نجاحاً، وكشفت الكثير من المعاناة في المهجر ومن داخل السجون.

حكاية سر الزيت
احتفلت بيروت بالأسير الشهيد وليد دقة (1962-2024) وشهدت على توقيع كتابه «حكاية سر الزيت» بيد رفيق زنزانته الأسير المحرر أنور ياسين، بعد أيام على استشهاده داخل سجون الاحتلال.
الكاتب سليمان بختي أكد أن وليد دقة انتصر على عدوه 3 مرات، مرة بالخيال، ومرة بتهريب الأحلام من الزنزانة، ومرة بالصمود، لافتا إلى أنه في كتابه الساحر “حكاية سر الزيت” يكتب حكايتنا وحكاية بلادنا، وكيف نحررها، ورأى بختي أن الأدب يحقق إنسانية الإنسان، والحرية تعمده، وتمنحنا الوجود في هذا العالم.
ووجه بختي تحية إلى كل من الشهيد وليد دقة والأسير باسم خندقجي ورفاقهما من الأسرى الذين قرروا أن يكتبوا الكتب لتشهد بالحقيقة وتطلق الأسرى وتخلد الشهداء وتحرر البلاد.
من جانبه، ذكر الأسير المحرر ياسين بالسياسة الإجرامية التي ترتكبها مصلحة السجون الإسرائيلية بحق الحركة الأسيرة، برعاية وتوجيه من حكومة الاحتلال، مستغلة انشغال العالم وإعلامه بالجريمة الكبرى التي يرتكبها الاحتلال على أرض غزة والضفة الغربية.
وأكد ياسين استشهاد أكثر من 10 أسرى بفعل التعذيب منذ 7 أكتوبر الماضي، لافتا إلى وجود معتقلات سرية في النقب الفلسطيني المحتل يعيش فيها الأسرى في ظل ظروف قاسية ووحشية عن طريق تكبيلهم عراة وتقليص المواد الغذائية ووجبات الطعام ومواد التنظيف ومنع زيارات الأهل والمحامين وتغييب الصليب الأحمر الدولي والمؤسسات الإنسانية.
وخاطب ياسين الشهيد دقة بالقول: “خافوا من بقية عمر كان سيأتي وإن تأخر، طوفانا على أكف المقاومين بقية عمر كنت مستعداً للتخلي عنه مقابل لحظة عناق لميلادك الصغيرة التي قلت لها يوما أنت أجمل تهريب لذاكرتي.. أنت رسالتي للمستقبل».
وفي الختام، وقع أنور ياسين للحاضرين نسخاً من الرواية التي طبعت النسخة الأولى منها بعد تهريبها من سجن جلبوع في العام 2017.
وتتحدث رواية “حكاية سر الزيت” الموجهة إلى فئة اليافعين، عن الطفل جود الذي يستعين بأصدقائه الحيوانات وبشجرة الزيتون لزيارة أبيه السجين، وهي نموذج لأدب المغامرات الذي يعيش أبطاله في ظل الاحتلال، وما تستدعيه الظروف من ضرورة التخفي من دون مغادرة عالم الخيال والطفولة.
توثيق في 10 أجزاء
أما فنانة الكاريكاتير الفلسطينية أمية جحا فقد وثقت في يومياتها ذات الـ 10 أجزاء الأوضاع الإنسانية القاسية التي تدور أحداثها خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا سيما محيط مستشفى الشفاء، الذي وصفته منظمة الصحة العالمية في نوفمبر الماضي في تقريرها الدوري بأنه «منطقة موت».

الزمرة
عمار الزبن هو روائي آخر انتجته السجون الإسرائيلية ونضال المقاومة، توقفت بندقيته فناضل بقلمه، وكتب وسرب من محبسه روايات أبطالها شخصيات حقيقية، ينقلنا فيها إلى لحظاتهم في الميدان، وفي الأسر، هو نفسه كان بطل بعض تلك الروايات.
يملك الزبن قلما يجعلك تعيش الأحداث، كما عاشها أصحابها، وتتخيل نفسك مع أبطال أعماله، وينطلق خيالك لتتصور الأماكن، وتحلق في شوارع القدس وجبال نابلس، وقرى فلسطين، وتفكر في حلول للمازق، وتعيش مشاعر النضال والعناد والصبر.
والمدهش أن الزبن هو أسير قسامي عاش في السجون أكثر مما عاش خارجها، فقد عرف الزنازين صغيراً عام 1994، وكان عمره وقتها 16 عاماً، إذ حكم عليه بالسجن عامين ونصف العام، وعندما خرج شكل خلية شهداء من أجل الأسرى التي نفذت عمليات لأسر الجنود الإسرائيليين بهدف مبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
وهكذا، تم اعتقاله مجدداً عام 1997، لتصدر المحاكم الإسرائيلية بحقه أحكاما بالسجن المؤبد 27 مرة، أو ما يعادل 2700 سنة، بتهمة المسؤولية عن عمليات قتل فيها 27 جنديا إسرائيليا، وأصيب 323، فأصبح بذلك من أصحاب أعلى المحكوميات في السجون الإسرائيلية، واعتبرت الصحف الإسرائيلية اعتقاله نجاحاً كبيراً لأجهزة الأمن.
يقول عمار الزبن إن أصعب أنواع الكتابة الأدبية أن تكون مشاركا في الحدث؛ فتكتب ما كنت جزءاً منه، وهذا ما دفعه للتأجيل المتكرر لمشروع الكتابة نحو عشرين عاماً، ولكنه حين تكلم أخيرا كان جديراً أن يسمع.
لقد منحته التجربة والمحنة تلك الصفة التي يسميها النقاد: “الأصالة”، وقد قامت أعماله التي قدمها بـ”أنسنة الحدث”، فلم يعد المقاوم فرداً مجهول الهوية والمشاعر، يمر كرقم في نشرة أخبار، أو نقرأ كلماته الأخيرة التي سجلها ومات.. إننا في هذه الروايات نعيش معه حياته كلها، ونشاركه أماله، وإحباطاته ولحظات صعوده وهبوطه، ونصره أو استشهاده.
كتب الزبن 6 روايات حتى الآن، كلها عن أحداث حقيقية، هي “عندما يزهر البرتقال” و “خلف الخطوط” و”ثورة” عيبال” و “أنجليكا” و “الزمرة” و “الطريق إلى شارع يافا».
في سجن رامون الصهيوني كتب الزبن رواية “الزمرة” بعد أن حصل على تفاصيلها من اثنين من أبطالها تم أسرهما، وتدور أحداثها خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، وهي تصور الحياة الإنسانية لهؤلاء الأبطال، وكما هي عادة الزبن فإن العمل بكل ما فيه من أسماء وتواريخ وأماكن وأحداث حقيقية من الألف إلى الياء، وقد أهدى روايته إلى رجال نخبة القسام في غزة تحت الأرض وفوقها وفي لجج بحرها».
عندما تقرأ الرواية الآن تنتقل إلى زمن غزة التي كانت يوما مدينة تضم بيوتاً، لكنها ليست كالمدن ولا كالبيوت، وذلك قبل أن تهدمها الوحشية الصهيونية في حرب الإبادة الأخيرة، فلا تترك فيها حجراً على حجر.
أبطال الرواية هم إبراهيم، ياسر، علاء، أحمد الملقب بسمارة، محمدـ الذين يشكلون زمرة يتم تكلفيها بمهمة خاصة. كلف الرجال الخمسة بعملية استشهادية، فتجمعوا في نفق أسفل بيت عماد الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية، وهناك عاشوا وعشنا معهم أسبوعين في النفق، ينتظرون اللحظة الحاسمة، طعامهم تمرات قليلة وشربة ماء، ولا يحظون حتى بنسمات هواء نقية.
رأيناهم في النفق بشراً يتبادلون الحكايات، ورأيناهم ملائكة تتعلق أرواحهم وقلوبهم بالله الواحد الأحد، وأخيراً بعد طول انتظار، حانت اللحظة بعدما تجمع عدد كبير من الجنود فوق أنقاض بيت عماد، فجرت (الزمرة) العبوة الناسفة في فتحة النفق فأحدثت انفجاراً مزق أجساد عدد كبير من جنود الاحتلال، وقبل أن يستفيق بقية الجنود خرجت نخبة القسام من العين الثانية للنفق، فواجهتهم من المسافة صفر”، وأوقعت بهم كثيراً من القتلى، وكان وقع المفاجأة سبباً في نجاحهم وارتباك العدو.
استشهد ثلاثة، وبقي من الزمرة إبراهيم ومحمد يقاتلان جنود العدو من داخل النفق، حتى نفدت ذخيرتهما، فألقى جندي إسرائيلي قنبلة دخان داخل النفق فاضطرا للخروج، فأسروهما، وخضعا للتحقيق في سجن عسقلان، ولم تعرف “كتائب القسام” أنهما على قيد الحياة إلا بعد ظهورهما في سجن إسرائيلي».
على مدى الأشهر السبعة الأخيرة، وعلى مدى السنوات التي سبقتها هناك آلاف الحكايات لأمثال هذه الزمرة، لشباب يحبون الحياة والوطن، وقلوبهم قادرة على العشق، يحبون الكرامة والحرية، وهم مستعدون لدفع أرواحهم في سبيل في سبيل ذلك، وحكايات كل هؤلاء في انتظار من يكتبها.

من خلف الخطوط
“خلف خطوط العدو” وهذا عمل آخر للروائي عمار الزبن كتبه وهو تحت الأسر في سجن شطّة عام 2001م، وتحمل عطر أنفاس الأسرى، وتعبّر عن أملهم في الحرية.. ولكلمات الرواية نشوة يشعر بها كاتبها عندما تلاحقها أصابع السجّان؛ وهي تبحث بين الأوراق عن أحرف الثورة؛ حيث تمّت مصادرة الأجزاء التي كتبها في السجن أكثر من مرة؛ ثم يعود لكتابتها بإصرار وعزيمة.
في هذه الرواية، نقف عن قرب أمام “ثقافة تحرير الأسرى” لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهي تستند إلى مقولة الشيخ أحمد ياسين: “إن الحركة التي تبقي أبناءها أكثر من 5 سنوات في الأسر يجب أن تحلّ نفسها!”، والأسرى يرددون تلك القاعدة التي وضعها الشيخ، ويرون أن كل الفصائل يجب أن نقرأ على تاريخها الفاتحة.
وتوضح الرواية كيف أن تحرير الأسرى ظل يشكل هدفاً لكتائب القسام منذ نشأتها تعمل لتحقيقه بكل الوسائل، فكل أسير فلسطيني من كل الفصائل في القلب، ومن حقهم جميعاً على الكتائب أن تعمل لتحريرهم؛ لذلك تصر حماس الآن على تبييض السجون الإسرائيلية؛ تطبيقاً لمبدأ “الكل مقابل الكل”.
تبدأ القصة في قبرص حيث كان جهاد يدرس الهندسة الكهربائية في الجامعة؛ بعد أن نجح أخوه وبتنسيق عائلي في نفيه إلى قبرص لإبعاده عن مقارعة الجنود الإسرائيليين في شوارع القدس وساحات المسجد الأقصى، لكنه يقول: “عندما تكون بعيداً عن القدس لا تشعر أنك حي بين الأحياء.. إن وجع القدس يصحبك أينما ذهبت.. فكلما شاهدت السماء رأيت البراق ينظر إليك معاتباً يطلب حقه من رقبتك؛ فساحته قد اغتصبوها حائطاً لبكائهم.. إن كل شيء يذكرك بالقدس، إنك تراها في ابتسامة الأزهار وقت انتفاضتها”.
وتصور الرواية الجهاد المتواصل ضد الاحتلال الاسرائيلي والإصرار المتواصل من اجل تحرير الاسرى الفلسطينيين من خلال إجراء عملية أسر لجندي إسرائيلي والعمل على مبادلته مع عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين.
نحن أمام عمل روائي يحكي ما يجري على الواقع من جهاد وكفاح مستمر سيؤتي ثماره عاجلاً أو آجلاً.

حرب الابادة
في ظل الحرب الإبادية المتصاعدة على قطاع غزة مؤسسة الدراسات الفلسطينية تطلق مؤتمرها المؤجل تحت عنوان “75 عاماً من النكبة المستمرة: الإنتاجات المعرفية»
التاريخ: تعقد مؤسسة الدراسات الفلسطينية صباح الاثنين، في 20 أيار/مايو 2024، مؤتمرها السنوي بعنوان “75 عاماً من النكبة المستمرة: الإنتاجات المعرفية”، الذي يستمر على مدى 4 أيام، بحضور باحثين وأكاديميين ومؤرخين في مكتب المؤسسة في بيروت وفي جامعة بيرزيت، وكذلك افتراضياً، وبالشراكة مع مجموعة من المراكز البحثية في فلسطين والعالم، هي: جامعة بيرزيت، والجامعة الأميركية في بيروت، والجامعة اليسوعية، والمعهد الألماني للأبحاث الشرقية، والمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، ومركز دراسات فلسطين في جامعة كولومبيا – نيويورك.
وستقدَّم خلال المؤتمر 33 ورقة علمية، ضمن 10 جلسات، إلى جانب 4 محاضرات رئيسية في اليومين الأول والثاني، تتناول حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. أمّا الجلسات، فستتناول “الإنتاج المعرفي للنكبة والأرشيف” و”إعادة قراءة قسطنطين زريق في ظل النكبة المستمرة” و”تفكيك الاستعمار في دراسة فلسطين في ألمانيا” و”روايات النكبة” و”إشكاليات الخطاب الأدبي والفكري للنكبة” و”إنتاج المعرفة والمقاومة” و”روايات الجغرافيا والتاريخ والحداثة” و”مراجعة النكبة: رؤى تاريخية وعدالة وذاكرة».
ويلقي المؤرخ الفلسطيني، الدكتور ماهر الشريف، المحاضرة الرئيسية الأولى في اليوم الأول للمؤتمر، في بيروت بعنوان “غزة: فصل من فصول نكبة مستمرة أو محطة على طريق التحرر؟”، تتبعها محاضرة رئيسية ثانية، يلقيها نديم روحانا أستاذ العلاقات الدولية ودراسات الصراع في كلّية القانون والدبلوماسية في جامعة تافتس في بوسطن في أميركا، بعنوان “الصهيونية بعد حرب الإبادة: ملاحظات أولية”. أمّا في اليوم الثاني، فسيقدم مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن، الدكتور خليل جهشان، المحاضرة الرئيسية الثالثة بعنوان “75 عاماً من النكبة المستمرة: إعادة النظر في تحدي البقاء”، بينما ستقدم المحاضرة الرئيسية الرابعة أستاذة العلوم السياسية في جامعة ماساتشوستش في بوسطن، الدكتورة ليلى فرسخ، بعنوان “معنى التحرر الوطني الفلسطيني في ظل الحرب على غزة».
ويُعقد المؤتمر السنوي لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، هذه السنة، في لحظة مفصلية تمر بها القضية الفلسطينية، في ضوء الحرب التي تُشن على الشعب الفلسطيني، والتي لا تخرج عن إطار الصراع المستمر منذ النكبة حتى اليوم. وباعتبار أن النكبة ليست سؤال الماضي فحسب، بل أيضاً هي سؤال الحاضر والمستقبل، فإن المؤسسة مع شركائها في هذا المؤتمر تؤكد أهمية إبقاء ذاكرة النكبة حيّة، ومواصلة تعليمها في المدارس والجامعات، وتسليط الضوء على مقدماتها وتداعياتها تعزيزاً لوحدة الشعب الفلسطيني، وتجاوُزاً للأزمة التي تواجهها حركته الوطنية، وبثاًّ لروح جديدة في مشروعه السياسي.
وانطلاقاً من عنوان المؤتمر الذي كان معَداًّ في السنة الماضية بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وجرى تأجيله بسبب الحرب الإسرائيلية المسعورة على قطاع غزة، فإن المؤسسة ترى أن التمسك بمواصلة العمل الفكري والبحثي هو أحد أشكال التصدي للمشروع الاستعماري في فلسطين، ولا سيما أن الحرب الحالية هي امتداد للنكبة وتعميق لمآسيها.
وانطلاقاً من رؤيتها، فقد مارست مؤسسة الدراسات الفلسطينية عملها منذ اليوم الأول للحرب، مسخّرةً طاقاتها البحثية والأكاديمية وخبرتها التاريخية المتراكمة في توثيق النكبة ورواية الشعب الفلسطيني، لتوثيق هذه الحرب وتدوينها بالتفصيل، وبحثها في مجلاتها وموقعها الإلكتروني، ومن خلال أوراق السياسات والندوات والفعاليات المتعددة، وإتاحة ذلك أمام الباحثين والصحافيين والمهتمين.

قد يعجبك ايضا