استطاعت معركة (طوفان الأقصى) أن تحدث زلزالاً ليس في نطاق الكيان المحتل ومؤسساته العسكرية والأمنية والاستخبارية وطبقته السياسية، بل ضرب زلزال الأقصى أركان الكرة الأرضية بكل امتداداتها، إذ استطاعت معركة ( طوفان الأقصى) ضرب تجاويف الذاكرة البشرية وأجبرت شعوب العالم على التوقف أمام فلسطين القضية وحقيقة الاحتلال، لتسقط مع سقوط منازل وأبراج غزة أساطير العصابات الصهيونية التي ظلت تسوقها لأكثر من 80 عاما وتكوي بها الوعي الجمعي العالمي، وسخَّرت لها ماكينات إعلامية جبارة تسوق كل الروايات الصهيونية ويصدقها العالم وكأنها حقائق لا تقبل الانتقاص..
العدوان الصهيوني على قطاع غزة بما حمل من مشاهد وحشة وجرائم ارتكبها الصهاينة بحق الأطفال والنساء والشيوخ والبنى التحتية، ولم يسلم العدوان مسجداً أو مشفى، أو كنيسة، أو طريقاً، ناهيكم عن الأبراج السكنية التي تم تدميرها على رؤوس قاطنيها، وطال الاستهداف الصحافة والصحفيين وكاميراتهم، جرائم لا شك أنها أيقظت الضمير الإنساني النائم والمخدر بالدعاءة الصهيونية، فكان أن جاء رد الفعل الشعبي العالمي مغايرا لكل مخططات العدو، الذي لم يخسر هيبته في طوفان الأقصى صباح يوم 7 أكتوبر الماضي، بل فقد بعدوانه الذي جاء من باب رد الفعل واستعادة الهيبة والكرامة المفقودة، مكانته ومصداقيته وصورته التي ظل يلمعها أمام الرأي العام العالمي وخاصة في أوروبا وأمريكا، حيث كانت الروايات الصهيونية تحظي بمصداقية قبل أن يكتشف الشعب في أمريكا وأوروبا أن كل ما كان يتلقاه عبر الإعلام عن الكيان الصهيوني ليس إلا أكاذيب ومزاعم زائفة وأن الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية عملوا لعقود على تضليل الرأي العام الغربي والأمريكي، لهذا خرجت الشعوب إلى الشوارع في المدن الأمريكية والغربية منددة بالجرائم والمجازر الصهيونية بحق أبناء فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية، ورغم محاولات الحكومات في هذه البلدان تخويف مواطنيها بعقوبات تبدأ بالغرامة والسجن وتذهب حد تجريد مكتسبي جنسيتها من الجنسية وطردهم إلى أوطانهم الأصلية، إلا أن كل هذه التهديدات لم تنصت لها الشعوب التي خرجت لتعبر عن رأيها وتتضامن مع أطفال ونساء فلسطين وشيوخها، منددين بجرائم الصهاينة وبتواطؤ حكوماتهم مع العدوان الصهيوني..
طوفان الأقصى لم تعد قضية فلسطين للذاكرة الدولية والواجهة كأبرز حدث يشغل الرأي العام وتحتل أخباره مقدمات الأخبار واهتمام الإعلام العالمي، بل عملت على دفع العالم لإعادة قراءة مسار هذا الكيان وتاريخية والمجازر البشعة التي ما أنفك يرتكبها بحق أصحاب الأرض..
رد فعل الشارع الأوروبي الأمريكي يمكن وصفه بأنه أعظم إنجاز حققته المقاومة من خلال معركة طوفان الأقصى التي لم تفضح مؤامرات الأنظمة الغربية والنظام الأمريكي أمام مواطنيهم، بل فضحت ازدواجية المعايير في تغطية وسائل الإعلام الأمريكية والغربية، التي فقدت ثقة مواطنيها ودافعي الضرائب الذين يمولون بأموالهم نشاط هذه الوسائل التي سقطت بنظر مواطنيها والمجتمع الدولي، وفقدت مصداقيتها في سقوط أخلاقي ومهني وإنساني، لتحظي فلسطين والمقاومة باهتمام الرأي العام العالمي، وهذا يعد أكبر خسائر الكيان الصهيوني وحلفائه في الغرب وأمريكا، بل ظهر الكيان كمجرم حرب ومحاكمة قادته كمجرمي حرب شعار يردد على كل لسان في هذا العالم وخاصة العالم الغربي والأمريكي الذي كان العدو يرى فيه الحاضن لكل أساطيره ومزاعمه الزائفة..
أن الصورة الجميلة التي ظل العدو يرسمها لنفسه عالميا سقطت ملطخة بدماء أطفال ونساء غزة، وأن الهزيمة التي تلقتها عصابات الكيان هي هزيمة مركبة عسكريا واستخباريا وسياسيا وإعلاميا وأخلاقيا، وأن ما بنته من أساطير في ذاكرة العالم مُحي خلال العدوان الإجرامي الذي شنته على قطاع غزة، وهذا يعد أهم مكاسب المقاومة الفلسطينية التي أعادت الذاكرة الإنسانية إلى مسارها الصحيح ووجهت الأنظار نحو الجهة التي يفترض على العالم أن يوجه إليها الأنظار وهي فلسطين القضية والحقوق والمظالم التي يجب أن ترفع عنها.
بمعزل عن الحديث السياسي الاستهلاكي القائل بضرورة وأهمية العودة (لحل الدولتين)، فهذا الحديث يردد منذ 75عاما وعند كل حرب وأزمة عاصفة تكون فيها فلسطين حاضرة، وهذا الحديث عن ( حل الدولتين) يقال بعد كل حرب تواجهها المنطقة ولكن لم يتحقق من هذا الحديث شيئاً يذكر وسرعان ما ينسى قائلوه ما يقولون عند الأزمات، فيما العدو يمضي بسياسته الاستيطانية دون اكتراث بحقوق شعب وإرادة أمة..
إن ما أحدثته معركة طوفان الأقصى وكما أسلفنا لم يعد القضية للواجهة بل أسقطت كل أساطير العدو ومن يرعاه، وأسقطت قيم وأخلاقيات الغرب وأمريكا كأنظمة حاكمة، وأيقظت الوعي الشعبي وهذا ما يفترض أن يبني عليه على طريق التحرير الشامل والكامل لفلسطين التي لن تذهب دماء أطفالها ونسائها وشيوخها هدراً.