قبل عدة أيام، صدر حكم قضائي ضد إحدى الشركات الوهمية التي لاقت رواجاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، وساهم فيها عشرات الآلاف من المواطنين، قضى ذلك الحكم بغرامة وحبس القائمين عليها ومصادرة الأموال والأصول.
وما يثير الاستغراب اعتقاد البعض من ضحايا هذه الشركة أن السلطات حينما وضعت اليد على تلك الأموال والأصول أنها تسببت بحرمان المساهمين من مصادر دخل ثابته على اعتبار أن الأرباح كانت تسلم إليهم بشكل منتظم، غير مدركين العواقب التي كانت ستحل فيما لو استمر نشاط تلك الشركة أو شبيهاتها، ومن أجل تبديد اللبس الذي وقع فيه الكثير، ولفهم ما يحدث مع تلك الشركات والآليات التي تتبعها، تخيل وأنت في أسوأ أوضاعك المادية ومصادر دخلك متوقفة وتعاني الأمرّين في ظل التزامات أسرية وغيرها أن يأتي إليك شخص يدّعي أنه مندوب عن شركة ليعرض عليك المساهمة في مشروع تجاري أنت غير مسؤول عن نتائجه، بمعنى أنك شريك بالربح وليس بالخسارة، وبنسبة ربح تصل إلى ما لا يقل عن 30% شهرياً مقابل مبلغ مالي تستثمره في تلك الشركة وأنت في منزلك دون أن تبذل أي جهد، وتحت ضغط الحاجة والتزامات الحياة والأسرة وإغراء من في محيطك من أقارب أو أصدقاء سبقوك في تلك الخطوة، توافق فوراً على المساهمة وتقوم بقديم مبلغ مالي، ثم بعد ذلك توقع عقداً مع تلك (الشركة) على ورقة ليس عليها شعار رسمي أو رقم سجل تجاري أو عناوين، وتبدأ باستلام أرباحك المتفق عليها بانتظام، وبعد مضي عدة أشهر وبعد أن تكون قد تذوقت حلاوة الأموال التي تصلك دون عناء والتي حلت جزءاً كبيراً من مشاكلك المادية اذا بشهيتك تتفتح أكثر من ذي قبل، وتبدأ بعدها بالتفكير ببيع منزلك أو سيارتك أو مجوهرات أسرتك للمشاركة بمبلغ أكبر والحصول على ربح أكثر، ثم لا تلبث حيناً من الوقت حتى تتفاجأ بأن المشروع الذي كنت جزءاً منه ليس إلا مشروعاً وهمياً لا وجود له على أرض الواقع ولا يملك منتجاً من الأساس، وأن مالك الذي ساهمت فيه قد ذهب أدراج الرياح، لتكتشف في وقت متأخر أن الأرباح التي كنت تتسلمها شهرياً بانتظام كانت من أموال مساهمين جدد وقعوا في نفس الفخ الذي وقعت فيه، وأن توزيعها لا علاقة له بتجارة أو ببيع وشراء، فقط هي أموال كان يتم جمعها من مجاميع من متدنيي الوعي ثم يدفع جزء منها لمساهمين قدامى حتى يصل (النصاب) صاحب الشركة الوهمية إلى سقف مالي محدد يكون قد جمعه من آلاف المساهمين ويختفي بأموال السذج دون رجعة . هذا ما حدث لمساهمين فقدوا أموالهم وإلى اليوم ينتظرون الحلول !!
يعتمد هذا النوع من النصابين على خلق سمعة طيبة لتلك الشركة الوهمية من خلال تسليم أرباح طائلة أولاً بأول دون تأخير لمنح طمأنينة لمساهمين محتملين لا زالوا مترددين، كما يعتمدون على عامل الاحتياج لكثير ممن فقدوا مصادر دخلهم وخاصة في السنوات الأخيرة التي عاشتها البلاد في ظل الحصار والعدوان.
وللأسف أن ذلك حدث مع كثير ممن أعرفهم شخصياً وكانوا ضحايا نموذجين لنصابين في اليمن وماليزيا وسلطنة عمان، رغم أن البعض منهم يحمل شهادة جامعية، وله تجربة في الحياة.
وبعيداً عن الكوارث التي تُحدثها شركات الاحتيال الوهمية في الأشخاص، لا بد من الإشارة إلى الآثار السلبية التي تلحقها هذه الشركات بالاقتصاد الوطني وهي:
١- أن هذه الشركات لا وجود لها على أرض الواقع، وبالتالي لا تملك منتجاً متداولاً يمكن أن يوفر سلعة في السوق أو فرص عمل .
٢- هذه الشركات لا تقدم ضرائب أو زكاة، وبالتالي فإنها تشكل ملاذات آمنه يسعى من خلالها البعض إلى التهرب الضريبي لإخفاء عملياتهم.
٣- الأموال التي تقوم هذه الشركات بتجميعها تكون خارج الوعاء النقدي وبالتالي لا يستفيد منها الاقتصاد بشيء.
٤- فقدان الثقة في النظام المالي والاقتصادي للدولة نتيجة السمعة السيئة التي تلحقها هذه الشركات بالبلد والتي قد تؤثر على تدفق رأس المال أو الاستثمار .
٥- زيادة نسبة الفقر في المجتمع نتيجة الخسائر التي تلحق بالأشخاص.
٦- ميول كثير من اليد العاملة إلى الكسل وعدم العمل نتيجة توفر أرباح شهرية، وبالتالي تراجع العملية الإنتاجية.
٧- توسعة دائرة غسيل الأموال واستخدامها في مشاريع وأنشطة مشبوهة وغير شرعية .
٨- تدني مستوى الادخار والاستثمار مما يدفع بهجرة رؤوس الأموال والأفكار الريادية إلى خارج اليمن.
٩- إضعاف القطاع الخاص بسبب تحويل أموال الناس للاستثمار في هذه الشركات الوهمية الأمر الذي يسبب سحب مدخراتهم، وبالتالي ظهور الاقتصاد الموازي وعزوف ناس عن الاستثمارات الحقيقية.
وعليه يُنصَح بعدم التفاعل مع أي إغراءات من قبيل الأرباح المبالغ فيها، أو أن تكون الشركة غير مسجلة، أو لا تمتلك مُنتجاً متداولاً في السوق، وعلى الجهات المسؤولة تشديد الرقابة على الشركات المساهمة أو تلك التي تجمع أموال الناس خارج إطار القانون وبأرباح غير منطقية وتطبيق سيادة القانون عليها، مع رفع مستوى الوعي بخطورة هذا النوع من الشركات لما لها من آثار اجتماعية واقتصادية سلبية على المواطن والدولة، فضلاً عن أنها تشكل حاضنة خصبة لغسيل الأموال وتشوه الصورة الاقتصادية للبلد .
*رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي**