تعتبر المياه من أهم مصادر الحياة، فهي التي تميز الأرض عن غيرها من الكواكب، لتوفر كميات كبيرة منه على سطحها، بحيث تغطي المياه أكثر من 70 ٪ من مساحة الأرض، ونجد أن الحضارات نشأت عبر التاريخ قرب مصادر المياه العذبة، لذا تعتبر المياه مقوما أساسيا للحياة لارتباطها بنشأة وبقاء المجتمعات البشرية القديمة والحديثة، فلا يمكن لأي مجتمع – أياً كان – الاستغناء عن المياه، باعتبارها سبباً لإنبات الأرض والحصول على الغذاء وكافة الشؤون الحياتية المختلفة.
والحقيقة القائمة أن الزيادة الكبيرة لاستهلاك المياه أمر واقع في جميع أنحاء العالم ، الأمر الذي ألقى بظلاله لواقع جديد مع النمو السريع في عدد السكان وتوسع الأنشطة الاقتصادية وتغير نمط الحياة والمعيشة اليومية، وهذا يستوجب التعامل بمسؤولية عندما يتعلق بكمية المياه التي تستهلك أو تهدر بالنظر لشحة الموارد المائية على مستوى العالم بهدف منع الجفاف ومكافحته, وأهمية البحث عن موارد إضافية للمياه، وفهم الآثار المحتملة للتغيرات المناخية بات يمثل ضرورة لا بد منها من أجل وضع استراتيجيات وإجراءات التكيف مع تلك الآثار من خلال تنفيذ طرق عملية جديرة بالتعاطي مع زخم التغيرات المناخية ، والمساهمة في تعزيز مستوى المياه الجوفية والتوظيف الأمثل لها، وتوسِعة الرقعة الخضراء في المناطق الحضرية.
مشكلة ندرة المياه في اليمن ترجع إلى زمن قديم وحاليا مصنفة من الدول الفقيرة في المياه عالميا، ما اضطرها القيام بوسائل مختلفة بسحب كميات لا حصر لها من المياه الجوفية (غير المتجددة) بحفر الآبار لمواكبة الزيادة في استهلاك المياه للأغراض المتعددة التي توسعت وكبرت، وعلى هذا الأساس من المهم بمكان اتخاذ إجراءات مناسبة للحفاظ واستغلال كميات المياه الآتية من الأمطار لتحقيق أكبر فائدة منها في كل الأماكن الممكنة أمر حيوي وحتمي، باتباع طرائق تقنية متجددة ومحدودة التكلفة، من خلال التحكم الحركي لتدفق مياه الأمطار والتوسع في إقامة السدود والأحواض والخزانات على طول مساحة الجمهورية, كونه لا ينطوي على فائدة واحدة ولكنه يشكل ثروة حياتية واقتصادية متعددة الأبعاد .
فاتباع ما يعرف بنظام الحصاد المائي كأحد الحلول الاستراتيجية وتطويرها لمواجهة أزمة المياه هي تقنية ليست بمفهوم جديد وتاريخيا كانت اليمن سباقة في هذا المجال من قديم الزمان من خلال بناء السدود والأحواض وتجميع وحفظ المياه في المناطق التي تتمتع بانهمار مطري متكرر ومنتظم أو متقطع أو مجرى السيول حتى وقتنا الحاضر لا زال معمولا به كتجميع المياه خلف السدود والخزانات والأحواض وتجميع مياه الأمطار بشكل مباشر أو غير مباشر للاستخدام على مدار السنة وهي طريقة مجدية للتقليل من الاعتماد على مصادر المياه الجوفية بشكل كبير, وهذه المياه المجمعة تشكل مصدرا مساعدا لتجديد طبقات المياه الجوفية التي يتم استهلاكها بسبب الاستنزاف الشديد والحاجة المتزايدة لها, علاوة على أن حصاد المياه أو تصريف مياه السيول والمياه الفائضة هو أحد الطرق المتبعة لإدارة الفيضانات السطحية والتحكم بمياه الأمطار الغزيرة.
فهي عملية ذات فوائد سواء للأجيال الحالية والقادمة لأنها تقوم على تركيزه هطول المطر بواسطة الجريان تمهيدا لاستخدامه لاحقا على نحو مفيد وتوجد العديد من التقنيات لها ولإدارتها بتجهيز بعض العوامل المساعدة لهذه العملية للاستفادة من أكبر كمية يمكن الوصول إليه والحصول على مياه الأمطار منه ويمكن أيضا توفير المياه للمناطق البعيدة عن مثل هذه المصادر أو يكون توفير المياه فيها عالي التكلفة.
وبشكل عام وتضامناً مع ما سبق، هناك أيضا العديد من أنواع السدود المخصصة لهذا من الممكن التوسع في إنشائها، منها السدود الركامية، ومنها السدود الترابية والسدود الخراسانية والسدود الجوفية، وكلها سدود تهدف أساساً لتخفيف الأعباء، وعدم استنزاف المياه الجوفية المحدودة، وتوفير مياه الشرب ومياه الري للمناطق الزراعية الواقعة على مقربة من السد نفسه، ولحماية القرى والمدن من مخاطر وأضرار السيول والفيضانات، وزيادة معدلات تغذية المياه الجوفية في منطقة السد.
وفي الوقت نفسه عادة ما تتطلب أنظمة حصاد مياه الأمطار صيانة دورية؛ لأنها قد تكون عرضة للقوارض والبعوض ونمو الطحالب والحشرات والزواحف، ويمكن أيضا تصبح أرضا خصبة للعديد من الحيوانات إذا لم تتم صيانتها ومراقبتها بالشكل المطلوب أول بأول.
كما يمكن بسهولة جمع مياه الأمطار في المدن والضواحي من خلال تصميم هندسي بسيط لتقليل الاستهلاك من مياه الآبار الجوفية، فعلى الصعيد المنزلي والمباني يتم جمع المياه التي تجري عبر الأسطح وتتدفق لتجمع من خلال توجيه التدفق عبر المزاريب وتحفظ في خزانات وأحواض وتوسيع نطاقه لتطبيقات في الأماكن التي تعاني من شحة المياه، في الاستخدامات التقليدية الأخرى إضافة ذلك يمكن تكون صالحه للشرب بعد معالجتها وتنقيتها يعتبر هذا الخيار ناجعا وجديرا بالاهتمام لمحاربة الفقر المالي.
وتبقي الصعوبة في التنبؤ بهطول الأمطار وقلة وشحة هطولها أو حتى عدم هطولها أحيانا وتشكل أحد تحديات تطبيق نظام الحصاد المائي، علاوة على التكلفة الأولية لتنفيذ الخطة على أرض الواقع، خاصة أنه يحتاج للتجهيز بشكل كامل حتى يتم الاستفادة منه.
كما يأتي رصد استخدام المياه وقياس كميات الأمطار مهمة وتحتاج لأن تكون أكثر دقة من حيث توقعات الطلب على المياه على المدى المتوسط والطويل، وتحتاج إدارة الموارد المائية والطلب على المياه إلى التعامل مع السعات الحجمية للهطول المطري؛ كون هذه الأرقام أكثر قيمة وأهمية للتخطيط طويل المدى ولإدارة الموارد المائية المحدودة والثمينة.
باحث في وزارة المالية