اعتبرت النخب النافذة في واشنطن انهيار وتفكك المعسكر الاشتراكي، نهاية لمعسكر الخصوم وانتصارا لخياراتها وأهدافها الليبرالية، فاعتمدت عام 1993م نظريتين نافذتين أقرهما البنتاجون ومراكز صناعة القرارات الاستراتيجية الأمريكية وهما نظريتا (الصدمة والرعب) و (الفوضى الخلاقة) ورغم أن هاتين النظريتين تم تسريب بنودهما وأهدافهما إلا أن القليل من دول العالم تعاملت معهما بجدية، فيما حاولت واشنطن خلال الفترة 1990-2000م تجنب العمل بهاتين النظريتين والاكتفاء بنفوذها الجيوسياسي وإنفاذ قانونها الخاص الذي فرضته كبديل للقانون الدولي..!
غير أن وصول جماعة (المحافظين الجدد) للبيت الأبيض فعل ضاعف من غطرسة واشنطن، فدشنت مسيرتها الجديدة متسلحة بالكثير من (الأساطير اللاهوتية) التي يؤمن بها (تيار الصهيونية -المسيحية) المؤمن بفكرة تفوق القوة والمؤمن بفكرة أن العالم الإسلامي “عملاق مقيد” وهو مدرك أيضاً أنه سينتصر في النهاية على الجميع لأن معهم الإيمان والإيمان دائماً يتغلب على أي شيء وهذا (وعد الله) لنا -عبارة كررها جورج بوش -الابن في أكثر من خطاب له..!
كانت -جمهورية يوغسلافيا -مسرحا للغطرسة الأمريكية الجديدة فتم استهدافها وفق الشرعية الأمريكية الجديدة، لأنها كانت تمثل بنظامها وسياستها -خنجرا روسياً في قلب أوروبا – فتم استهدافها وإسقاط نظامها وتمزيق جغرافيتها إلى دويلات متناحرة، فيما كانت الحاجة الأمريكية لحادث يمنحها شرعية البدء في تطبيق نظريتيها اللتين أطلقت عليهما مسمى (الصدمة والرعب، والفوضى الخلاقة) فكانت (أحداث مانهاتن) في 11 سبتمبر عام 2001م التي يستحيل أنها كانت صنيعة (تنظيم القاعدة) وإن اعترف (التنظيم ورئيسه بالمسؤولية) وإن كانت -حسب الكثيرين صناعة هذا التنظيم -فإنها لم تأت دون علم أجهزة المخابرات الأمريكية التي قامت بدور فعال ورئيسي في تسهيل مهمة (التنظيم) الذي هو في المحصلة صناعة الأجهزة الاستخبارية الأمريكية ويأتمر بأوامرها، وكان من الأهمية وقوع مثل ذالك الحادث ليمنح حكام البيت الأبيض شرعية استباحة سيادة دول العالم والانطلاق في تطبيق نظريتيهم الهادفتين إلى (امركة) العالم وإعادة تشكيل خارطته وفق الأطياف الأمريكية الجديدة التي تبناها (تيار المحافظين الجدد) الذين تجاهلوا كل تحذيرات العقلاء فيهم، كما تجاهلوا تحذيرات مراكز الدراسات الاستراتيجية ومنها تلك التي تخصصت في رسم السياسة الأمريكية..!
منحت أحداث (مانهاتن) شرعية لجماعة المحافظين الجدد الذين أصبحوا حكاما على أمريكا الجديدة، أيضا الذين تخلوا بالمطلق عن قيم الليبرالية بشقيها التقليدي والحديث وسعوا لفرض خياراتهم التي يمكن وصفها بأنها تتماهى مع تلك التي يمارسها اليوم متطرفو الكيان (الصهيوني) إذ أن المتطرف الصهيوني ( بن غفير) ينتمي لذات التيار الذي ينتمي إليه (محافظو أمريكا) وهو (تيار الصهيونية -المسيحية) والذي تتبناه إدارة (بايدن) اليوم وغالبية النظم الأوروبية، في إدارة صراعها الجيوسياسي مع كل من روسيا في أوكرانيا ومع الصين في تايوان وجغرافية آسيا، وهو تيار يؤمن (شرعية القوة) ولا يعترف بأي قانون غيرها..!
وإن كان بوش الابن رفع شعار “الحرب الصليبية، ومن لم يكن معنا فهو ضدنا”، فإن بن (غفير) أتى بما لم يأت به كل الغزاة والمستعمرين عبر التاريخ حين شرعن لقانون (إعدام كل مقاوم عربي فلسطيني) وهدم منازلهم وتشريد أسرهم وتجريدهم من كل حقوقهم المدنية والإنسانية ..!
يتبع…….