يبدو أن تباشير السلام بدأت تتجلى لكن بأفق يمني واضح بعكس ما جرى بالستينيات من القرن الماضي ، فمن تابع تصريحات آل جابر السفير السعودي وقارنها بتصريحات السديري أول سفير للسعودية بعد ما سُمي بالمصالحة الوطنية، سيلاحظ الفرق الكبير بين السلام الحقيقي النابع من إرادة الشعب والسلام المزيف الذي كان مجرد مدخل لاستتباع اليمن واليمنيين ، وتحويل البلاد إلى حديقة خلفية للسعودية .
اليوم عندما حل السفير آل جابر بصحبة الوفد العماني في صنعاء لاشك أنه أدرك حقائق كثيرة أهمها وحدة القرار وقوة الإرادة من منطلق أن هذه مسيرة قرآنية تعمل وفقاً لمنهج القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وتسير تبعاً لمدلول حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (المسلمين تتكافأ دماؤهم ويقوم بأمرهم أدناهم ) أو كما قال ، لذلك فإن أول ما لفت انتباه الطرف السعودي أن كل شيء موحد والتصريحات والتسريبات كلها موحدة من قائد المسيرة حتى آخر جندي في جبهة المواجهة ، الكل محدد خياراته تبعاً لأسس منطقية تُراعي مصلحة الشعب وأهمها الجوانب الإنسانية ، فالقيادة في صنعاء ركزت على ثلاث محددات أساسية تمثلت في ( صرف الرواتب لموظفي الدولة ، فتح المطارات والموانئ ، إطلاق الأسرى والمحتجزين ) وهي خيارات أساسية تُراود ذهنية كل يمني باعتبار أننا جميعاً نعتبر الأسرى أسرانا ، والجرحى جرحى كل يمني ، والشهداء افتقدهم كل مواطن في هذه الأرض ، وهذه هي أهم ثمرة من ثمرات الصمود بعكس ما يُروجه البعض ، فالبعض من أمراض النفوس المصابين بداء التشكيك والارتياب ملأوا الدنيا ضجيجاً في الماضي عن المرتبات ، واليوم عندما وجدوا الجدية بدأوا يشككون في الخطوة ويتحدثون عن المكاسب التي لا وجود لها إلا في رؤوسهم ويقولون إن الحوثي بحسب وصفهم ضحى بالدماء والأرواح من أجل مكاسب ذاتية ، وهذا هو ديدن المرجفين والمنافقين الذين لا قرار لهم سوى خدمة الأعداء والسير في ركابهم .
كم كنت أتمنى لو أن السفير آل جابر أمعن النظر في القصر الجمهوري ، ذلك المعلم التاريخي البارز الذي نزل فيه الكثير من رؤساء وملوك العالم كيف حولته السعودية بضرباتها الجوية الغادرة إلى مجرد خرابة ، وغيره من المعالم البارزة التي تهدمت أثناء العدوان البربري السافر ، مع ذلك نجدهم اليوم يتحدثون عن ما يسمونه خلافاً يمنياً داخلياً ، لا أدري أين نضع هذا الخلاف في قاموس ما جرى ؟! هل في المباني المهدمة أم في النفوس المكلومة أم في الأسر التي افتقرت وأصبحت تعاني الكفاف؟! لقد تعرضت اليمن لعدوان همجي سافر شاركت فيه 17 دولة بقرار أمريكي بريطاني وتنفيذ سعودي إماراتي ، فأين محل المرتزقة من الإعراب؟! ولماذا كل هذا الغي وعدم الفهم؟! أن الأمور وصلت إلى نتيجتها الصحيحة وجلس المعتدي مع المُعتدى عليه في طاولة واحدة وهذا هو الخيار الصحيح الذي لابد أن تكتمل حلقاته حتى يسلم اليمن ويعيش في أمن وسلام محافظاً على سيادته واستقلاله واستقراره وحرية أبنائه ، وهذا إن شاء الله ما سيتم طالما أن الإرادة موجودة ووحدة القرار هي السائدة في كل مخرجات الحوار والتفاوض ، وهذه هي ثمرة الصمود الحقيقي ، ولا نامت أعين الجبناء والمرجفين ، والله من وراء القصد …
أحمد يحيى الديلمي