سيرك التسريبات وشيطان التفاصيل

عبدالرحمن الأهنومي

 

على خلاف التسريبات التي تأتي من هنا وهناك، فإن التوصل إلى هدنة تفضي إلى سلام دائم وحقيقي، مرهون بجدية السعودية وهي التي تشن الحرب على اليمن وتفرض الحصار الغاشم وتقود بشكل رئيسي إلى جانب أمريكا تحالفا عسكريا منذ العام 2015م، في الحرب على الشعب اليمني.
عند الحديث عما يجري في العاصمة صنعاء فإن الموقف من جهة القيادة في صنعاء واضح، حدده قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد وفي مناسبة الشهيد الصماد، وهو موقف لا يمكن تغييره ولا التغيير فيه، صرف المرتبات، رفع الحصار، وقف العدوان، سحب الجيوش الأجنبية، دفع التعويضات وجبر الأضرار وإعادة الإعمار، هي حقوق أساسية كموضوعات، وهي بمثابة خارطة طريق واضحة وبتراتبية، وصنعاء ليست مستعدة للمناقشة حول هذه القضايا.
إذن موقف صنعاء واضح والمسائل كلها محسومة، وقد أعاد رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام تأكيد هذا الموضوع لدى وصوله مع الوفد العماني بتصريحاته في مطار صنعاء، في اليوم الذي وصل الوفد السعودي أيضا.
وبحال اعتبرنا وصول الوفد السعودي إلى العاصمة صنعاء، خطوة شجاعة منها، فإن صنعاء في المقابل ما فتئت تقدم المبادرات والخطوات الشجاعة بحثا عن السلام وتمسكا به، وهي لا تضع شروطا أمامه بل تتعامل بواقعية مع الواقع وتضع تعريفا للسلام المنشود بركائزه الأساسية والمشروعة، والطريق إلى السلام واضحة لا تحتاج إلى عناء كثير، بل إلى قرار شجاع من العدوان السعودي وإلى جدية ومصداقية تأخذ الأمور إلى قرار يوقف العدوان ويرفع الحصار، وإلى خطوات كفيلة بتنفيذ الحقوق المشروعة والعادلة لليمن متمثلة في صرف المرتبات ورفع الحصار وإطلاق الأسرى، ثم استكمال بقية الملفات.
وكان من الغريب أن يتقمص الوفد السعودي دور الوسيط، وهو الموقف الذي يشكك في مصداقية النظام السعودي في أنه يبحث عن حلول وسلام حقيقي، وكان على مملكة العدوان السعودية الاعتراف بالعدوان الذي تشنه على اليمن والاعتذار عنه أولا، وهذا هو ما يبني الثقة ويؤكد بأنها جادة في البحث عن السلام، أما القفز على الحقائق وعلى ثمانية أعوام من المذابح والجرائم والمجاعات والحصار والإبادة بحق الشعب اليمني، ومحاولة “كلفتة” كل ذلك بغمضة عين فلن يؤدي إلى سلام ولن يقبل به الشعب اليمني ولا قيادته الحرة.
ومنذ يوم الأحد ما يزال وفد سلطنة عمان في العاصمة صنعاء يواصل جهوده في التوصل إلى حلول، بالتوازي ما يزال وفد السعودية الذي جاء ممثلا عنها كطرف في الحرب في صنعاء للتباحث، ولا جديد في ذلك كما أعلم، ومن اللافت التسريبات المكثفة التي تنشرها وسائل إعلام دولية يوميا، وكلها صيغ تروج لها السعودية في اعتقادي، بهدف الإرباك وبهدف التشويش ومحاولة لفرضها على أجواء التفاوض، وهي صيغ لا تستند إلى حقيقة ولا إلى معطيات صحيحة.
منذ أن انتهت الهدنة في الثاني من أكتوبر العام المنصرم، عادت الحالة إلى حالة الحرب، واستمرار خفض التصعيد دون إعلان لم يكن لعامل سياسي جديد تم التوصل إليه، بل كما أوضح قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بهدف إتاحة الفرصة الكافية لنجاح الجهود التي تقودها سلطنة عمان التي تقود الوساطة بشكل مكثف، حينها أكد السيد حفظه الله أن الصبر لن يطول وسينفذ إذا لم يتم تنفيذ المطالب الإنسانية التي تتعلق بصرف المرتبات ورفع الحصار، ولم يستجد جديد حتى اليوم.
خلال الأشهر الماضية جاءت وفود عمانية عديدة وسعودية أيضا إلى صنعاء، وخلالها وافق الطرف السعودي على النقاط الرئيسية فيما يتعلق بالملف الإنساني، بدء بصرف الرواتب ورفع الحصار الجوي والبحري، غير أنه نقل التعقيدات إلى التفاصيل المتعلقة والتي من الواضح أنها تكتيكات تهدف منها إلى التخلص من عبء الانسداد، وإبقاء الأبواب مفتوحة أمام النقاشات العقيمة.
الحرب شنت من السعودية وبقرارها وبإشراف أمريكا، والمطلوب هو أن تتخذ السعودية قرارا لإنهائها وإنهاء الحصار أيضا، وسحب الجيوش كذلك، وفي الملف الإنساني فإن صنعاء واضحة في مطالبها وفي ترتيبها للقضايا، والواضح أن السعودية تريد القفز على كل ذلك بمراحل وبسنوات إلى تقمصها دور الوسيط، موقفها هذا يعد سابقة مضحكة حسب متابعين في تاريخ الحروب والصراعات.
الواضح أن السعودية ورغم إرسال وفدها إلى صنعاء وما مثله ذلك من خطوة شجاعة، ما زالت تغرق الأمور في قضايا هامشية تفصيلية بهدف التعقيد وبهدف الاستبدال والإحلال للقضايا والملفات، رغم وضوح القضايا ومشروعية المطالب بدءاً بدفع رواتب موظفي الدولة المقطوعة منذ سنوات، وإنهاء الحصار على المطارات والموانئ، وهذه هي القضايا المهمة والرئيسية في الملف الإنساني، وأيضا الانسحاب من اليمن ودفع التعويضات وجبر الأضرار، وهذه هي القضايا الجوهرية والأساسية.
استمرار السعودية تصوير نفسها وسيطا مثل مشكلة مستعصية أمام أي اختراقات تتعلق بالتفاوض الذي يجري، فهي تكشف عن أنها لا تبحث عن حلول، بل عن مقبرة لتدفن آثار الحرب الإجرامية التي شنتها على اليمن، وتقييدها ضد مجهول، وأول سؤال تبادر من عليه وقف الحرب ورفع الحصار إذن؟ ومن يتحمل الحرب وكلفها وأثمانها، ومن عليه أن يعالج آثارها مثلا؟
وصول وفد سعودي خطوة شجاعة فعلا، لكن من الضروري أن يثبت السعودي مصداقيته اليوم من خلال تنفيذه للمطالب الإنسانية من فك للحصار ودفع للرواتب، وإنهاء الاحتلال والعدوان، وجبر الضرر، وإلا فلا جديد يعتبر، ومن الواضح أن السعودية تتهرب من ذلك بالإغراق في التفاصيل الهامشية، وبالتسريبات المكثفة حول توافقات لا أساس لها من الصحة، ومن المهم عدم التعامل مع تلك التسريبات اليومية، وعدم اعتماد أي تصريحات إلا ما سيعلن عبر الأطر الرسمية وهي معروفة للجميع، كما أن المعطيات حتى اليوم غير مبشرة، فما زال السعودي يراوح في التفاصيل الهامشية، والشيطان يكمن فيها كما يقال.

قد يعجبك ايضا