لم يأمرنا اللهُ سبحانه وتعالى بالتعاونِ على البر والتقوى إلا لما فيه من الخيرِ العظيمِ والفضلِ العميم، الذي يعود على الأمةِ بالظفر والفلاح والصلاح والنجاح.. ويتحقق فيها قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس).. فتعود لها الخيرية كما كانت في السابق، وهذا لن يَتأتى إلا بالتعاون الشعبي الجماعي، لأن التعاونَ الفردي ثمرتُهُ محدودة، غيرَ واسعةٍ ولا ممدودة..
والعجيب أن الشعوبَ الأجنبيةَ، التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، قد اهتمت بالتعاون الشعبي، حتى وصلت إلى أوجِ تطورها في جميع مجالاتها، وتطورت في مستوى حالاتها.. بل ونجحت – نوعاً ما – في التعاون على الإثم والعدوان، وإفساد الكثير من شعوب بعض البلدان. وكانَ لأمّتِنا الإسلاميةِ النصيبُ الأكبرُ من هذا الاستهداف والفساد.
لقد ضربوها في علمها، ولعبوا بتاريخها، وشككوها في دينها، وأبعدوها عن قرآنها، ونهبوا تراثها، وأفسدوا شبابَها، واستعمروا أرضَها، وأكلوا خيراتها، وصادروا ثرواتها.
ولهذا أصبحت الأمةُ في ذيلِ القافلةِ، ضعيفةً خانعةً، لم تعمل بمنهج ربها العظيم، ولم تَسِرْ على صراطه المستقيم.
هذا هو حالُ الأمةِ، رغم أنها تمتلك الثروات الكبيرة، والخيرات الخطيرة، وأبناؤها يصل عددهم إلى أكثر من مليار نسمة، وفوق كل هذا لديها الهدى الإلهي (القرآن الكريم)، الذي فيه الرؤيا الشاملة لجميع ما يفيدها ويوقظها من سباتها، ويرفعها إلى أرقى مستوى حياتها، فتكون أمة ظاهرة على جميع الأمم.
إن مشكلةَ أبناءِ هذه الأمة أنهم ابتعدوا عن كتاب الله، ليس هذا فحسب، بل إنهم عملوا عكس ما أمرهم، فقد دعاهم إلى العلم، لكنهم قعدوا عنه،
دعاهم إلى إعداد القوة للأعداء، فناموا وتكاسلوا،
دعاهم إلى الحكم بالعدل، فأخذ يظلم بعضهم بعضا،
دعاهم إلى محاربة نفوذ الكافرين، فمال بعضهم إلى مواطأتهم ومودتهم وموالاتهم، دعاهم إلى كل خُلق كريم، فمالوا إلى كل خلق لئيم، دعاهم إلى استثمار الأرض، فتهاونوا.. وكم دعاهم، ولكن (لا حياة لمن تنادي).
إذاً، لن ترتقي هذه الأمة إلى أوج حضارتها إلا بتصحيح مسارها، وذلك بأن تترسخ فيها هويتها الإيمانية الجامعة، ويتم تعزيز الأخوة الدينية بين أبنائها، وتفعيل كل عوامل الوحدة، عبر التعاون على البر والتقوى في جميع المجالات، وتجعل القرآن منهجها القويم في جميع شؤون حياتها، ففيه صلاح أمرها في معاشها ومعادها.
وأما التعاون بالبر والتقوى على مستوى الشعب اليمني، الذي يُعَدُّ من أعظم الشعوب تمسكاً بهويته ودينه، وقد تجلى ذلك من خلال صموده ضد أعدائه طيلة ثمان سنوات، ناهيك عن التكافل والتعاون الذي ساد بين أبنائه.
ومع ذلك، لابد للشعب اليمني من تعزيز هذا التعاون، وتوسيع دائرته، حتى تكون ثمرتُهُ أعمقَ وأعظم، فإذا اتسعت لدى هذا الشعب دائرة التعاون على البر والتقوى، وأزالوا من قلوبهم الأنانيات والأهواء، فإنه قطعاً سوف يثمر هذا التعاون في جميع المجالات، لا سيما في النهوض الاقتصادي، وسوف يتم تشغيل الكثير من الأيادي، وسينتصر عسكرياً على الأعادي، وسينهض زراعياً وصناعياً، ويتحسن وضعه المعيشي والمادي، ولن يستطيع أعداؤه أن يهيمنوا عليه أو يكونوا أوصياء عليه، كما كان في الزمن الماضي،
وإن شاءالله بالتعاون على البر والتقوى سوف يتحقق ما نتمناه ونهوى.