أ.د / فؤاد الصلاحي –
وفقا لطبيعة المسار الراهن سياسيا وتداعياته عبر مظاهر الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية فان عمليات التنمية وبرامجها في توسيع فرص العمل والإنتاج لا يمكن أن تتحقق وتؤتي ثمارها مالم يكن هناك توافق مجتمعي وسياسي يترتب عليه حالة من الاستقرار العام هنا تظهر عملية الشراكة وتتبلور في مشاريع وبرامج فعالة تصب في خدمة المجتمع. ونظرا لحجم التحديات التنموية التي تعاني منها بلادنا في إطار معدلات سكانية عالية وتزايد الفقر والبطالة وتدفق آلاف الشباب إلى سوق العمل من مختلف الشرائح الاجتماعية فان الجامعات اليمنية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت آخر بتفعيل دورها العلمي والثقافي والفكري من اجل قضايا المجتمع ووضع الحلول والمعالجات لمختلف المشكلات والظواهر التي تتطلب من الجامعات الاهتمام بها . فلا يمكن للجامعات أن تبقى محصورة بين أسوارها ويبقى الأساتذة في فصولهم. فالجامعات هي اكبر بيوت الخبرة الاستشارية التي تقدمها للحكومة وللقطاع الخاص ومعامل الجامعة وبحوثها وأساتذتها قادرون على تقديم المعرفة العلمية لكل من يتعامل مع الجامعة ويعرض عليها مشاكله أو تطلعاته في سبيل تطور اقتصادي وسياسي واجتماعي .
ومن جانبها لا يجوز أن تبقى الجامعات دون أن تبادر بالشراكة مع الآخرين وعرض ما لديها من أبحاث ودراسات وما تخطط له من برامج ومشاريع يمكن للآخرين مشاركتها والعمل معها . ونحن نعلم أن الحكومات في بلادنا تتجاهل الجامعات وتهمل دورها لأنها لاتعتمد العلم في صناعة السياسات ولا الفكر والثقافة كمشروع سياسي والقطاع الخاص يبحث عن خبراء من الخارج الإقليمي والدولي وتبقى الجامعات في وظيفتها التقليدية ضمن النشاط الصفي كتعبير عن مدارس كبيرة في صورتها غير الإبداعية.
وواقعنا اليوم وفق المشهد السياسي المتحرك تتأكد فيه أهمية العوامل الموضوعية والذاتية للشراكة كمنهج وكعملية في إطار واقع يعاني من تزايد الإشكالات وتعقد الأزمات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ومع ثورات الربيع وتطلع الشباب نحو التخفيف من حدة الأزمات وبداية مسار تنموي ينعكس سريعا في فرص التشغيل وتحسين معيشة غالبية المجتمع لابد من اعتماد رؤى تنموية ذات بعد استراتيجي تتضمن تجديدا في أدوار الدولة ووظائفها تحقيقا لتوسيع فرص الشراكة مع أطراف يمكنها أن تلعب أدوارا هامة في العملية الإنمائية بشكل مباشر . والجامعات والقطاع الخاص في صدارة المؤسسات والقوى التي تستطيع ان تسهم في دعم مسارات التنمية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
واقع التعليم الجامعي في اليمن
برؤية موجزة لم يعد خافيا على أحد وضع التعليم الجامعي وأزماته المتعددة في الإدارة وفي المنهج وعلاقاته بمحيطه المجتمعي وضعف تواصله مع المحيط العلمي إقليميا وعربيا .وبالرغم من تعدد الجامعات وتزايد إعداد الطلاب –وهو أمر ايجابي- إلا أن منهج التعليم وأساليبه وطرق التدريس وضعف المكتبات كلها معوقات لا تمنح التعليم الجامعي ميزة تنافسية ولا سمة ايجابية .وإذا كانت الجامعات الحكومية قد تناثرت في كل المدن وفق رغبة شعبوية لدى النظام فان الجامعات الخاصة قد تناثرت بدورها وفقا لمنطق الربح فقط وحملت معها كل مظاهر الأزمات فلا جامعة واحدة فيها مكتملة أو ينطبق عليها وصف كونها جامعة بكل ما تتضمنه من المبنى وهيئة التدريس ونوعية المنهج والمكتبات والمعامل .
ومن هنا تبرز مظاهر الأزمة الشاملة في التعليم الجامعي بمعرفة الحكومة ودورها في تجاهل الإشراف والتنظيم وفي تجاهل مطالب هيئة التدريس وحتى مطالب الطلاب أنفسهم . فالتعليم العالي في اليمن يلبي حاجة المجتمع من حيث الإقبال على كلياته المتنوعة وتزايد أعداد الطلاب والطالبات لكنه لا يكسبهم مهارات ومعارف جديدة ولا يكسبهم خبرات ميدانية – تطبيقية – ولأن الجامعات لا تجدد في مضمون المقررات الدراسية (المناهج) ولا في طرق التدريس وأساليبها ولا تتضمن أنشطة ثقافية عامة (ندوات ومحاضرات شهرية للطلاب ) ولا أنشطة رياضية أو فنية وموسيقية وهي جملة الأنشطة الإبداعية الملازمة لمسار التعليم والمكملة له.
ومع ذلك فهناك عناصر قوة في التعليم الجامعي تتمثل في تعدد وتنوع هيئة التدريس حسب مجالات التخصص وحسب الجامعات والمدارس الفكرية التي تعلموا فيها واكتسبوا من خلالها معارفهم وثقافتهم والتزايد المستمر للإقبال على الجامعات من الطلاب حاجة المجتمع إلى مؤهلين ومتخصصين من خريجي الجامعات خاصة مع استمرار الأمية في المجتمع وضعف مهارات الموظفين ومعارفهم تبقي الجامعات مؤسسات تعليمية مهمة في المجتمع. ويمكن بإعادة النظر في الكثير من أساليبها ومقرراتها وبالشراكة مع الجهات المستفيدة من مخرجاتها مثل القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية أن تكون أكثر فاعلية وحضورا وقدرة على رفد محيطها بخريجين ذوي مهارات ومعارف عالية تتطابق مع احتياجات سوق العمل من ناحية ومع تأهيل الشخصية للمواطن اليمني –الشاب الجامعي- ليكون فاعلا ومشاركا وناضجا من خلال ما يكتسبه خلال سنوات الدراسة .
والجامعة أيضا تستطيع أن تكون فاعلة في رسالتها التنويرية ليس ضمن أسوارها وداخل قاعات الدرس للطلاب بل وخارج أسوارها في عموم المجتمع من خلال مشاركاتها في المؤتمرات والندوات المتخصصة والمتنوعة ومن خلال حضور الأكاديميين في مختلف الفعاليات الرسمية والأهلية ومن خلال مطبوعات الجامعات من المجلات والكتب ومواقعها الالكترونية . ومن هنا تأتي أهمية الشراكة بين الجامعات والمؤسسات الحكومية عامة ووزارة التعليم العالي خاصة والقطاع الخاص بمختلف مؤسساته الإنتاجية .
مفهوم الشراكة
الشراكة كمفهوم: يتضمن وعيا جديدا لدى الدولة والمجتمع بعدم انفراد الدولة في عملية التنمية الشاملة وبأهمية المشاركة المجتمعية من خلال أساليب متعددة ومتنوعة . هنا يأتي مفهوم الشراكة ليبلور عمليا تضامن الجهود الرسمية والأهلية. فالمشاركة المجتمعية تجسد مبادئ التعاون والتضامن في إطار رؤية سياسية وتنموية جديدة تستهدف تفعيل وعى المواطن ونشاطه لتحسين معيشته وضمان سلامة البيئة المحيطة به ووفقا لذلك تكون الشراكة المجتمعية في تعزيز حقوق الإنسان أو مكافحة الفساد والشراكة مع الجامعات ضمن رؤية استراتيجية تعتمدها الدولة ويشارك في إعدادها وتنفيذها المجتمع من خلال أطره التنظيمية المختلفة .
الشراكة كمنهج : تتضمن اعتماد حزمة من الإجراءات العملانية (آليات ميكانزمات مؤشرات كمية ونوعية ) نقيس من خلالها تحقق المشاركة الشعبية وفق اطر مؤسسية حديثة (جمعيات منظمات نقابات مجالس محلية..) ويعني ذلك العمل من خلال واحد أو أكثر من أساليب متعددة لإشراك أفراد المجتمع في استراتيجية ومؤسساته المختلفة ومنها الجامعات. وهنا تكون الشراكة المجتمعية آلية هامة في استدامة العمل السياسي والحقوقي والإنمائي الداعم لبناء الدولة المدنية والحكم الرشيد .
الشراكة كعملية :(تهدف إلى توسيع الخيارات أمام المجتمع)تتضمن مجموعة السياسات والإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لتمكين أفراد المجتمع من المساهمة في وضع الآليات على المستويين المحلي والوطني من اجل رسم السياسات الإنمائية والحقوقية .. هذا يعنى خروج الأفراد من حالة السلبية والتلقي إلى حالة المشاركة والفاعلية. وهنا تكون العملية المجتمعية دفاعا عن حقوقهم السياسية والإنمائية وليس مجرد التصدي لأعمال الفساد أو الانتهاكات والخروج عن القانون.
بشكل عام يمكننا القول الشراكة (كمفهوم كعملية كمنهج) تعتبر حزمة متكاملة تتضمن عددا من الآليات والأساليب والإجراءات والأطر أو القنوات المؤسسية التي يتم من خلالها تفعيل المشاركة المجتمعية في مختلف عمليات التنمية الشاملة. وللوعي بهذه العملية لابد من نشر وتعميم مفهومها ودلالاتها. أي العمل على إكساب الأفراد والجماعات (رجال/نساء) وعيا تنمويا وسياسيا جديدا يتضمن طرائق وأساليب مبتكرة تفعل قدراتهم الجمعية والفردية من اجل تنمية مجتمعهم وتحسين معيشتهم وتعزيز حقوقهم وحرياتهم . هنا تبرز شخصية الأفراد والجماعات حيث يتجاوزون ثقافة الخنوع والسلبية والتواكل إلى ثقافة العمل والإنتاج والإصرار على تحقيق الذات وتمكين أنفسهم من التعبير عن حرياتهم وحقوقهم. وهنا يكتسبن طرق وأساليب جديدة من اجل تنمية مجتمعهم وتحسين معيشتهم وتعزيز حقوقهم بل وتعزيز وجودهم الاجتماعي بوعي يبيلور حضورهم المادي والمعنوي وبالتالي تتزايد قدراتهم الجمعية في العمل السياسي والتنموي المفيد لهم. في هذا السياق تكمن أهم الشراكة بين الجهود الأهلية والرسمية كعملية ومنهج في استدامة التنمية وبناء الدولة المدنية وترسيخ التحول الديمقراطي وتعزيز الحقوق والحريات.
والشراكة بين الجامعات والحكومة والقطاع الخاص تتضمن مزيدا من التقارب والحوار بين هذه الأطراف للربط بين مدخلات التعليم الجامعي ومخرجاته من اجل تفعيل مسارات مجتمعية وعامة وإنتاجية خاصة ومن اجل تفعيل دور الجامعات . ومن ثم نقل خبرات الجامعات ومعارفها نحو المجتمع وفق رؤى واستراتيجيات مدروسة ومتفق عليها مسبقا . ولان قضايا التطور السياسي والاقتصادي في بلادنا تتطلب شراكة مجتمعية واسعة فمن الأهمية بمكان أن تكون الجامعات في صدارة المؤسسات التعليمية التي تمد المجتمع والحكومة بخبراتها من الكوادر النوعية في رسم السياسات وفي التطبيق العلمي ضمن تخصصات إنتاجية متنوعة ومتعددة والأمر ذاته في مد الجسور بين الجامعات والقطاع الخاص بمختلف مؤسساته الإنتاجية.
ركائز خمس للشراكة بين الجامعات ووزارة التعليم العالي والقطاع الخاص
• الإقرار الرسمي من الحكومة ووزارة التعليم العالي والقطاع الخاص بأهمية الشراكة كعملية ومنهج مع الجامعات الحكومية (والخاصة ايضا) من اجل تعزيز الاستفادة من مخرجات التعليم الجامعي ومن الاستفادة من كوادر الجامعات من هيئة التدريس .
• تيسير حصول الجامعات على المعلومات والبيانات المتعلقة بمجالات الشراكة ومجالات العمل المطلوب المساهمة فيها وفق رؤى واستراتيجيات يتم إعدادها مسبقا وتكون الجامعات مشاركة فيها .
• بناء منظومة من الإجراءات والآليات اللازمة لتحقيق الشراكة عملانيا من خلال حوارات ولقاءات منتظمة وفيق جداول مسبقة ومجالات عمل ومهام محددة لكل طرف من الأطراف الثلاثة .
• تكثيف الجهود التوعوية بأهمية دور الجامعات في خدمة المجتمع وفي الاستفادة من كواردها المؤهلة ومخرجاتها من الطلاب مما يعزز من حضور الجامعات وتقبل لدورها في المؤسسات الرسمية والخاصة.
• الشراكة تعمل على تعزيز المسؤولية المجتمعية لكل الأطراف الفاعلة ومنها الجامعات والوزارات والمؤسسات الخاصة تجاه تنمية المجتمع والمساهمة كل من زاويته في هذا المسار بكل مظاهره سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتعليميا .
الدلالات العامة لاعتماد الشراكة مع الجامعات :
• خلق وعي مجتمعي بأهمية تعزيز الشراكة مع الجامعات في مختلف قضايا المجتمع ومجالاته العلمية والإنتاجية واعتبار الجامعات ليست مؤسسات منغلقة على ذاتها بل منفتحة على عموم المجتمع بمؤسساته الرسمية والخاصة والأهلية. وهنا تتكامل الأدوار بين الجامعات ومؤسسات العمل والإنتاج ومؤسسات الثقافة والتنمية في المجتمع .
• الشراكة تعبير واع عن حق المجتمع في الاستفادة من مخرجات التعليم الجامعي ومن كوادر الجامعات باعتبارها – أي الجامعات- أهم بيوت خبرة تقدم معارف ومهارات وعلوما يحتاج إليها المجتمع .
• الشراكة تنمي القدرات الإيجابية بين الأطراف المتعاونة ذات التنسيق في مختلف المجالات وتعزز من الحضور الإيجابي لهذه الأطراف وتقبل كل منها للآخر .
• الشراكة تنمي في المجتمع عامة قيم العمل الجماعي والوعي المشترك بأهمية تضامن المؤسسات المختلفة وأهمية التنسيق بينها فلا يمكن أن يستمر عمل هذه الأطراف بمعزل عن بعضها البعض .
• الشراكة بين هذه الأطراف وغيرها تجعل منها أطرافا تعي مسؤولياتها المجتمعية والتنموية والسياسية من خلال أدوارها الفاعلة كل من زاويته ومع بعضها مما يخلق في أوساط المجتمع ثقافة الشراكة والتنسيق والعمل الجمعي .
• لأن التنمية في بلادنا عملية مجتمعية فالشراكة بين الجامعات والمؤسسات الخاصة والرسمية تسهم إسهاما كبيرا في بلورة معاني ودلالات العمل الجمعي وصنع السياسات والخطط والبرامج ناهيك عن المساهمة في المجالات التطبيقية. والشراكة مطلوبة بين الجامعات ومختلف مؤسسات المجتمع من منظمات المجتمع المدني والأحزاب ومع مؤسسات إنتاجية إضافة إلى الشراكة مع مختلف المؤسسات الحكومية والمصالح والهيئات الرسمية .
لماذا الشراكة مع الجامعات..¿
لابد من الإشارة إلى أن وزارة التعليم العالي لم تقم بدورها الحقيقي كجهة منسقة ومشرفة على مختلف الجامعات فهي تفتقر للرؤية المحددة لعملها فلا تمتلك الوزارة أي مشروع أو خطة أو برنامجا عاما يتضمن ممكنات لعمل شراكة مع مختلف الجامعات . بل إن الوزارة تفتقد لفهم وظيفتها ودورها الأساسي وتحولت إلى مكان للمعاملات الروتينية وفق تعقيدات لا محدودة يتم اصطناعها أمام الطلاب وهيئة التدريس. وهي تفتقد للكوادر التي تمكنها من القيام بمهامها وأدوارها المحددة سلفا بقانون إنشائها ناهيك عن عدم قدراتها تجديد مهامها ووظائفها وفق متغيرات محلية وعالمية .
ولم نسمع للوزارة أو نرى أي مبادرة ايجابية في مجال التعليم الجامعي أو غيرها منذ نشأتها .ومع ذلك فدعوتنا للشراكة تقتضي الدعوة لتجديد مهام ووظائف الوزارة بأن تكون جهة تنسيقية فاعلة لديها رؤى وبرامج تضعها باستمرار للنقاش مع الجامعات وهيئاتها التدريسية وان تكون واجهة للجامعات تعبر عنها وتمثلها لا أن تكون عائقا أمامها وتكبح مسارات تطور العملية التعليمية .
والشراكة مطلوبة خاصة في هذه المرحلة التي تمر بها بلادنا انطلاقا من ظروف سياسية واقتصادية بل وتنموية عامة تستطيع الجامعات أن ترفد المجتمع والحكومة بكل خبراتها ومعارفها وفق خطط وبرامج متفق عليها كما تستطيع الجامعات والحكومة أن تعتمد منهج الشراكة مع القطاع الخاص ومؤسساته الإنتاجية المختلفة .
وبدلا من الاتجاه الحكومي والخاص نحو الوافد من الخبراء وبيوت الخبرة تكون الجامعات الحكومية في طليعة من يقدم الخبرات والكوادر والمعرفة باعتبارها بيت خبرة وطنية تقدم ما لديها علميا ومهاراتيا ومعرفيا وتعزز علاقات التنسيق والتعاون باستمرار مما يخلق مزيدا من العمل الجمعي في بلادنا .
والشراكة مطلوبة لتفعيل دور الجامعة داخل محيطها ولا تكتفي بمخرجاتها من الطلاب والتأهيل العلمي الذي يكتسبونه داخل أسوارها بل لابد وان يمتد نشاط الجامعات ثقافيا وتنويريا ومعرفيا من خلال حضورها من خلال هيئة التدريس كمستشارين فاعلين في مختلف المؤسسات الإنتاجية والمؤسسات الخدمية ناهيك عن حضور الجامعات في صناعة السياسات العامة للدولة.
والشراكة طالما وأقرتها الدولة والحكومة اليمنية مع المانحين إقليميا ودوليا ومع المجتمع المحلي والمنظمات المدنية والأفراد محليا فالجامعات لابد وان تكون في طليعة المؤسسات المحلية حضورا في مختلف مجالات التنسيق ضمن اتفاقات ثنائية وثلاثية ووفق خطط وبرامج محددة تسهم بها من خلال كوادرها ومخرجاتها وخبراتها العلمية ولابد وان تتغير وفقا لذلك منظومة الإجراءات المتبعة من خلال تأسيس فرق عمل منتظمة واعتماد تقارير دورية ترصد كل مجالات الشراكة وعمل الفرق واللجان الخاصة أولا بأول .
ومثلما تحتاج الجامعات إلى مساهمة القطاع الخاص في التمويل للأنشطة الجامعية في المعامل والمكتبات والأبحاث وحتى أنشطة الطلاب فالجامعات تزود القطاع الخاص بخبراتها ومعارفها وبالدراسات والأبحاث التي تتحول إلى مجالات عمل تطبيقية في المؤسسات الصناعية والمشاريع الزراعية بل والإدارية المتعددة .
المنظور السوسيولوجي للشراكة
في إطار المراجعات للفكر التنموي كان أهم نقطة تم استيعابها اعتماد مفهوم التنمية الشاملة اقتصاديا واجتماعيا الذي تطور فيما بعد ليكون مفهوم التنمية المستدامة sustainable development والذي أصبح معترفا به من الأمم المتحدة ومختلف المنظمات المالية والاقتصادية العالمية وأصبح مدرجا في نظريات التنمية ومجالات التناول الأكاديمي في مختلف مؤسسات البحث العلمي. وهذا المفهوم يتطلب ويرتكز في احد مكوناته على مفهوم الشراكة المجتمعية تأكيدا لصعوبة انفراد طرف سياسي أو مجتمعي بالعملية التنموية وعليه تكون الشراكة منهجا وأسلوب عمل محل إجماع ولابد من وضع الخطط والبرامج التي تحول الشراكة إلى واقع عملي ضمن أدوات تنسيق مختلفة ومتعددة .
فكما أن الشراكة مطلوبة مع الخارج الإقليمي والدولي خاصة المانحين والخبرات الفردية والمؤسسية فلابد وان تكون الشراكة مع ذات المؤسسات محليا وهنا يكون الشركاء الثلاثة (الجامعات القطاع الخاص الحكومة) مرتكزا أساسيا لتعميم المفهوم بين مختلف المؤسسات الإدارية والإنتاجية والخدمية وتعميم فكرة أهمية أن تكون الجامعات طرفا أساسيا في الشراكة لتعزز حضورها العلمي والمعرفي وتفعيل دورها التنموي والسياسي .
ولأن مشاكل اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتطلب رؤى علمية ودراسات وأبحاثا فيعني ذلك أن مجمل السياسات يجب أن تعتمد على منطق العلم وتحليلاته ومخرجاته وهنا مجال تميز الدول المتطورة بأن أخضعت كل سياساتها وبرامجها لمنطق العلم .وكان التعليم ذا أولوية في اهتمامها وكانت مراكز الأبحاث والجامعات في صدارة الاهتمامات الحكومية والمجتمعية وتدفقت إليها مصادر التمويل من أجل أن تنتج وتعمل ويكون البحث العلمي والأستاذ الأكاديمي في محل اهتمام باعتبارهما معا مكونين للتنمية فالأستاذ منتج المعرفة والأبحاث وهذه الأخيرة حصيلة تجارب ودراسات ميدانية ورؤى ومقاربات تستلهم احدث التطورات النظرية والمنهجية التي توجه لخدمة المجتمع كما لخدمة العلم ذاته في مزيد من تطور مفاهيمه ونظرياته وأدواته واكتشافاته .
وهنا لا فرق بين العلوم التطبيقية والاجتماعية فكلاهما معا ذات أهمية قصوى في تطور الدولة والمجتمع ولم تنهض الدول الغربية والصناعية إلا بالاهتمام بالعلوم الاجتماعية والتطبيقية في آن واحد. وهو الأمر الغائب في بلادنا فهناك بؤس في الإدارة التعليمية وصناعة السياسات وهناك وعي زائف لدى الحكومة والإدارة الجامعية يتجلى من خلال القول بأولوية العلوم التطبيقية على العلوم الاجتماعية وهو قول مردود عليه ويعبر عن عقلية استهلاكية لا تفهم حقيقة علوم الإدارة والتربية والاجتماع والاقتصاد وكلها تخصصات بلادنا في مسيس الحاجة إلى مخرجاتها العلمية والمعرفية .
فالمشكلة في بلادنا ليست أدوات وتقنيات ومعدات بل المشكلة في تغيير العقل الفردي والجمعي وإكساب الناس رؤى ومفاهيم وثقافة تعزز اتجاههم نحو المدنية والمواطنة والإنتاج والعمل والإبداع وتخلق مواطنا مشاركا وايجابيا وهنا جوهر رسالة الجامعة باعتبارها اكبر مؤسسات المجتمع المدني ذات رسالة تنويرية وتنموية لابد وان تكون قيادات الجامعات والحكومة على إدراك ووعي كاملين بها .
إن غياب الشراكة المجتمعية عامة والشراكة النوعية لمؤسسات فاعلة كالجامعات شكل السياق الذاتي والموضوعي لظاهرة الاحتجاجات الشعبية إضافة إلى مطالبها بالتغيير في إدارة الدولة وتوجهها الإنمائي نحو قضايا المجتمع وهنا تتجلى قيم التوافق الاجتماعي وآلياتها في تجسير العلاقة بين قضايا التنمية وقضايا الديمقراطية بين السياسة والاقتصاد والمجتمع.. وهنا تكون الشراكة واحدة من أهم آليات التوافق المجتمعي والسياسي وواحدة من أهم آليات النهوض بالعمل العام ودعم برامج التنمية . فلا تستطيع الجامعات أن تكون فاعلة ومنتجة للأبحاث والدراسات إلا بالتواصل مع محيطها السياسي والاجتماعي بكل مكوناته .ومن هنا تبرز أهمية هذا المنظور في تحديد أهمية الشراكة ودلالاتها وفق المبررات التالية :
• الجامعات تعتبر كبرى مؤسسات المجتمع المدني تنتج المعرفة والعلم والأبحاث والدراسات وتنشره ليكون في متناول المجتمع ومؤسساته الرسمية والخاصة والأهلية وتسهم في تنوير المجتمع وخلق ثقافة عقلانية. وهي – أي الجامعات – مؤسسات لتعلم التفكير السياسي ونظرياته وتعلم الديمقراطية وأدوات عملها وفلسفتها ومنها ومن خلالها يتم نشر الوعي السياسي والحقوقي بين أفراد المجتمع . وهنا يتعزز الخطاب الأكاديمي موجها رسالته للمجتمع بأهمية إعادة الاعتبار للدولة المدنية التي تعتمد خططا وبرامج مدروسة في تنمية المجتمع وتحقيق التطور الاقتصادي .
• تعمل الجامعات في حال اعتماد الشراكة معها على عقلنة وترشيد السياسات الحكومية وفق اعتماد خطاب علمي موضوعي تجاه مختلف قضايا المجتمع وأزماته. فمشكلاتنا وأزماتنا السياسية والاقتصادية لا تحلها صفقات الأحزاب ولا نزقها وجهل مراكز القوى بل الخطاب العلمي العقلاني هو منهج المعالجات كما هو في تحليل ودراسات أسباب تلك الأزمات ومشكلاتها .
• تسهم الجامعات في الشأن السياسي والاجتماعي بصورة مباشرة وغير مباشرة من خلال الدور البنيوي لها كمؤسسات تنويرية وعلمية فخبراتها وخبراؤها يجب أن يكونوا حاضرين في برامج الإصلاح السياسي الشامل وإعادة البناء للدولة واعتماد برامج للتطور الاقتصادي .
• التنمية بمجالاتها السياسية والاقتصادية لا تكون قابلة للاستدامة إلا عندما يكون المجتمع برمته مسؤولا عن توفير شروطها ومشاركا في وضع الأهداف والخطط وفى تنفيذها. وهنا تكون الجامعات في صدارة مؤسسات المجتمع ولابد من الإدراك والوعي لدى هيئة التدريس وقيادات الجامعات بأهمية أن يكون لجامعاتهم صوت مسموع في تشكيل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشون فيها.
• لابد من وجود استراتيجية خاصة بالشراكة التي ندعو إليها بين الجامعات والحكومة والقطاع الخاص وأن تقدم وزارة التعليم العالي والحكومة معا استجابة لمنطق الشراكة وتدعمه في القوانين والإجراءات اللازمة ناهيك عن مصادر التمويل وأن تكون استراتيجية الشراكة معبرة عن حاجات المجتمع وقضاياه الأساسية وليس مجرد برامج تتحول إلى احتفالات كرنفالية.
> استاذ علم الاجتماع السياسي