لم تنته الوساطة العمانية بعد، ولا يمكن نعيها، وطوال السنوات الماضية لم تتوقف الوساطات من قبل مسقط، لكن المؤشرات تبين أن خللًا حصل في الجهود الأخيرة لتجديد الهدنة بين صنعاء والرياض، سببه عدم قدرة السعودية على الوفاء بما تلتزم، ناهيك عن محاولة إدخال تعديلات ربما تكون جوهرية على بعض التفاهمات.
مرد عدم قدرة السعودية على الوفاء بما تلتزم، وتراجعها عن بعض ما وافقت عليه من شروط طرحتها صنعاء، يعود إلى ضغوطات أمريكية وبريطانية، بحسب ما يصرح اليمنيون وتؤكده مصادر متعددة.
في خطابه الأخير – في ذكرى استشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي – وجه السيد عبد الملك إنذارًا ونصحًا لدول العدوان، مفاده أن صبر صنعاء سوف ينفد ما لم يبادروا إلى التفاهم الجاد والعملي في الملف الإنساني والمعيشي. وقال إن صنعاء لن تقبل بحرمان شعبها من ثروته الوطنية في الاستحقاقات المتعلقة بالمرتبات والخدمات العامة، متوعدًا بالعودة إلى خيارات وصفها بالضاغطة، مع نفاد الوقت.
سبق خطاب السيد عبد الملك، تصريح لنائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق الركن جلال الرويشان، الذي قال فيه إن الملف الإنساني استحقاق شعبي لا علاقة له بالتفاوض العسكري، كاشفًا عن أن «المجتمع الدولي لا يزال يستخدم الملف كورقة تفاوضية حتى الآن».. وأكد أن صنعاء لم تلمس جدية واضحة في فصل الموقف السعودي عن الرغبة الأمريكية، معتبرًا أن «هذه المراوحة لن تؤدي إلى نتيجة».
التصريحات اليمنية من السيد عبد الملك وما سبقها، تؤكد أن عوائق استجدت في طريق التوصل إلى تفاهمات مع الرياض، تتحمل الأخيرة جزءًا منها، لكن الجزء الأكبر يقع على عاتق واشنطن، التي تبني حساباتها في اليمن وفق مصالحها الاستراتيجية ورؤيتها، وهو ما يمنع السعوديين أيضًا من تخطي الخطوط التي ترسم في واشنطن.
لا يمكن الجزم بأن السعودية تجنح كليًا نحو وقف العدوان، هي تمارس شيئًا من المناورة في مختلف الملفات في المنطقة.. يلمس ذلك من خلال مواقفها في ما يتعلق بسوريا والقضية الفلسطينية.
تؤكد مؤشرات عدة أن صنعاء تتصرف بمستوى عال من المسؤولية وهي جادة في خطواتها سواء لجهة إصرارها على تفاوض يفضي إلى فصل الملف الإنساني عن السياسي، أو لجهة استخدام القوة لتحصيل الحقوق، مهما كان الثمن، ومن خلال متابعة مجريات الأمور ثمة فرصة لرفع اليد يمنيًا، وهي تحولات تجري في الإقليم نتيجة الأزمة في أوكرانيا، حيث تحتاج واشنطن إلى بعض الهدوء لتوظيف بعض إمكانياتها في الصراع الذي تديره ضد موسكو.
لا يمكن الحسم بأن هذه الجولة من التفاوض انتهت، لكن الأكيد أن في صنعاء من وضع خيارات ضاغطة على الطاولة، لا تشبه سابقاتها، وقد تذهب باتجاهات أبعد من العمقين السعودي والإماراتي، تحديدًا باتجاه مناطق «نفوذ» تشكل ضغطًا مباشرًا على الأمريكيين باعتبارهم رأس من يعرقل التفاوض، وهو ما يمكن أن ينسحب على البريطانيين الذين لا يمكن تبرئتهم أيضًا، ويمكن النظر إلى تصرفات سفيرهم وتصريحاته التي تبين أن جزءًا هامًا من إدارة الحصار على اليمن مناط بلندن.
من المتوقع أن تأخذ الأمور بعض الوقت كي يتبين الخيط الأسود من الأبيض، خاصة في هذه المرحلة التي لا تنفع فيها التمريرات الرمادية.
وعليه، يمكن القول إن ما بعد نصح السيد عبد الملك سيختلف عما قبله، وإن التلويح بالقوة قد يؤدي بعض الغرض لتبيان مسار الأمور، وسحب ورقة الابتزاز الإنساني من قبل دول العدوان، وإلا فإن الأوضاع ذاهبة نحو جولة تصعيد ربما قد يصعب ضبطها بسهولة، لاعتبار أن صنعاء، ما إن بدأ التصعيد، فلن توقفه دون توقيع تفاهم فيه مصلحة شعبها.. وللحديث الآخر تتمة.