في أبريل من العام الفائت جرى في إحدى قاعات العاصمة السعودية الرياض إذاعة بيان صاغته السعودية يقضي بتنصيب المرتزق رشاد العليمي كرئيس على اليمنيين بالتفويض، بدلاً عن المرتزق الفار هادي، حينها قالت مملكة العدوان السعودية «إن العليمي أصبح رئيساً على اليمن، بموجب تفويض صادر من الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي».
في مسرحية «الزعيم» لعادل إمام «زينهم» يقتحم أحمد راتب رجل المخابرات أو هكذا ظهر سطح منزل يسكن فيه «زينهم»، يعرض عليه وظيفة أن يكون زعيماً على البلاد، يشترط زينهم أن يكون ذلك مقابل كباب وكفتة، ثم يأخذه إلى القصر فيصبح زينهم زعيم الشعب والأمة والبلاد، الذي تهتف له الجماهير وتصفَّق.
زينهم مسرحية كوميدية رسخت في الوعي كبيراً، ولا يبدو أن مملكة العدوان السعودية حينما نصبت المرتزق العليمي بدلاً عن هادي قد عدّلت في رواية المسرحية نفسها، رئيس غير شرعي يفوض اختصاصاته إلى شخص آخر، تفويض بلا إرادة ولا اختيار من الرئيس غير الشرعي العميل المرتزق «هادي» الذي أُجبر قسراً وإكراهاً وبالصفع والركل والإخفاء لإمضاء التفويض، وبلا معرفة من الرئيس المنصَّب رشاد العليمي الذي سمع إذاعة البيان في القاعة دون سابق إنذار.
لا تصويت ولا استفتاء ولا اتفاق سياسي، ولا انتخابات صورية ولا تزوير انتخابي، ولا حتى انتقال وراثي كما تفعل ممالك الخليج في تنصيب ملوكها، بل وظيفة رئيس على اليمن اختارت السعودية فيها المرتزق رشاد العليمي الذي جيء به كغيره من المرتزقة وأعضاء مجلسه الحقير إلى القاعة تحت عنوان المشاورات ثم أصبح رئيساً بإذاعة بيان الاختتام حينها، مشهد سريالي مضحك، ومسرحية ساخرة جداً، لا أظن أن أحداً في العالم قد مر أو سمع بمثلها.
الإكليشات السعودية على اليمن كثيرة وعديدة وطويلة الزمن، يدعونا تنصيب المرتزق العليمي الذي ظهر أياماً ثم اختفى في الرياض إلى إطالة النظر في «الكليشهات» التي وضعتها السعودية لليمن طيلة عقود، والسؤال، من خول السعودية لتفرض على اليمنيين حكاماً ورؤساء؟
لا شيء، لكن الهمجية السعودية كسرت الصورة النمطية التي سادت في مراحل الكومنولث، في تنصيب الرؤساء للبلدان الخاضعة للاحتلال البريطاني، وتطورت كثيراً إلى هذا المشهد الفاضح.
قيل أن الجمهورية والديمقراطية هي حكم الشعب نفسه بنفسه، وقيل بأن الملكية هي حكم الفرد على الجماعة، لكن السعودية وضعت نظاماً لا جمهورياً ولا ملكياً، حكم السعودية على اليمن أو هكذا أرادت، والأمر بالنسبة لما حدث يتجاوز كل ذلك .
أرادت السعودية من مسرحيتها حل معضلتها في الحرب الإجرامية التي جعلت من الفار هادي رمزاً وعنواناً لها، وهذه نقطة سنتناولها لكن قبل ذلك نشير إلى الخلفيات التاريخية لهذه الفضيحة.
في العام 1978 م، نصَّبت السعودية علي عبدالله صالح بالأموال والتهديدات، لم يكن هناك يمني واحد مستعد لأن يوافق على صعود الشاويش كمحافظ لتعز فضلاً عن أن يكون الرئيس على اليمن، لكن السعودية مارست الترغيب والترهيب وكانت ترسل لأعضاء مجلس الشعب شنطة فيها فلوس ورصاصة، لم تكن مؤهلاته تمكنه من تولي إدارة شؤون محافظة، لكنه الشاويش الذي وقع عليه الاختيار السعودي لحكم اليمن.
حَكَمَ الشاويش علي عبدالله صالح اليمن وداسها بالحروب والاغتيالات والنهب وبيع الحدود ورهن القرار وجعلها في مهب الريح، قضى على المؤسسات ودمر الأخلاق وفتح الحدود للمخابرات والأمريكان ولكل أعداء البلاد.
خرج الشباب في فبراير 2011 إلى ساحات الثورة لإسقاط النظام المتسعود منذ زمن، لكن السعودية ضحَّت بالشاويش علي صالح لإبقاء نظامها، واختارت بديلاً عنه شخصاً آخر بمواصفات تشبه مواصفات ملوكها العجزة، ديكور جامد ورتيب وكئيب وبليد.
كان اليمنيون جميعاً يسمون هادي «المركوز» ويسمونه الفاضي ويعرفون أنه عبارة عن واجهة ديكورية لا تصلح حتى لتولي مهمة بواب مقيل، ومع ذلك ساقت الأحزاب والجماعات المرتهنة للسعودية كل جماهيرها لانتخاب الرجل رئيساً.
وفي 2012م، نصَّبت المنظومة نفسها بقيادة أمريكا والسعودية العاجز هادي بما فيه من السوء والعجز والضعة رئيساً على اليمنيين، وحشرت الأحزاب والجماعات جماهيرها إلى المدارس والمنشآت الحكومية لانتخابه وحيداً دون منافس بورقة كتب فيها «هل تختار عبدربه هادي رئيساً»
•نعم/
•وما فيش لا
وكأنه الزعيم النادر الذي لن نجد مثله لا في الأولين ولا في الآخرين!
كان من المفترض أن يكون هادي الموصوف بالمركوز والفاضي والديكور العاجز والرجل المعتوه مجرد رئيس مؤقت توافق أعداء اليمن على فرضه على اليمنيين رئيساً، ولمدة عامين انتهت في بداية 2014 م، ثم مددت رئاسته وبدون تصويت ولا انتخابات صورية من فبراير 2014م، لمدة عام إلى فبراير 2015.
وقبل فبراير وتحديداً في يناير 2015/م، قدَّم المرتزق هادي استقالته التي أصر على أنها نهائية، وفي نفس الوقت انتهت مدة رئاسته الانتقالية المخيطة بحمار من أولها ودون تجديد، وانتهت مشروعيته المشكوك والمطعون في وجودها ووجوده أصلاً!
وفي فبراير لذات العام فر هادي إلى عدن متنكراً في زي نسائي فأعلن بأنه ما يزال الرئيس على اليمنيين وقال إنه قد تراجع عن الاستقالة، وأنه قرر نقل عاصمة اليمنيين من صنعاء إلى عدن، ثم نقلها إلى الرياض، ونقل مجلس النواب والرئاسة والدولة كلها إلى عدن ثم الرياض لأجل الحفاظ على شرعيته المطعونة!
في 26 مارس 2015م، بدأت الطائرات تقصف اليمن بدعوى الاستجابة للدعوة التي وجهها الرئيس الشرعي-الذي انتخب بمهزلة هي الأغرب في التاريخ – ثم استقال وانتهت فترة رئاسته دون تمديد ، ثم فر من عاصمته واصطف ضد بلاده وشعبه- إلى ما أسمي تحالف دعم الشرعية ليشن الحرب على اليمنيين لإعادة شرعية هذا الرئيس الفار إلى صنعاء!
وهو قول ألحق بعد أيام من بدء الحرب العدوانية، أما هادي نفسه فقد اعترف بأنه لم يكن يعلم بعاصفة الحزم إلا خلال رحلة الهروب الطويلة التي كان يسلكها تلك الليلة، ومعناه أنه لم يوجه نداء إلا في قمة شرم الشيخ التي جاءت بعد أيام من انطلاق الحرب العدوانية على اليمن.
امتلاك هادي للشرعية اللازمة لدعوة قوات أجنبية إلى غزو واحتلال وتدمير اليمن من عدمها ادعاء فاقد لأساسه ومنطقيته، لكن مملكة العدوان السعودية وأمريكا وكل المجتمع الدولي جعل من هادي الرئيس الشرعي والمعترف به على اليمن، وكأنه كان يمتلك السلطة والشرعية اللازمة، وهكذا بدأ تحالف العدوان بقيادة أمريكا والسعودية بقصف وتدمير وقتل وخنق وحصار اليمن، وصار هادي وبقية المرتزقة الرئيس والحكومة المعترف بها دولياً، متجاوزين بذلك حق اليمنيين في ذلك!
للموضوع بقية..
حقائق عن تنصيب العملاء حُكَّاماً على اليمنيين