هذه مقولة تاريخية أثبت الزمن صحتها. فأي نظام في الأرض لا يقوم على العدل تكون نهايته مخزية. خذوها عبرة من تاريخ اليمن المعاصر، خلال الستين عاما الماضية؛ لم تستقر أوضاع اليمن؛ وعصابة تدق عصابة، حتى انتهوا إلى مزبلة التاريخ. ومن بقي منهم تحول إلى عميل، أو مرتزق يتاجر بشرفه، ويقدم خدمات للعدوان؛ ويخدم قوات والاحتلال بكل دناءة.
القضاء النزيه والمستقل هو الضمان الذي تقوم عليه العدالة والأنظمة العادلة.
فمنذ أن اغتصب عفاش السلطة في البلد في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، تم تعطيل القضاء بالكامل والدوس على العدالة؛ وتحول هذا القضاء إلى عصا في يد الحاكم يضرب بها من يريد من معارضيه.
تأمل الناس في الوحدة خيرا، لإصلاح جهاز العدالة في البلاد، وبناء دولة عادلة، فضاع ما كان قد تحقق من عدل في الجنوب.
ومنذ اليوم الأول لبدء الاغتيالات ضد الوحدويين الجنوبيين ابتداء بالدكتور أمين ناشر، ثم سعيد صالح؛ مرورا بالحريبي وأكثر من ١٥٦ كادرا اشتراكيا مغتالا، وصولا إلى الشهيد جار الله عمر؛ ضاعت الكثير من الدماء والحقوق، وتحول جهاز القضاء إلى أداة لطمس معالم الجريمة، وإنكار وقوعها. ووصل الأمر إلى محاولة اغتيال وزير العدل في دولة الوحدة عبدالواسع سلام، بل إن ما يشبه النظام في صنعاء تحول إلى عصابات قتل واغتيالات.
كل تلك الدماء التي سفكت ولم يكلف جهاز القضاء، بما فيه النيابة والشرطة فتح ملف للتحقيق في أي قضية، وحتى قضيتي الشهيدة لينا مصطفى عبدالخالق والشهيد جارالله عمر؛ كان التحقيق من أجل طمس معالم القضيتين، وتبرئة القتلة.
أكثر من ٢٤ متهما في قضية اغتيال جارالله عمر تم تهريبهم من الأمن والنيابة؛ بعضهم مكفول من قبل المدعو الزنداني، حتى التحقيقات تم بترها من قبل النيابة، وتولى جهاز الأمن السياسي التحقيق مع القاتل لإخفاء معالم الجريمة، والتستر على الفاعلين الحقيقيين.
الاغتيالات كانت موجهة ضد الاشتراكيين القادمين من الجنوب؛ الحاملين لمشروع دولة الوحدة؛ بما في ذلك وزير العدل الذي كان يحاول بناء قاعدة قانونية للعدل والقضاء؛ بينما عفاش والاخوان لا يريدونها دولة وعدلاً، بل يريدونها فوضى ضاربة، وظلماً وقهراً وتسلطاً على رقاب الناس، ونهباً للحقوق ومصادرة للحريات.
أحد الصحفيين كان مطلوبا في ١٣ قضية نشر. وأخيرا قرر اللجؤ بعد أن اكتشف مؤامرة رميه من على طائرة الرئاسة.
عفاش في آخر أيامه عندما قرر توريث الحكم لاولاده بدا مسعورا جاحدا ولم يوفر، حتى أصحابه من القتل. فقد اغتال من كان نظامه يعتمد عليهم من أمثال المتوكل ومجاهد أبو شوارب والشيخ عبدالله الأحمر. وكان تلغيم المروحية وقتل كل من فيها من كبار القادة العسكريين بداية النهاية للحكم.
٣٣ عاما من حكم عفاش كلها أزمات وحروب وقتل ودماء؛ غاب فيها العدل وتسيدت الفوضى، وتسربت أموال الشعب إلى جيوب العصابات التي بدورها هربتها إلى خارج البلاد؛ وعاش اليمنيون في فقر مدقع.
والنتيجة انقلاب السحر على الساحر، وخروج الثعابين من جحورها لتلتهم الراقص على رؤوسها.
المهمة التي تنتصب اليوم أمام حكومة الإنقاذ في صنعاء، وكل القوى الوطنية الشريفة إضافة إلى مقاومة العدوان؛ هي مهمة بناء دولة العدالة، وتصحيح مسار القضاء وتصفيته من الفاسدين، وبقايا عهود حكم العصابات، ثم إعادة الحقوق لأصحابها، وإنصاف من ترضوا للظلم. بمعنى آخر بناء تجربة يقتدي ويثق بها كل اليمنيين.