الزبيدي لـ”الثورة “:


■ لقاء/ أمين العبيدي –
نبينا الصادق الأمين .. وعلينا الاقتداء بأخلاقه وصفاته
الإسلام تشدد في تحريم الكذب خصوصاٍ عند البيع والشراء

كل عام في بداية شهر ابريل يحلو للبعض أن يكذب وينشر الإشاعات وكأنهم جعلوه شهراٍ مخصصاٍ للكذب بينما إذا نظرنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين لا نجد ساعة كانوا يكذبون بها على الناس وإنما إعلاء تعلم الصدق والابتعاد عنه حتى لو كان من باب المزاح.
عن كذبة ابريل ومخاطر الكذب على الفرد والأسرة والمجتمع وعاقبة الكذابين في الدنيا والآخرة .

يحدثنا فضيلة الشيخ الدكتور حمزة الزبيدي إمام وخطيب جامع صلاح الدين فيقول:
إن الكذب من مساوئ الأخلاق وبالتحذير منه جاءت الشرائع وعليه اتفقت الفطِرú وبه يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة. و”الصدق أحد أركان بقاء العالم.. وهو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى ولولاه لبطلت أحكام الشرائع والاتصاف بالكذب: انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب والسنة وعلى تحريمه وقع الإجماع وكان للكاذب عاقبة غير حميدة في الدنيا وفي الآخرة ولم يأت في الشرع جواز “الكذب” إلا في أمورُ معينة لا يترتب عليها أكل حقوق ولا سفك دماء ولا طعن في أعراض…إلخ بل هذه المواضع فيها إنقاذ للنفس أو إصلاح بين اثنين أو مودة بين زوجين.
وأشار الزبيدي انه لم يأت في الشريعة يومَ أو لحظة يجوز أن يكذب فيها المرء ويخبر بها ما يشاء من الأقوال ومما انتشر بين عامة الناس ما يسمى “كذبة إبريل” وهي: زعمهم أن اليوم الأول من شهر ابريل يجوز فيه الكذب من غير ضابط شرعي وقد ترتب على هذا الفعل مفاسد كثيرة.
وعن تحريم الكذب يقول الزبيدي قال تعالى: (إنِمِا يِفúتِري الúكِذبِ الِذينِ لاِ يْؤúمنْونِ بآيِات الله وِأْوúلئكِ هْمْ الúكِاذبْون).
قال ابن كثير: “ثم أخبر تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بمفتر ولا كذابº لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم شرار الخلق الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس والرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علماٍ وعملاٍ وإيماناٍ وإيقاناٍ معروفاٍ بالصدق في قومه لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يدعى بينهم إلا بـ “الأمين محمد” ولهذا سأل “هرقل” – ملك الروم – أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيما قال له: “هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال¿ قال: لا فقال هرقل: فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل” وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان” قال النووي: “الذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار -: أن معناه: أن هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم… وقوله صلى الله عليه وسلم: “كان منافقاٍ خالصاٍ” معناه: شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال قال بعض العلماء: وهذا في من كانت هذه الخصال غالبة عليه فأما من يندر ذلك منه فليس داخلاٍ فيه.
وأشار الزبيدي أن من الكذب ما يكون على الخلق مثل: الكذب في البيع والشراء: عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله ¿ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب” وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا” أو قال: “حتى يتفرقا – فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما”
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما” وقال تعالى: (يا أِيْهِا الِذينِ ءامِنْواú كْونْواú قِوِامينِ للِه شْهِدِاء بالúقسúط وِلاِ يِجúرمِنِكْمú شِنِانْ قِوúمُ عِلِى أِلاِ تِعúدلْواú اعúدلْواú هْوِ أِقúرِبْ للتِقúوِى).
تحريم التحدث بكل ما يسمع:عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء كذباٍ أن يحدث بكل ما سمع”.
قال النووي: وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب: ففيها الزجر عن التحدث بكل ما سمع الإنسانº فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذبº لإخباره بما لم يكن وقد تقدم أن مذهب أهل الحق: أن الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ولا يشترط فيه التعمد لكن التعمد شـرط في كونـه إثما والله أعلــم.
الكذب في المزاح:
ونوه الزبيدي أن بعض الناس يظن أنه يحل له الكذب إذا كان مازحاٍ وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في أول “أبريل” أو في غيره من الأيام وهذا خطأ ولا أصل لذلك في الشرع المطهر والكذب حرام مازحاٍ كان صاحبه أو جاداٍ.
الكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره. عن ابن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم: “إني لأمزح ولا أقول إلا حقاٍ”.
وعن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا قال: “إني لا أقول إلا حقاٍ” عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال: “ما يضحككم¿” فقالوا: لا إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يروع مسلماٍ”.
عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباٍ ولا جاداٍ ومن أخذ عصا أخيه فليردها”.
الكذب في ملاعبة الأطفال:
ينبغي الحذر من الكذب في ملاعبة الصبيان فإنه يكتب على صاحبه وقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: دعتني أمي يوماٍ ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت: ها تعال أعطيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وما أردت أن تعطيه¿” قالت: أعطيه تمراٍ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة”.
الكذب للإضحاك:
عن معاوية بن حيدة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له”.
وعن عاقبة الكذب يقول الزبيدي:
وقد توعد الكاذب بعقوبات دنيوية مهلكة وبعقوبات أخروية مخزية ومنها:
النفاق في القلب:
قال تعالى: (فِأِعúقِبِهْمú نفِاقاٍ فى قْلْوبهمú إلِى يِوúم يِلúقِوúنِهْ بمِا أِخúلِفْواú اللِهِ مِا وِعِدْوهْ وِبمِا كِانْواú يِكúذبْون).
قال عبدالله بن مسعود: “اعتبروا المنافق بثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان”. قال: وتلا هذه الآية: (وِمنúهْمú مِنú عِـاهِدِ اللِهِ لِئنú ءاتِـانِا من فِضúله).. إلى قوله: (وِبمِا كِانْواú يِكúذبْونِ).
الهداية إلى الفجور وإلى النار:
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الصدق بر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الكذب فجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذاباٍ”.
قال الصنعاني: “وفي الحديث إشارة إلى أن من تحرى الصدق في أقواله صار له سجية ومن تعمد الكذب وتحراه صار له سجية وأنه بالتدرب والاكتساب تستمر صفات الخير والشر.
والحديث دليل على عظمة شأن الصدق وأنه ينتهي بصاحبه إلى الجنة ودليل على عظمة قبح الكذب وأنه ينتهي بصاحبه إلى النار وذلك من غير ما لصاحبهما في الدنياº فإن الصدوق مقبول الحديث عند الناس مقبول الشهادة عند الحكام محبوب مرغوب في أحاديثه والكذوب بخلاف هذا كله”.
رد شهادته:
قال ابن القيم: “الحكمة في رد شهادة الكذاب”.
وأقوى الأسباب في رد الشهادة والفتيا والرواية: الكذبº لأنه فساد في نفس آلة الشهادة والفتيا والرواية فهو بمثابة شهادة الأعمى على رؤية الهلال وشهادة الأصم الذي لا يسمع على إقرار المقرº فإن اللسان الكذوب بمنـزلة العضو الذي قد تعطل نفعه بل هو شر منه فشر ما في المرء لسان كذوب.
سواد الوجه في الدنيا والآخرة:
قال تعالى: (وِيِوúمِ الúقيِـامِة تِرِى الِذينِ كِذِبْواú عِلِى اللِه وْجْوهْهْم مْسúوِدِةَ).
قال ابن القيم: ولهذا يجعل الله سبحانه شعار الكاذب عليه يوم القيامة وشعار الكاذب على رسوله سواد وجوههم والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه ويكسوه برقعا من المقت يراه كل صادق فسيما الكاذب في وجهه ينادى عليه لمن له عينان والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة فمن رآه هابه وأحبه والكاذب يرزقه إهانة ومقتا فمن رآه مقته واحتقره وبالله التوفيق.

قد يعجبك ايضا