الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الناس كله وأشهد أن سيدنا محمد عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وهدانا إلى الصراط المستقيم اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن أتبع هداه إلى يوم الدين أما بعد:
فإن الدين الإسلامي الحنيف دين الوسطية والاعتدال في كل شيء في العبادات والمعاملات والأخلاق وفي كل شيء وهذا أمر تميزت به شريعة الإسلام وجعل الله الأمة الإسلامية أمة وسطا قال تعالى»وِكِذِلكِ جِعِلúنِاكْمú أْمِةٍ وِسِطٍا» سورة البقرى آيه رقم 143 فهي الأمة الوسط في كل شيء.
لذلك ليس من منهج الإسلام التطرف ولا الغلو في الدين بل إن الإسلام ينهى عن ذلك ويحذر من الوقوع فيه لأن التشدد والتطرف وإن كان منبوذ في كل شيء فهو في أمر الدين أشد لأنه قد يؤدي إلى العنف والمواجهة التي لا يدعو إليها الإسلام.
ونريد في عجالة أن نتعرف على معنى التطرف وحقيقة والأسباب التي تؤدي إليه وأثر ذلك على المجتمع المسلم في كل مكان لأن ذلك يعطي صورة سيئة للإسلام والمسلمين لأن الإسلام لم يأت أبدا بالتشدد ولا .. والمغالاة في الدين ولا بسفك الدماء إنما جاء الإسلام بالسماحة واليسر والاعتدال والوسطية في كل شيء وهذا هو منهج الإسلام.
أولاٍ معنى التطرف: التطرف في اللغة معناه الوقوف في الطرف أيا كان هذا الطرف يعني أنه يقابل التوسط والاعتدال.
وهو يصدق على المغالاة والتشدد كما يصدق على التسبب والتفريط في الدين لأن في كل منهما جنوحا إلى الطرف وبعدا عن الجادة والوسط ولذلك لا ينبغي أن ننظر إلي التطرف على أنه فقط المغالاة والتشدد بل أن التسبب والتفريط أيضا من التطرف المذموم الذي عنه الإسلام ولعل البعض يتهم بتطرف المغالاة والتشدد أكثر من تطرف التسبب والتفريط فإنه غالباٍ مايكون ضرره بصاحبه أو تكون دئرة الضرر فيه ضيقة يلحق الضرر بالمجتمعات ويهدد الأمن العام الذي نريد الأمم أن تعيش فيه دائما وأبدا إما تطرف التسبب والتفريط فإنه غالبا ما يكون ضرره بصاحبه أو تكون دائرة الضرر فيه ضيقة.
أما التطرف الاصطلاحي فالمقصود به في هذا المقام التنطع في أداء العبادات الشرعية أو مصادرة اجتهادات الآخرين في المسائل الاجتهادية أو تجاوز الحدود الشرعية في التعامل مع المخالف حتى يصل إلى القتل وسفك الدماء أو على الأقل الإرهاب والتخويف وزعزعة الأمن سواء للأفراد أو المجتمع بأسره.
والتنطع في أداء العبادات يعني التعمق أو مجاوزة الحد في الأقوال والأفعال ويدخل فيه الزيادة على ما شرعه الله لعباده منها والزام للنفس بما لم يلزم به الشرع والورع الفاسد وقد أخرج الإمام مسلح في صحيحه عن أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هلك المنتطعون» قالها ثلاث إلي غير ذلك من الأحاديث التي ينهى فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن المغالات في التدين والتشديد على النفس في أمر العبادة.
ويدخل في التطرف أيضا التعصب للرأي تعصبا لا يعترف معه بوجود الآخرين وهذا يؤدي إلى مصادرة اجتهادات الآخرين في المسائل الاجتهادية فقوله هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ وقول غيره هو الخطأ الذي لا يحتمل الصواب وهذا هو التطرف بعينه.
وقد أكد أهل العلم على ضرورة عدم الإنكار على أحد في المسائل الاجتهادية بحيث لا يؤدي هذا الإنكار إلى التشنيع على المخالف أو هجره لأن المسائل الخلافية وبالذات في الفروع أكثر من أن تنحصر ولو أن كل مسلمين اختلفا في مسألة تهاجرا وتدابرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة قط.
ويدخل في التطرف أيضا تجاوز الحدود الشرعية في الإنكار على المخالف فلا يفرق بين مجمع عليه ومختلف فيه ولا يعتبر بالمآلات ولا يوازن بين المصالح والمفاسد المترتبة على هذا الإنكار لأن من قواعد تغيير المنكر ألا يترتب على هذا التغيير ضرراٍ أشد من الضرر المترتب على ارتكاب هذا المنكر وهذا ما يفعله بعض المتطرفين فينكرون على مخالف قولا أو فعلا فيتجاوز الحد في إنكاره عليه حتى يترتب على الإنكار ضرر يلحق بالفرد أو المجتمع هذا الضرر يكون أشد من معنى التطرف وحقيقته حتى يتبين لنا أن هذا الأمر ليس من الدين في شيء بل إن الدين الإسلامي من هذا براء تماما..
الأسباب التي تؤدي إلى التطرف والغلو في الدين:
هناك أسباب متعددة تؤدي وتوصل إلى ظهور ظاهرة التطرف في الدين منها ما يلي:
1- ضعف الفهم لحقائق الدين الحنيف لأن الذي يفهم حقيقة الإسلام ويتعرف على خصائصه ومميزاته يدرك تماما أنه ليس دين التشدد ولا المغالات وإنما جاء باليسر والسماحة ورفع الحرج عن الناس وجاء بالاعتدال والوسطية في كل شيء.
ويدخل في ضعف الفهم أيضا من ينصبون أنفسهم دعاة إلى الدين وهم لا يعرفون عن الدين شيئا وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: «إن لالله يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى ‘إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساٍ جهالاٍ فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» وهذا مما عمت به البلوى في كل المجتمعات الإسلامية وبالذات في هذه الأيام.
2- اتباع المتشابهات وترك المحكمات وهذا سبب رئيسي وراء ظهور ظاهرة التطرف في الدين واتباع المتشابهات دائما يكون من الذين في قلوبهم زيغ كما قال تعالى: «هْوِ الِذيِ أِنزِلِ عِلِيúكِ الúكتِابِ منúهْ آيِاتَ مْحúكِمِاتَ هْنِ أْمْ الúكتِاب وِأْخِرْ مْتِشِابهِاتَ فِأِمِا الِذينِ في قْلْوبهمú زِيúغَ فِيِتِبعْونِ مِا تِشِابِهِ منúهْ ابúتغِاء الúفتúنِة وِابúتغِاء تِأúويله» سورة آل عمران آيه 7 وهذا الأمر يؤدي بالضرورة إلى التطرف في الدين لأن صاحبه لا يعتمد على أمور ثابتة محكمة إنما يتبع المتشابهات.
3- إرادة الوصول إلى نتيجة سريعة: وهذا أيضا يؤدي إلى ظهور ظاهرة التطرف لأن من أراد ذلك لا يهمه بماذا يصل إلى ذلك فربما يجره ذلك إلى إرهاب الآخرين أو التعامل معهم معاملة عنيفة مع أن هذا ليس من منهج الإسلام في شيء فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يظل في مكة يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة وبالدعوة السلمية ثلاثة عشر عاما ما وقف في وجه معارض ولا رفع سلاحا في وجه عدو ولا أنكر على مخالف في الرأي مع أنهم يخالفونه في العقيدة إنما كان يقول: «اللهم اهدي قومي فإنمهم لا يعلمون» ولم يطلب نتيجة عاجلة وإنما فقط أخذ يعمل ويدعو إلى الله تعالى إلى أن ظهرت ثمرات هذه الدعوة بعد الهجرة إلى المدينة وبعد أن أصبح للإسلام دولة ترعى الدعوة الإسلامية وتوجه الخطاب بها إلى كل بقاع الأرض في كل مكان.
إذن من يبغى الوصول إلى نتيجة سريعة يؤدي به إلى ذلك التطرف الذي لا يقره الدين الإسلامي الحنيف.
أثر التطرف والمغالاةعلى المجتمع المسلم:
لا شك أن لهذه الظاهرة السيئة أثرها على المجتمع المسلم ومن هذه الآثار السيئة:
إن التطرف والمغالاة في الدين ينفرد الناس عن الإسلام لأن التشدد أمر لا تحمله طبيعة البشر والدين الإسلامي جاء بما يوافق الفطرة الإنسانية السلمية لأن الله هو خالق الإنسان وهو عالم بما يتوافق مع طبيعة الإنسان كما قال تعالى: «أِلِا يِعúلِمْ مِنú خِلِقِ وِهْوِ اللِطيفْ الúخِبيرْ» سورة الملك آيه رقم14.
والمغالاة في الدين أيضاٍ تؤدي إلى عدم المواؤمة على الطاعة والعبادة بل يظل فترة قصيرة ثم ينقطع والله سبحانه يحب من عباده المداومة على الطاعة له سبحانه وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: «عليكم من الدين ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا» وقال: «فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى».
ومن أهم الآثار السيئة لظاهرة التطرف الديني أن ذلك يعكس نظرة سيئة عن الدين الإسلامي ويعطي صورة تخالف حقيقة الإسلام الدين السمح الوطس المعتدل في كل شيء فلو نظر أحد من غير المسلمن إلى المتطرفين في الدين الذين تخالف تصرفاتهم حقيقة الدين الإسلامي لكان ذلك مدعاة إلى نفور الناس عن الإسلام وعدم إقبالهم على الدخول فيه أو حتى على التعرف عليه مع أن أمة الإسلام هي أمة الدعوة إلى الله تعالى التي تحملت ميراث النبوة والتي أمرها الله تعالى بالتبليغ عنه وعن رسوله صلى الله وعليه وسلم قال تعالى: «وِلúتِكْن منكْمú أْمِةَ يِدúعْونِ إلِى الúخِيúر وِيِأúمْرْونِ بالúمِعúرْوف وِيِنúهِوúنِ عِن الúمْنكِر وِأْوúلِئكِ هْمْ الúمْفúلحْونِ» سورة ’آل عمران آيه رقم 104.
بل ربما يتخذ ذلك مطعنا في الدين الإسلامي مع أن ذلك ليس من الإسلام في شيء لكن أعداء الإسلام يتصيدون الأخطاء التي يقع فيها بعض أبناء الأمة الإسلامية ويتخذون من ذلك مطعنا في الإسلام ذاته ولذلك يجب علينا جميعا أن نراعى الله تعالى في أعمالنا وتصرفاتنا لأن العالم كله ينظر إلى أمة الإسلام فيجب أن تظهر الصورة المضيئة لدين الله في كل زمان ومكان.
والله تعالى هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* عضو بعثة الأزهر الشريف في اليمن