الهدنةُ الأمميةُ المُفْرَغَةُ والموقِفُ الحاسمُ للرئيس المشاط
افتتاحــــــــــــــــية الثورة
وصل المبعوث الأممي يوم أمس إلى صنعاء، وكان المنتظر أن يحمل جديداً فيما يتعلق بالمرتبات ورفع الحصار، لكنه جاء كما غادر في بداية الهدنة الثالثة، غير أن وصوله إلى صنعاء جاء متوازياً مع صخب التصريحات الأمريكية والغربية والسعودية حول الهدنة واللهاث المحموم نحو توسيع الهدنة، توسيع بلا جديد يحمل في طياته لناحية تخفيف معاناة الشعب اليمني، بل هو تعميق للمعاناة وتمديد لها.
غاب المبعوث الأممي طويلاً، وغاب المبعوث الأمريكي والسفراء الغربيون كذلك منذ التجديد الأخير للهدنة ظلت سفن الوقود تُحتجز في البحر، وبقي مطار صنعاء مغلقاً، وظل اليمنيون لنحو شهرين ينتظرون تصريحاً أو موقفاً واحداً تجاه ممارسات دول العدوان الانقلابية على بنود الهدنة، ثم عادوا دفعة واحدة قبيل انتهاء المدة لبحث تمديد الهدنة، لا بل لتوسيعها، لكن بلا مرتبات، وبحصار مستمر، وبلا جديد لليمنيين، هي محاولةٌ لفرض شروط مفصَّلة على مقاس أجندات المنظومة العدوانية ومعها الأمم المتحدة ومبعوثها، وإذا حاولنا قراءة تلك الشروط لأدركنا الغايات الحقيقية التي تريد منظومة العدوان تنفيذها تحت شماعة الهدنة وتوسيعها.
تريد الإدارة الأمريكية توسيع الهدنة إلى ستة أشهر، لكنها لا تريد حصول الموظفين على رواتبهم، ولا تريد رفع الحصار البري والبحري والجوي المفروض على الشعب اليمني، ولا تريد أن يتوقف تدهور الحالة الإنسانية لليمنيين، ولا تريد أن تتحسن معيشتهم، بل لا تريدهم أحياء على وجه الدقة، وعندما تريد الأمريكية شيئاً لا تعدم الوسيلة لتبريره وتسويقه بأنه الوجه الصحيح والحقيقة الكاملة والحق المطلق.
تريد الإدارة الأمريكية هدنة تخدم مصالحها ولصالحها، لكنه تريد لليمنيين أن يستمروا في معاناتهم الكارثية، وهل على اليمنيين أن يموتوا حصاراً وجوعاً وبلا مرتبات، ويذهبوا إلى الهدنة الرابعة استجابة لما تريده منظومة العدوان، أم كتب الموت والمعاناة على اليمنيين وللسعوديين والإماراتيين عائدات ثرواتهم النفطية والغازية!
بالأمس واليوم وغداً تستمر منظومة العدوان على اليمن وعلى رأسها الإدارة الأميركية بالمتاجرة بشعارات السلام والمفاوضات وبعناوين الهدنة وتوسيعها وتجديدها مرة تلو أخرى، وهي لا تقصد هدنة لليمنيين تخفف عنهم المعاناة المعيشية وتعيد لهم رواتبهم وترفع عنهم الحصار بل تبغي أهدافاً أخرى لا علاقة لها بمعاناة اليمنيين ولا بأوضاعهم الإنسانية والمعيشية، بل بضمان بقاء منشآت النفط السعودية آمنة من الضربات الصاروخية والجوية، ولو كانت صادقة في ما تدَّعي وتزعم لما تمنعت في صرف مرتبات الموظفين، وأوقفت نهب ثرواتهم، ورفعت إجراءاتها القسرية على السفن، وطوت الحصار المفروض على مطار صنعاء.
ورغم إدراك منظومة العدوان وعلى رأسها الإدارة الأمريكية أن القيادة اليمنية وافقت على الهدنة للمرة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، بغية تخفيف المعاناة المعيشية للشعب اليمني، ورحبت بكل الجهود التي تهيئ البيئة لمفاوضات سلام حقيقي وجاد، إلا أن منظومة العدوان مضت في مخططاتها الرامية إلى جعل الهدنة مطية وعنواناً لإدامة الحصار على الشعب اليمني، ولتأمين منشآت النفط السعودية في ظروف الحرب الدولية الناشبة في أوكرانيا.
والكل يعلم أن وصول المبعوث الأممي يوم أمس إلى صنعاء، أتت في سياق المحاولات التي تسعى لها منظومة العدوان، لكن من المفيد ما سمعه المبعوث من الرئيس المشاط الذي تحدث بوضوح عن قضايا الشعب اليمني ومطالبه الأساسية، وأن صرف المرتبات ورفع الحصار مطالب بسيطة جداً مقارنة بما تعرضت له اليمن، وصرف المرتبات لا يتطلب مِنَّة ولا صدقات من أحد بل يتطلب من دول العدوان الكف عن سرقة الثروات السيادية لليمن والتي يمكن لها أن تغطي صرف مرتبات سنوات.
وأشار إلى أن حل هذا الملف بسيط جداً، لكن إرادة دول العدوان في استمرار معاناة أبناء الشعب اليمني تمنع ذلك، وأكد أن عدم تخفيف معاناة الشعب اليمني الإنسانية التي صنعها العدوان بشكل متعمد يعني أنه هو من يرفض الهدنة، وليس من يتبنى المطالب المحقة لشعبنا اليمني”.
وتابع الرئيس المشاط: ” نحن لم نطلب من أحد أن يمنّ على شعبنا اليمني وإنما نطالب بحقه في ثرواته النفطية والغازية وغيرها، وأن تُصرف المرتبات منها، ومن يمنع شعبنا من حقه فلا يتوقع منا أن نقدم له الورود”.
علماً بأن ما نحو مليون موظف بدون رواتب منذ سبتمبر من العام 2016م..
وقتذاك عمدت دول العدوان ومرتزقتها إلى السطو على سويفت البنك المركزي ونقل عملياته ونهب أرصدته من النقد الأجنبي والسيطرة على حسابات البنك في الخارج، والتحكم في الإيرادات ونهبها، ومنذ ذلك الحين حُرم الموظفون من رواتبهم، بينما لم تتوقف عمليات النهب الوقحة للثروات النفطية والغازية من قبل تحالف العدوان الذي يقوم بنهب عائداتها الضخمة إلى حسابات البنك الأهلي السعودي، بينما يموت اليمنيون ويحاصَرون ويفقدون رواتبهم ومصادر دخلهم.
قطع المرتبات أحد جوانب الحرب البغيضة أخلاقياً، مارسها تحالف العدوان ضمن أساليب حرب التجويع والإماتة الشاملة التي استخدمها ضد اليمنيين بهدف إرضاخهم، قبل السطو على سويفت البنك المركزي كانت مرتبات اليمنيين تُصرف من صنعاء بشكل منتظم، غير أن قرصنة العدوان للبنك المركزي كان الهدف منها واضحاً، وهو تجويع الموظفين وحرمانهم من مرتباتهم، وفي المقابل إفساح المجال لنفسه لسرقة عائدات الثروات النفطية والغازية إلى بنوكه الخاصة.
المرتبات قضية أساسية ترتبط بمعيشة اليمنيين وحياتهم الإنسانية، وحصول اليمنيين على رواتبهم من عائدات ثرواتهم حقوق أصيلة لا تنتظر صدقة من أحد، ولا هبات من طرف، ولا هي بحاجة لمساعدات دولية أو أممية، ولا يمكن إخضاعها للمغالطات والأضاليل التي يطلقها المبعوثون والسفراء يومياً، هي قضية ملحة ترتبط بحياة اليمنيين اليومية لا تحتمل التأجيل والوعود الفضفاضة والمواعيد المستلبة، بل يجب صرفها وإعادتها إلى كافة موظفي الدولة في كل مكان.
غير أن ما حمله المبعوث الأممي إلى صنعاء كان مخيباً ومناقضاً لتصريحاته التي أكد فيها التزامه بإجراء مفاوضات موسعة ومعمقة للتوصل إلى آلية فعالة لدفع رواتب الموظفين، غير أنه وفي الأيام الأخيرة للهدنة وصل صنعاء دون أن يحمل جديداً غير المراوحة ومحاولة الترحيل والدوران في دائرة مفرغة.
منذ بداية الهدنة الأممية المؤقتة التي تجددت لمرات ثلاث لم تكن القيادة الوطنية في صنعاء تضع شروطا عسكرية أو سياسية بل تطرح قضايا إنسانية ملحة، ولم يكن الذهاب إلى الهدنة إلا بهدف تخفيف معاناة الشعب اليمني الذي يعيش تحت وطأة أسوأ كارثة إنسانية في العالم، وصرف المرتبات قضية أساسية لكافة اليمنيين، غير أن دول تحالف العدوان لا تسعى إلا إلى هدنة لصالحها ولمصالحها، لا تخفف معاناة اليمنيين، ولا تعيد رواتبهم، ولا ترفع الحصار عنهم، وتلك المعادلة لا يمكن قبولها، في وقت تستمر فيه بنهب ثروات اليمنيين وسرقتها.
وإذا كانت الهدنة بمُددها الثلاث قد انقضت دون أن تلتزم دول تحالف العدوان بالحد الأدنى من بنودها الواضحة والمحددة فما الذي سيحدث في حال توسعت الهدنة كما تسعى إليه منظومة العدوان، دون تنفيذ عملية صرف المرتبات والتزام واضح بتنفيذ بقية البنود، ما زالت دول العدوان تُمعن في محاربة اليمنيين بالوقود وتمارس عبر سفن الحصار قرصة سفن الوقود واحتجازها، ما زالت الرحلات الجوية متعثرة وإلى وجهة واحدة فقط، واليوم تحاول القفز على كل ذلك إلى هدنة لمصالحها، بينما على اليمنيين أن يجوعوا ويخضعوا للحصار.
صرف مرتبات الموظفين، رفع الحصار عن موانئ الحديدة وفتح مطار صنعاء قضايا أساسية وخطوة أساسية أولى نحو تحسين الوضع الإنساني، وخلق مساحة أكبر نحو تحقيق تقدم في عملية السلام بالنهاية، قبل توسيع الهدنة وتجديدها يجب وقف تدهور الكارثة الإنسانية في اليمن وتحسين الوضع الإنساني لليمنيين، هذا ما سمعه المبعوث الأممي من الرئيس المشاط، وما يجب أن يسمعه قادة العدوان ومسؤولو الإدارة الأمريكية.. ومن الله النصر.