عشية توجهه إلى السعودية لعقد القمة التي يتداعى إليها ملوك ورؤساء دول المنطقة لتجديد ولائهم لأمريكا

الرئيس الأمريكي بايدن يوقع «إعلان صهيونيا من القدس المحتلة» مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني

بايدن تعهد بجرجرة الأنظمة العربية في المنطقة إلى التطبيع مع الصهاينة

تعهد بإبقاء التفوق العسكري في المنطقة للكيان الصهيوني على حساب الأعراب

تعهد بضمان أمن الصهاينة وبمواجهة إيران وحركات المقاومة

الثورة / وديع العبسي
من المقرر أن يزور جو بايدن اليوم السعودية بعد محادثات يجريها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفي الرياض سيعقد لقاء مع دول التطبيع، ينتزع من خلاله بايدن تأكيدات على الولاء والطاعة والشراكة من أجل حماية الكيان الإسرائيلي، فضلا عن الدفع بدول أخرى نحو التطبيع وربما يتم خلاله الإعلان عن ذلك.
وكان بايدن ورئيس الحكومة العبرية يائير لابيد عقدا أمس مؤتمرا صحافيا، ركز خلاله الرئيس الأمريكي على أمن كيان إسرائيل كأولوية أمام الولايات المتحدة وأعلن عن دعمه لإنشاء تحالف إقليمي عسكري (إسرائيلي – عربي – أمريكي) بالإضافة إلى أولوية إدماج كيان إسرائيل في المنطقة عن طريق توسيع ما يسمى بالسلام الإبراهيمي والتحول بالقضية الفلسطينية من مبدأ الأرض مقابل السلام إلى مبدأ التنمية مقابل السلام.
جاء المؤتمر الصحفي عقب التوقيع على «إعلان أمني» يؤكد التزام الطرفين «بمنع إيران من حيازة سلاح نووي.» حسب الوثيقة، من جهته حذر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعد توقيع الاتفاق الولايات المتحدة وحلفاءها من «زعزعة أمن الشرق الأوسط» مهددا بـ”برد قاس”، وحملت الوثيقة الموقعة اسم «إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل».
زيارة «مبنية على مصالح ومسؤوليّات متبادلة»، هذا ما أكده بايدن قبيل رحلته إلى الشرق الأوسط واللقاء بالحكومتين الصهيونية والسعودية في إشارة واضحة إلى أن هناك ما هو يدور في الكواليس ابعد مما هو معلن.
أهم محطتين من شأنهما أن تحققا لبايدن رؤيته وأهدافه وطموحاته كانتا الأراضي المحتلة (كيان إسرائيل) والرياض، وهما اللتان يعتبرهما مكرمة أمريكية، فيما تعتبران طبيعيتين لكون المحطتين هما محور الأجندة المزمع تنفيذها بدءا بالتطبيع السعودي الصهيوني وانتهاء بالاندماج الكلي للكيان الإسرائيلي في منظومة المنطقة العربية عبر ما جرى التداول بتسميته (ناتو الشرق الأوسط).
ويثبت بايدن بهذه الزيارة بأن ما يردده الأمريكيون من شعارات وقيم إنما هي تصديرات إعلامية لتلميع الوجه الأمريكي المشوه من كثرة الحروب والمجازر التي ارتكبتها أو شاركت فيها أو حرضت عليها، يثبت ذلك تجاوز الرئيس الأمريكي وعوده الانتخابية وبإقصاء السعودية وجعلها دولة منبوذة بسبب سجلها الحافل بالانتهاكات لحقوق الإنسان على مستوى الداخل السعودي والخارج، وبسبب الجريمة البشعة بحق الصحفي جمال خاشقجي وهو أبرز ما رفعه الحقوقيون منذ شهر مطالبين بايدن باحترام وعوده التي نال بموجبها ثقة الشعب الأمريكي.
بايدن في مقال رأي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» عشية الزيارة كتب يقول «أعرف أن هناك كثيرين ممن لا يتفقون مع قراري السفر إلى السعودية»، مضيفا «آرائي حول حقوق الإنسان واضحة وثابتة. والحريات الأساسية موجودة دائما على جدول الأعمال عندما أسافر إلى الخارج، وهي ستكون كذلك خلال هذه الزيارة».
وقال بايدن في مقاله «بصفتي رئيسا، من واجبي الحفاظ على بلدنا قويا وآمنا»، متحدثا في هذا الإطار عن الحاجة إلى «مواجهة» روسيا، وإلى «أن نكون في أفضل وضع ممكن» في مواجهة الصين، وضمان «مزيد من الاستقرار» في الشرق الأوسط.
وبرر الرئيس الأميركي موقفه هذا قائلا إنه «من أجل تحقيق هذه الأمور، يجب أن تكون لدينا علاقة مباشرة مع الدول التي يمكن أن تساهم فيها. المملكة العربية السعودية واحدة من هذه الدول».
ومن إسرائيل رفض، جو بايدن، الالتزام ببحث قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، خلال لقائه محمد بن سلمان.. «أتحدث دائما عن حقوق الإنسان.. لكن موقفي من خاشقجي واضح للغاية.. إذا كان أي شخص لا يفهم ذلك سواء في السعودية أو في أي مكان آخر، فهذا يعني أنهم لم يكونوا موجودين منذ فترة».
وأضاف أن الغرض من زيارة السعودية «أوسع» ويهدف لـ”إعادة التأكيد” على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
أهداف بايدن من زيارة السعودية أكبر من مسألة حقوق الإنسان، وهذا ما اقر به بايدن نفسه.. موضحا أنه يمكنهم «الاستمرار في القيادة في المنطقة وليس خلق فراغ تملأه الصين وروسيا ضد مصالح كل من إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى»، حسب قوله.
وهنا تتأكد المصالح الصرفة التي يسعى لها بايدن من أجل أمريكا والكيان الإسرائيلي فيما تقف السعودي وباقي الدول المطبعة في المربع الأضعف حيث تتزين خلفيته بعنوان «الحماية من التهديدات الإيرانية»، حتى المعادلة الفلسطينية لا تبدو حاضرة في انعكاساته المتوقعة لهذا الاتفاق المزمع رغم أنها المشكلة الأهم للشرق الأوسط، بينما لا يعد موضوع إيران أكثر من «ايرانوفوبيا»، حسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني.
وكشف كيان إسرائيل عن هذا بوضوح من خلال التأكيد بأن «مركز زيارة بايدن إلى المنطقة ليس الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وإنما السعودية، والمجهود الأساسي الذي سيبذله بايدن خلال زيارته للرياض هو ضم السعودية ودول المنطقة إلى التحالف ضد روسيا، والحصول على تعاون من جانب دول المنطقة مع أزمتي الطاقة والغذاء العالميتين في أعقاب الحرب في أوكرانيا، ولجم التضخم المالي في الولايات المتحدة.»، وكذا البرنامج النووي الإيراني الموضوع التي يزعم الكيان قلقه منه.
وقبيل زيارة بايدن تناولت وسائل إعلام عبرية الموضوع بكثير من التحليل.. مشيرة إلى أن «إسرائيل تسعى إلى أن تظهر حدوث تقدم كبير في بلورة رزمة عقوبات أميركية ضد إيران، خلال زيارة بايدن».
وبالتزامن مع نشر مقالة بايدن صرّح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، ردا على قضية منظومات الدفاع الجوي في المنطقة قائلا: طرح هذا الموضوع مسألة استفزازية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تنظر إلى هذه التصريحات من منظور التهديدات ضد الأمن القومي والإقليمي.
وتطرق كنعاني إلى حقيقة خلق عدو وهمي للمنطقة من اجل الاستمرار في استغلال دول النفط والثروات.. وأضاف المتحدث باسم الخارجية: إن حقيقة أن أمريكا تثير مثل هذه القضايا وتتابعها دون أن تفهم بشكل صحيح حقائق المنطقة، بهدف وحيد هو الترهيب من إيران والخلاف بين دول المنطقة، يظهر أن ما يهمها هو المصالح غير المشروعة لهذا البلد والتنفيس عن الكيان الصهيوني ليلتقط أنفاسه.
باستعراض المعطيات حتى وقت قريب، نجد أن ما عمدت إليه أمريكا والكيان في السنوات الماضي من تلغيم المنطقة بالأسلحة و”القِباب” الفاشلة، لم تكن عاملاً أمنياً، ولن تكون كذلك طالما مخططات أعداء المنطقة تستند إلى زعزعة الثقة بين الدول والحقيقة «أن إرساء الأمن الإقليمي المشترك يعتمد على التعاون الجماعي لدول المنطقة والحفاظ عليه واستقراره، ويتطلب تعزيز التفاهم داخل المنطقة».
ويستند محللون إلى أن تجربة الوجود الأمريكي في المنطقة قد أثبتت فشلا واضحا في ترسيخ أي أمن، والعراق وأفغانستان، مثالان واضحان، فعلى على مدى عقدين من الزمن لم تجلب أمريكا الأمن إلى هذه الدول، وبالتالي فإن أي عمل لزيادة وجود ودور أمريكا في آليات الأمن الإقليمي لن يؤدي إلا إلى انعدام الأمن وعدم الاستقرار وانتشار الإرهاب على المستوى الإقليمي، حسب مراقبين.
جو بايدن، في مقالته المذكورة أكد بشيء من الزهو، أنه سيكون أول رئيس يطير من إسرائيل إلى مدينة جدة بالسعودية، معتبرا أن ذلك رمز صغير للعلاقات والخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، الرئيس الأمريكي.
وأمس زعم مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى أن تكون منطقة الشرق الأوسط «أكثر سلاما واستقرارا»، ولأن كل التحركات الخارجية الأمريكية تهدف إلى تأمين مصالح أمريكا، يستدرك مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان ليؤكد صراحة أن «هذا سيفيد مصالح الأمن القومي الأمريكي والشعب الأمريكي لسنوات طويلة».
أمريكا أيا كانت إدارتها تغلّب دائما مصالحها على اعتبارات أخرى، ومصالح الكيان تنعكس بشكل طبيعي عليها.
وقال: «إن الإدارة الأمريكية تسعى إلى أن تكون منطقة الشرق الأوسط «منطقة لا يمكن لدولة أجنبية أن تهيمن فيها أو تحظى بتفوق استراتيجي على الولايات المتحدة».
قبيل القمة المثيرة للجدل في الرياض التي ستجمع دول التطبيع وأمريكا والكيان، سيكون هناك اجتماع رباعي في (تل أبيب) بمشاركة الإمارات والهند.
في الأثناء لا يزال مثقفو وكُتَّاب الديوان الملكي يحاولون الترويج لكون زيارة بايدن ستكون «استثنائية مثقلة بالملفات التي من أصعبها الملف الإيراني المتخم بالمهددات والشهية المفرطة للتمدد والهيمنة» حسب حديثهم، ويتعامى مثل هؤلاء عن حقيقة أن أمريكا قد استنفدت أوراقها الضاغطة على إيران، وإنما تعمد الآن إلى اجترار نفس الإجراءات، فما الذي يمكن أن تفعله الإدارة الأمريكية لرد مخاطر إيران -حسب زعمها- عن ملوك النفط؟
ويتحدث هؤلاء (الكَتَبَة) عن ما أسموه «بالمهددات والشهية المفرطة للتمدد والهيمنة ونزعة العنف المغلفة بالمذهبية»، لكنهم تعاموا عن تأكيدات بلينكن الواضحة بأن أمريكا لن تسمح بتواجد قوى مؤثرة غيرها في المنطقة، العم سام القادم من ما وراء البحار وأعالي المحيطات يسعى لفرض هيبته وسلطته على تفاصيل المنطقة وهو ما لا يرى فيه «المطبلين» أي حرج لأمريكا، وكأنه استحقاق طبيعي.
وأدان مدافعون عن حقوق الإنسان هذه الجولة باعتبارها تعطي أولوية أكبر للمصالح الاقتصادية على حساب حقوق الإنسان.
وقال بايدن إنَّ السعوديين «يعملون مع خبرائي للمساعدة في تحقيق استقرار أسواق النفط مع منتجي أوبك الآخرين»، وهو ما أثار شهية الرئيس السابق دونالد ترامب الذي تهكَّم الأحد 10 يوليو/تموز 2022، على خلفه جو بايدن؛ بسبب قراره زيارة السعودية على الرغم من تعهُّده سابقاً بجعلها منبوذة بسبب قتل الصحفي جمال خاشقجي.
وقال ترامب، الذي جعل الرياض أولى زياراته الخارجية خلال رئاسته، إنَّ زيارة بايدن، ستُظهِر أنَّ الولايات المتحدة أصبحت «متسولة» للطاقة، بحسب ما ذكرته صحيفة The Times البريطانية.

قد يعجبك ايضا