ما تزال مباراة اليمن والعراق للناشئين التي أقيمت في الأردن وفاز فيها العراق على منتخبنا 2 / 1 عالقة في ذهني وأثرت في نفسيتي كثيرا ولم أستوعب حتى الآن تلك الطريقة الرياضية السمجة التي ظهر بها منتخب العراق من انهيار جسماني وتساقط عدد من اللاعبين على أرضية الملعب بداعي الإصابة، والغريب في الأمر استجابة حكم المباراة لتلك الحالة الخارجة عن المألوف وتكتيك اللعب ومبدأ وقانون اللعبة ولم يتخذ أي إجراء حاسم ورادع رغم تكرار الفعل التكتيكي الفاضح والزائد عن حده وبأسلوب مقزز ومستفز، وكاد اللاعبون على إثره يدخلون في فوضى وعراك واشتباك بالأيادي، وكان ذلك الأسلوب غير الرياضي وغير المعتاد في المنافسات الرياضية بهدف إضاعة الوقت وحسم الفوز لصالحه على حساب منتخبنا بذلك الأسلوب وتحت يافطة تكتيك رياضي وفني مسموح به.
قالها المعلق الرياضي خلال مباراة العراق ولبنان في الدور الثاني للمنافسة إن خروج اليمن من المنافسة أفقدها رونقها وحلاوتها لما يمتلكه لاعبو المنتخب اليمني من مهارات وإمكانيات رياضية تستحق المتابعة، وهو ما أكده المحلل الرياضي الكويتي ولاعب منتخب الكويت الشهير الكابتن فيصل الدخيل الذي تحسر كثيرا على المنتخب اليمني وعلى الأسلوب الذي فرضه المنتخب العراقي في مباراته مع منتخبنا وانتقد الحكم وإدارته المباراة خلال حديثه التحليلي لإحدى القنوات الرياضية.
عندما يطبق التكتيك الرياضي السلبي في الرياضة ويبالغ فيه فإن كرة القدم تتحول إلى مجرد أسلوب لخطف نتيجة بعيدا عن الهدف الأساسي من المنافسة وهو الفن والإبداع والمهارة الفردية والجماعية وتقديم مستوى رياضي أفضل، وأن يقدم اللاعب والفريق كل ما لديه من جمال هذه اللعبة، فلا داعي أصلا لإقامتها لأن الرياضة لا تكتمل حلاوتها إلا بالإبداع واللمسة الرائعة وما يقدمه اللاعبون من فن ومهارات يستحقون من خلالها النتيجة وإلا فما قيمة بقاء الجماهير أمام الشاشات وعلى مدرجات ملاعب كرة القدم.
أن يتساقط اللاعبون أكثر من مرة، بل عدة مرات على أرضية الملعب في كل دقيقة وثانية ويمثلون أنهم مصابون ويستمرون في العلاج لعدة دقائق في الملعب وينهضون وكان منهم مثل الحصان، ثم يعودون بنفس المكر والأسلوب من جديد ودون رادع قوي من قاضي المباراة، فعلى الرياضة السلام، وإن كانت مثل هذه الأساليب مسموحة أما حصل في مباراة اليمن والعراق وبذلك الشكل الفج فأعتقد جازما أننا بحاجة إلى إعادة النظر في قوانين كرة القدم بحق وحقيقة.
الرياضة لا تختلف في قواعدها وآدابها والتزاماتها عن كل أنواع الرياضة، فالرياضة هي أيضا فن ومهارات وأسلوب وأداء جميل وأخلاق وروح رياضية.
الرياضة سواء كنت فائزا أو مهزوما في مفهومها العميق ليس فيها منتصر أو مهزوم وإنما أفضلية في الأداء وحسن استخدام الأرض واللعبة والكرة واقتناص الفرصة وتحقيق نتيجة تمكنك من سبق خصمك والتقدم عليه بأفضلية في الأداء وفي كل شيء وليس “النذوقة” والمرض والتمارض داخل الملعب.
اليوم أصبح المتابعون والراصدون للرياضة ولأي مباراة أو منافسة يتتبعون كل شيء يدور داخل المستطيل الأخضر، ولعل ذلك الحال الذي ظهر به منتخب العراق تحدث عنه الكثيرون وانتقده أهل الرياضة لأن كل شيء مرصود، المتابعون والمتخصصون يرصدون عدد التمريرات وفترة الاستحواذ وعدد الكروت والركنيات والأهداف والأخطاء المرتكبة وسرعة الكرة وحتى على مستوى كل لاعب وكم عدد التمريرات التي لعبها والحاسمة منها وكم كيلو استطاع أن يجري داخل الملعب وعدد اللمسات والمهارات والمشاركات في المباريات والإصابات والكروت التي تحصل عليها كل لاعب، وما إلى ذلك من الأرقام والإحصائيات التي نعرفها كرياضيين وجمهور وعشاق للرياضة، كما أن الراصدين والتاريخ الرياضي سوف يسجل الفوز العراقي الذي تحقق بذلك الأسلوب.
لم تعد الرياضة مجرد “كوبة وكورة” وجري في الملعب وفوز وجمهور يحانك ويتمسخر بالفريق الآخر، لم يعد الأمر كذلك أصبح حتى الجمهور المشجع لناديه وفريقه ومنتخبه مراقبا كل شيء ابتداءا من السلوك إلى قدرت التشجيع حتى الرمق الأخير، ويشارك الجميع في تقييم أداء اللاعبين والمدربين والتأثير على قرارات رؤساء الأندية والاتحادات في كل شيء.
السؤال الكبير والعريض الذي يفرض نفسه: هل ذلك المنظر الكروي والأسلوب الرياضي الذي خطف به المنتخب العراقي الفوز هو مستقبل الكرة العربية؟.. وهل لدينا أخلاق رياضية تحفظ كرامة الرياضة والرياضيين واللاعبين وإبعادهم من الأساليب التي تكرس الفشل؟.
اعتقد أنه سؤال ليست له أي إجابة، لأننا لم نفهم من الرياضة إلا الاسم والتكتيك الفني الخبيث كما حصل في مباراة اليمن والعراق في بطولة غرب آسيا التاسعة للناشئين من إضاعة للوقت وتساقط اللاعبين كأوراق الخريف بشكل مضحك ومقزز بهدف قتل المباراة وسرقة الوقت، بل تم استقطاع ثلث المباراة في العلاج ليضمن ويحقق الفوز والانتصار تحت هذا المبرر التكتيكي، لأننا لا نمارس ولا نأخذ من الشيء الجميل إلا أقذره والسلبيات السيئة ونترك الإيجابيات ولم نفهم من الرياضة وكرة القدم إلا المكر والغلط والحقد متناسين الهدف السامي من جمال الرياضة وهو اللعب النظيف والراقي والفن والأداء والإبداع والأخلاق والروح الرياضية والاعتراف بالهزيمة وأسبابها والاعتذار عن الخطأ وتنمية المهارات وبناء جيل رياضي محترف قائم على العلم والمعرفة والتأهيل والتدريب وخالي من الخداع، كل هذا ليس فينا نحن العربان.. وكل عام وأنتم بخير.