لا يجوز التمسك بالحيازة في مواجهة المحكوم له بالملكية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

موضوع الحيازة والتمسك بها وسوء استعمالها وسوء فهمها يحتاج إلى مجلدات وليس تعليقات، ومن سوء فهم الحيازة وخطأ التمسك بها يأتي موضوع التمسك بالحيازة أو معارضة الحائز المحكوم له بحكم موضوعي بملكية الأرض حسبما أشار الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7 / 10 /2018م في الطعن رقم (61458)، الذي قضى في أسبابه بأنه ((فالثابت من الأوراق أن حيازة وثبوت المجني عليه المطعون ضده كانت بناءً على إجراءات تنفيذية قضائية لأحكام باتة أقرتها المحكمة العليا قضت تلك الأحكام باستحقاقه لثلثي موضع (…) وحيث أن الطعن المنظور في هذه القضية الجنائية لم يؤسس على أية حالة من حالات النقض المنصوص عليه في القانون مما يستوجب رفض الطعن)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: حجية الحكم الموضوعي بملكية الأرض
الحكم بملكية الأرض حكم موضوعي له حجيته الموضوعية الدائمة لأنه يفصل في موضوع النزاع ويحسمه بحكم موضوعي له الحجية والقوة القانونية، وبناءً على ذلك فان الحكم بالملكية يوجب على الحائز إخلاء الأرض وليس التمسك بحيازته في مواجهة المحكوم عليه بملكية الأرض أو معارضة المالك الحائز، لأن يد الحائز بعد الحكم بملكية غيره يد غاصب، فلا يجوز للغاصب أن يدعي الحيازة لأن القانون المدني قد اشترط لصحة الحيازة والتمسك بها أن تكون يد الحائز صحيحة.
الوجه الثاني: عدم تقادم الحكم بملكية الأرض
من المتفق عليه فقها وقضاءً أن الحكم القضائي له حجيته وقوته الدائمة، وتظل هذه الحجية بصفة دائمة حتى لو لم ينفذ الحكم حسبما سبق بيانه في تعليق سابق، فلا ترد على أحكام القضاء أحكام التقادم، فإذا لم يتم تنفيذ الحكم وتسليم الأرض المحكوم بها للمحكوم له، فان الحائز للأرض المحكوم بها لا يحق له التمسك بالحيازة مهما طال الزمن في مواجهة المالك المحكوم له.
الوجه الثالث: حيازة المحكوم له تمنع المحكوم عليه من التعرض
مثلما لا يجوز للحائز المحكوم عليه التمسك بالحيازة في مواجهة المحكوم له، فكذلك لا يجوز للمحكوم عليه التعرض للحائز المحكوم له حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، حيث إن الحكم البات الذي تم تنفيذه حجة على المحكوم عليه المنازع في الحيازة، فقد كان المعارض للحائز طرفاً في هذا الحكم الذي تكون له حجيته فيما بين الخصوم الأطراف فيه حسبما ورد في المادة (233) مرافعات التي نصت على أن(تحوز الأحكام القطعية الفاصلة في الموضوع حجية الأمر المقضي به بمجرد صدورها وفقا للشرع والقانون)، فالتعرض أو الادعاء على الحائز المحكوم له سيكون بمثابة فتح لنزاع قد تم حسمه بحكم موضوعي بات، وذلك محظور في المادة(12) من قانون المرافعات حسبما أشار الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع: حجية الحكم بأحقية الحائز بالنسبة لغير أطراف الحكم
من المعلوم أن الأحكام لا تكون لها حجيتها إلا بالنسبة للخصوم الذين فصل الحكم في خصومتهم، فلا تتعدى الحجية لغيرهم ممن لم يتصل بالخصومة أمام المحكمة المصدرة للحكم وفقا للمادة(234)مرافعات التي نصت على انه (تقتصر حجية الأحكام على اطراف الخصومة وموضوعها وسببها)، وتبعاً لذلك لا يملك المحكوم له التمسك بحكم الملكية في مواجهة من لم يكن طرفا في الدعوى التي فصل الحكم في موضوعها، غير أن الحكم الموضوعي بالملكية يكون له تأثير بالغ على مجريات الدعوى التي يرفعها الغير ضد الحائز المحكوم له، حيث إن الحكم الموضوعي لا يصدر إلا بعد تحقيق موضوعي تجريه المحكمة التي أصدرته حيث تتأكد من الملكية ووثائقها، ولذلك فان دحض المدعي من الغير ضد المحكوم له بحكم موضوعي سابق يكون في كثير الحالات خائبا، والله اعلم.
* الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا