عندما تبدأ الجراثيم المتراكمة فوق النفايات ومن على المستنقعات القذرة رحلتها من مكان إلى آخر عبر الرياح التي تعتبر وسيلة النقل الأبرز بالنسبة لها تنتقل بصورة خفية لتحط الرحال على أي كيان يقف في وجهها ومن ضمنه ذلك الطعام المكشوف الذي نراه اليوم ينتشر بشكل مخيف في شوارع المدن عبر أصحاب العربيات لتقف بعدها تلك الجراثيم عليه لعمل ترانزيت بسيط قبل أن تعاود السفر مرة أخرى .
وهذه المرة إلى أحشاء رواد هذه الأماكن والنتيجة لا تخفى عليكم تعدد الأمراض وارتفاع نسبتها بشكل ملحوظ .. تفاصيل أكثر عن الموضوع تجدونه في سياق هذا التحقيق..
إبراهيم البكيلي – مصور – يسرد لنا تجربته الأولى والأخيرة كما يقول مع أصحاب العربيات حين قال :لم أكن أتصور أن القليل من الكبدة التي يقوم أصحاب العربيات في باب اليمن بطبخها ستلحق بي كل ذلك البداية كانت عندما عاد إبراهيم من عمله في أستوديو تصوير هو وصديقه الذي أصر على أن يأكل معه كبدة من أصحاب إحدى العربيات حينها رفض إبراهيم ذلك في البداية ولكن صديقه أصر عليه وطمأنه حين قال له إنه يأكل منها بصورة شبه دائمة .
ذهب إبراهيم مع صديقه لتناول الكبدة وماهي إلا أمتار قليلة قطعها برفقة صديقه حتى قام بإرجاع كل ما في بطنه أمام النادي الأهلي ونفس الحال داهم صديقه أيضاٍ أمام الناس حينها شعر إبراهيم بالحرج الشديد من هذا الموقف حتى أنه امتنع من المرور عبر هذا الطريق لأشهر بعدها توجه إلى أقرب صاحب دراجة نارية فأخذه إلى البيت الذي بقي فيه لثلاثة أيام طريح الفراش ليس هذا فقط فقد اتبع ذلك إسهال وغثيان وهبوط شديد في الضغط مما دفع أهله لأخذه إلى طوارئ مستشفى الثورة العام في ساعة متأخرة من الليل.
ويعلق إبراهيم على قصته مع أصحاب عربيات الكبدة قائلاٍ :أين المجالس المحلية من هؤلاء الذين لا يهتمون إلا للربح ..¿ وأين التوعية الصحية من قبل وسائل الإعلام ..¿
(زيت أسود )
ياسر الأموي – مبرمج أجهزة إلكترونية هو الآخر كان ضحية لأصحاب العربيات الذين يبيعون طعاماٍ مكشوفاٍ كغيره من المواطنين ياسر كان في طريقه إلى حضور عرس لأحد أصدقائه في حي الجامعة وحين وصل إلى حديقة 26سبتمبر في حي الصافية داهمه الجوع وقرر شراء شيبس وطعمية من صاحب إحدى العربيات هناك وبعد ساعات قليلة من جلوسه في قاعه العرس شعر بمغص شديد أجبره على الذهاب إلى دورة المياه عدة مرات ولكن دون جدوى فقد اشتد الألم مما دفعه للخروج من القاعة والذهاب لإحدى الصيدليات القريبة لشراء مهدئ للمغص حتى يستطيع العودة إلى بيته بشارع خولان وما إن وصل البيت حتى عاد المغص مصحوباٍ بغثيان شديد صاحبه ليومين .
في السياق سألته عن تأكيده بأن ما تعرض له من وعكة صحية سببه الشبس والطعمية فأجاب: الزيت الذي كان يقلي به صاحب العربية أسود اللون من كثرة الاستخدام.
(الخطر أكبر)
الطعام المعرض للرياح يؤدي إلي الإصابة بأمراض عديدة هذا ما تقوله التقارير الطبية وللتوضيح أكثر توجهت بالسؤال لأحد الأطباء في مركز الناقورة الصحي بحي نقم لأجد ضالتي عند الدكتور (فيرورس) – روسي الجنسية – الذي قال لي إن هذا الأمر خطير للغاية ولا يمكن حصره بالتسمم الغذائي وبعض الأمراض البسيطة فهذا الطعام معرض للرياح والرياح بطبيعة الحال تحمل معها الفيروسات والجراثيم .
بعدها دعاني للخروج من المركز الصحي بصحبته إلى الجهة المقابلة من الشارع وأراني الكثير من النفايات المتكدسة لأيام وقال لي: هنا الخطر فهذه النفايات تحمل أمراضاٍ خطرة مثل التيفوئيد والملاريا التي تنقلها الرياح إلى الطعام المكشوف فيتضرر الإنسان منها لذا فالطبيب فيروس ينصح كل المواطنين في اليمن أن يبتعدوا عن الأكل من تلك الأماكن غير النظيفة للحفاظ على صحتهم.
(زيارة مستمرة )
بعدها توجهت إلى عيادة للإسعافات الأولية لمزيد من الإفادة فالتقيت بمساعد الطبيب هاني الباجلي الذي أخبرني بدوره أن أصحاب العربيات الذين يعدون الطعام في الشارع يتسببون بأمراض للكثير من الناس وهذا ما يحدث كل يوم حين تأتي إليه حالة أو حالتين يومياٍ مصابة بتلوث غذائي فيقوم بعلاجها.
ويضيف :هناك أيضاٍ حالات صعبة تأتي إلينا وقد مرت عليها ثلاثة أيام من المغص والغثيان الشديد حينها ننصح المريض بالتوجه لأقرب طبيب لمعاينة الحالة وهذا ما يحدث طوال العام تقريباٍ .
لذا يطالب بالحد من انتشار مثل تلك العربيات لأنها – حسب رأيه – تتسبب بالعديد من الأمراض أبرزها التسمم الغذائي كما أنها تنقل أمراضاٍ أخرى عبر (السحاوق) مثلاٍ الذي يغمس الزبون يده فيه وهي متسخة بالإضافة الي الأوساخ التي تتراكم تحت ظفره
وقال: على المواطن أن يعي مدى خطورة هذه الأماكن والأكل فيها وأن يتجنبها فهذا أسلم له
(التزام خطي)
من جانبه تحدث المهندس أحمد سعيد العواجي – مسئول صحة البيئة بمديرية آزال – قائلاٍ: الباعة المتجولون للأسف يبيعون الأمراض المختلفة للمواطن من خلال الأطعمة المكشوفة التي تتعرض للأتربة والغبار المحملة بالجراثيم التي تنقل الأمراض الخطرة كالتسمم الغذائي مثلا وغيرها من الأمراض.
وأكد قيامهم بحملات ميدانية لمنعهم من بيع الأطعمة المكشوفة للمواطنين وطلبة المدارس على وجه الخصوص وفي حالة القبض علي الباعة المتجولين يحالون للنيابة العامة التي بدورها تأخذ منهم التزاماٍ بعدم بيع هذه الأطعمة الضارة للمواطن.
(تعاون مشترك)
التوعية الصحية للحد من خطورة انتشار الطعام المكشوف أمر في غايه الأهمية خاصة في ظل غياب الوعي المجتمعي بمدى خطورة ذلك هذا ما يراه زكي الذبحاني المسئول الإعلامي في مركز التثقيف الصحي بوزارة الصحة العامة والسكان ويضيف إن انتشار مثل هذه الممارسات يشكل خطراٍ على صحة المواطن ونحن بدورنا كمركز إعلامي في وزارة الصحة نهتم بمثل هذه القضايا بشكل أكبر ولكن الدعم المادي المحدود الذي نحصل عليه لا يسعفنا للقيام بذلك لأن مثل هذه المواضيع ليست مسئوليتنا وحدنا ولكننا نساعد غيرنا ممن يتحملون المسؤولية تجاه توعيه المواطن والرقابة على أصحاب العربيات ولكننا في نفس الوقت نهتم بالمواضيع الأكثر أهمية كسوء التغذية وشلل الأطفال وغيرها من المشاكل الصحية.
وتمنى الذبحاني من القائمين على مركز الصحة البيئية أن يقوموا بعملهم على أكمل وجه تجاه مثل هذه القضايا وكذلك البلدية التي من المهم أن تقوم بواجبها بمنع هؤلاء الباعة من مزاولة مثل تلك الأعمال وأن تكون هناك شراكة فعلية بين كافة الجهات لمنع تلك الممارسات لمنع التي تضر بصحة الإنسان ولفت إلى أهمية حملات التوعية في المدارس لأنها ستحد من الإقبال على تلك المأكولات المكشوفة.
(غياب الرقابة )
من جانبه أكد فضل منصور – رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك – أن تناول الأطعمة غير النظيفة يتسبب غالباٍ بحالات من التسمم الغذائي كما أكد على أهميه تواجد الرقابة الصحية التي أصبحت في الآونة الأخيرة شبه معدومة. داعياٍ إلى تجنب أكل الطعام المكشوف لأنه عرضه للذباب والحشرات التي قد تتسبب بأمراض عديدة منها التهابات الأمعاء المختلفة والكبد غير الفيروسي (A) وغيرها من الأمراض التي تصيب الصغار والكبار معا.
ويرى منصور أنه المهم أن تقوم جميع الجهات المختصة بالتعاون المشترك لمواجهة انتشار مثل هذه الظواهر والحرص على سلامة المواطن وتوعيته بمدى خطورة تلك الأطعمة المكشوفة وغير النظيفة التي تؤذي صحة الإنسان والتكثيف من الرقابة والتوعية على أماكن بيع هذه الأغذية غير الصحية.
تصوير/ مراد مبروك