الوطن بين أنياب لعبة المصالح المتوحشة
يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي
هل من المعقول أن تبقى علاقتنا بالوطن على هذا النحو إما مرتهنين للخارج أو متربصين ببعضنا في الداخل مع الاستمرار في الدوران في حَلَقةٌ مفرغة نغالط فيها أنفسنا قبل الآخرين بالتلاعب بمفاهيم مغلوطة حول قضايا صارت بديهية أخطرها : مفهوم (السياسة مصالح ) الذي يردده البعض دون تفريق بين المصالح المشروعة وغير المشروعة وهذا المفهوم هو الحاكم المتحكم بنفوس وعقول العناصر والقوى السياسية التي تمكنت أو مُكِّنت من السيطرة على أهم مواقع سلطات الدولة لأسباب موضوعية داخلية وخارجية وأصبحت بقدرة قادر ممثل الشرعية خارج كل معاني الشرعية الحقيقية الوطنية والإقليمية والدولية في ظل غياب مشروع وطني يضمن مصالح جميع أبناء الوطن ويحافظ على سيادته ومقدراته من كل الأطماع الخارجية وفق علاقة واعية متوازنة بعيدة عن التبعية أو التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة ولأي سبب أو ذريعة لأن حل خلافات الجوار إنما تتم بالتفاهم والحوار واحترام مبادئ القانون الدولي أما التآمر والاستعلاء فلا يولِّد سوى الكراهية والحقد الذي يورث البقاء في دوامة العنف وإراقة الدماء ومزيد من المعاناة.
هذه الحقائق يفترض أنها صارت من البديهيات إذا ما كان ضابط الإيقاع محلي الصنع والمتنافسون على السلطة وطنيي الهوى والانتماء، وكانت المرجعية في حسم أي خلافات بين الأطراف المتصارعة أو المتنافسة قائمة على تجريم وتحريم التبعية للخارج والاستقواء به أو استخدام الدين وسيلة للوصول إلى السلطة وادعاء الحق الإلهي في احتكار الحكم، وأن يكون الالتزام بتطبيق الدستور المستفتى عليه استفتاءً نزيها دون أي شبهة في التأثير الخارجي أو الداخلي غير المشروع على إرادة المواطن المشارك في الاستفتاء.
هذه في اعتقادي أهم العناصر المبدئية الواضحة التي ينبغي على أي قوى سياسية وطنية محترمة يفرزها مجتمع حر التمسك بها وعدم المساومة عليها.
ومن الضروري كذلك التسليم بأن مدنية الدولة شرط موضوعي وأساسي لتحقيق هذه المبادئ والأهداف إذ لا يمكن بأي حال قيام دولة مدنية بدون وجود منظمات مجتمع مدني حقيقية وأحزاب وطنية مستقلة وفاعلة تعكس هموم المواطن وتمثله تمثيلاً ديمقراطياً وتسعى لتحقيق حلم الدولة اليمنية المنشودة غير القائمة على التخيلات والأوهام أو الصورية المعتمدة على إقصاء أو التآمر على فئة أو مذهب أو فكر بذاته أو التواطؤ مع أي سلطة حاكمة على ممارسة أي شكل من أشكال الترهيب أو الترغيب لتحقيق أهداف غير مشروعة ، مع الحرص على أن تكون علاقة الدولة اليمنية بجيرانها وبالعالم علاقة احترام متبادل لسيادة كل دولة واستقلالها ودون أي شكل من أشكال التدخل والتبعية أو الوصاية ، علاقة تبنى فيها المصالح المشروعة المشتركة على أسس وقواعد ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والحرص على تحقيقها.
ومن الأبجديات التي تقوم عليها الدولة المدنية المعاصرة (الحُلم) قيام السلطة في ظلها على اختيار شعبي حر وعلى الوعي بأن العزلة أو سياسة المحاور والمحاور المضادة خطرٌ على البلدان التي تتَّبعها وعلى العالم وأنَّ صناعة العزلة واحتواء الشعوب في عصر الانترنت وثورة المعلومات أصبحت من المستحيلات ولا تؤدي سوى إلى مزيد من الاحتقان وتتسبب في ظهور أشكال من المعارضة العنيفة الهدامة بدلاً من المعارضة السلمية البناءة وهو ما تستغله القوى المهيمنة على العالم المحكومة بسياسة المصالح المتوحشة التي تدير عملائها وشركائها بشتى أساليب المكر والخداع.
وأعتقد أنه بدون الوضوح في العلاقة بين أطراف العمل السياسي في الداخل الذين ما يزال لديهم ولو قدر يسير من الإحساس بالمسؤولية تجاه وطنهم وشعبهم وتجنب البقاء في أسر سلبيات التأريخ بدلاً من الاستفادة من إيجابياته وعِبَرِه، وبدون إدراك القوى الخارجية لأهمية بناء العلاقات على المصالح المشتركة المشروعة والوصول إلى قناعة صادقة بأهمية احترام هذه المبادئ بدون ذلك سنظل نحرث في البحر وسيبقى الجشع ينهش العالم مسبباً المزيد من المعاناة والآلام التي يعاني منها شعبنا أشد المعاناة بسبب عدم مبالاة البعض.
يارفاق الوطن
خففوا وطء أوهامِكم
كي تروا أن ما تصنعوه هباء
وأن العمالة عين الغباء.