السلع المدعومة .. لمواجهة فساد المنظمات وجشع تجار الحروب

 

في كل دولة توجد شريحة من الشعب لا تجد مالاً تكسبه يكفي لسد احتياجاتها الأساسية في ظل تفشي ظاهرة البطالة وتدني الأجور وكلفة متطلبات الحياة، إلا أن العالم يتحرك في اتجاهين: مساندة حكومية، ومساهمات مجتمعية.. وتبرز المأساة يمنيًا في ظل تداعيات العدوان والحرب والأزمات الاقتصادية العالمية.
تقرير/ سارة الصعفاني

وللمساندة الحكومية أشكال من بينها نظام التموين أو السلع المدعومة الذي تنتهجه الدول لتوفير مواد استهلاكية مندرجة تحت تصنيف « مواد تموينية أساسية « وضبط سعرها بما يتناسب والقدرة الشرائية لمتوسط دخل المواطن في كل بلد، وتختلف الدول في آلية تنفيذ نظام التموين وعدد المستفيدين منه؛ ويحكم اختيار دولة ما إحدى آليات تنفيذ نظام التموين قدرتها الاقتصادية، ومنسوب الفساد، ومستوى الوعي المجتمعي، وحدوث الأزمات السياسية والثورات ومدى توافر الوعود الانتخابية !
ولا تكتفي الدول بتخفيض سعر المواد الغذائية والخدمات للمواطنين في ظل وجود شريحة من محدودي الدخل والمعدمين، لذا تمنح الحكومات الفئات الأشد فقرًا بطاقة تموينية مدفوعة القيمة وفقاً لعدد أفراد الأسرة واحتياجاتهم، بموجبها يستطيعون شراء مواد التموين أو تسديد فواتير خدمات السكن على نفقة الدولة.
في حين ترى بعض الحكومات أن منح المواطن الفقير مبلغًا من المال ضمن كشوفات الضمان الاجتماعي أنسب وسيلة لتلبية احتياجات هذه الأسر بمساحة من الحرية والاستقلالية والكرامة لتحديد المتطلبات الفعلية حيث لا تقتصر الاحتياجات على المواد التموينية وخدمات السكن حيث مستلزمات التعليم والملابس ومتطلبات العصر في حدها الأدنى من ضروريات المعيشة.
وتتسيد دول العالم الثالث مشهد المعونات بفكرة السلة الغذائية الإغاثية متغيرة المكونات تبعًا لمنسوب الفساد وتزايد عدد المحتاجين وارتفاع ثمن السلعة- لكنها ليست دقيقًا وزيتاً وملحاً فقط كما تفعل المنظمات الإغاثية في اليمن – في حين تمنح دول كالسويد المقيمين في أراضيها من المعدمين رواتب شهرية.
وتسعى حكومات إلى وضع حلول جذرية للحد من الفقر والبطالة والزيادة السكانية وانفلات أسعار السلع والخدمات في ظل تناقص الموارد بتفعيل نظام الدعم لمساندة المعدمين ومحدودي الدخل إلى أن تجد حلاً لأزمة العوز وذل الحاجة إلى الغذاء والدواء والسكن. حيث يستهدف الدعم الحكومي تثبيت أسعار السلع والخدمات لإبقائها في متناول المستهلك والمنتج، وتقليص الفجوة بين فئات المجتمع، وتقارب مستويات الدخل أو على الأقل حصول الفقراء على طعام ومأوى.
وتتفاوت ميزانية نظام التموين من بلد لآخر؛ حيث يرى بعض الاقتصاديين أن الدعم يمثل شراء للسلم الاجتماعي بشكل مؤقت، ويكبد الحكومات ديونًا، ويجعلها عاجزة عن بناء دول قوية، ويذهب الدعم للمهربين والمحتكرين لا المحتاجين غير القادرين على امتلاك المال الكافي أساسًا إلا أن الدعم لم ينتهِ في جميع دول العالم، وخاصة في الأزمات المحلية والدولية.
إذ يحقق الدعم الحكومي أهدافًا اقتصادية واجتماعية منها: حماية محدودي الدخل، وتوسيع فرص حصولهم على السلع والخدمات الأساسية، وتوزيع الثروة، وتقليص التفاوت في مستويات الدخول، والحد من تقلبات أسعار السلع الأساسية، ودعم استقرار الأسعار، ودعم الإنتاج والمنتجين، ورفع القدرة التنافسية للقطاعات الإنتاجية المحلية.
إلا أن الدعم دونما تفعيل الرقابة والمساءلة دفع دولاً لاستبدال نظام السلع المدعومة حكوميًا الذي يشمل جميع المواطنين بتخفيض الأسعار بنظام تموين مقتصر على شريحة المعدمين بعد أن استغل تجار الأزمات الدعم الحكومي باحتكار وتهريب سلع مدعومة، فضلاً عن ما يحدثه دعم غير المستحقين من ذوي المشاريع الاستثمارية من هدر لاحتياطي البنك المركزي عبثًا. إلا أن نظام التموين بالبطاقة قد تغيب عنه العدالة إذ قد يشمل من يملكون القدرة الشرائية ويستبعد الفقراء في حكومات تحمي الفساد، ما دفع تلك الدول لإلغاء ميزانية الدعم أو خفض قيمتها متسببةً في اتساع معاناة المواطنين.
وتبقى الاحتياجات الإنسانية المتقاربة من تصنع الأزمة الغذائية والدوائية عالميًا، وتزيد العبء المالي والرقابي على الدولة. على أن الدعم الدوائي هو ما تجمع عليه الدول إذ أن من الأمراض ما لا يستطيع أحد تحمل كلفته كالسرطان والأمراض المزمنة والنادرة دون مساعدات خيرية ودعم سخي من خزينة البلد، كما تجمع الدول أيضاً على دعم منتجات الصغار كحد أدنى لتنمو أجيال سليمة جسديًا وعقلياً، وهذا ما لا نجده في اليمن الذي يعاني أبناؤه من سوء التغذية الحاد والوخيم؛ لتدني مستوى الوعي الذي يمنع الأب من شراء الحليب والفواكه لأطفاله، وغياب الدعم الحكومي، و» هشاشة « الرقابة على أسعار فوق القدرة الشرائية للمواطنين.
تاريخيًا بدأت سياسات الدعم الحكومي كأحد أشكال المساعدات المالية بتقديم الإعانات للقطاع الزراعي في بداية القرن التاسع عشر، وتم تطويرها في أوروبا وأمريكا خلال الحربين العالميتين لحماية الإنتاج المحلي من الأغذية. على أن دعم الدول مواطنيها بتخفيض أسعار المواد الغذائية والخدمات هو الدعم الأكثر شيوعًا، كما تدعم الدول الإنتاج عبر الاستثمار كما حدث بعد الأزمة المالية في عام 2008 في إسبانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا، فضلاً عن دعم المؤسسات والشركات لمواجهة البطالة.
وتنقسم أشكال الدعم من حيث النظرة إلى العبء المالي على الموازنة العامة إلى دعم مباشر يتمثل في اعتمادات مالية تدرج في الموازنة العامة للدولة على السلع والخدمات المدعومة أو دعم غير مباشر يتمثل في تنازل الدولة عن جزء من الإيرادات العامة المستحقة من أجل خفض الكلفة المالية للسلع والخدمات التي يشملها الدعم إلى أقل من تكلفة الإمداد والتوزيع.
ولا تزال الدول المتقدمة تمنح الدعم الحكومي لارتفاع الأسعار عالميًا رغم القدرة الشرائية، والصناعات الوطنية، وتفعيل القوانين، والأجور المرتفعة، وسعر الصرف، وثقافة الإنتاج، والمشاريع الخيرية، وتتنافس على زيادة عدد المستفيدين من الدعم وتوسيع قائمة السلع المدعومة، إلا أن ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء وأسعار النفط وبعض السلع الأولية ينعكس على الأوضاع المالية في العديد من الدول، ويحد من سياسات الدعم الحكومي النقدي وغير النقدي.
وللدول العربية تجربتها في نظام التموين أو الدعم كأحد أدوات الضمان الاجتماعي، ووفقًا لصندوق النقد العربي تدعم معظم الدول العربية مواطنيها بخفض أسعار بعض السلع والخدمات إلى أقل من تكلفة إنتاجها أو تكلفة استيرادها، وتمنح إعفاءات ضريبية وجمركية، وتقلل قيمة الرسوم الحكومية، وتنقص سعر الصرف إلى أقل من السعر الرسمي لاستيراد بعض السلع، فضلاً عن تخفيض الفائدة على القروض الموجهة لبعض القطاعات، والدعم النقدي الموجه إلى شرائح معينة.
ويشمل نطاق الدعم الحكومي دعم منتجات الطاقة، دعم السلع الغذائية الأساسية، دعم الخدمات الاجتماعية، دعم الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي، دعم الهيئات والمؤسسات والشركات لرفع كفاءتها في توفير السلع والخدمات.
وتضع بعض الدول العربية آليات لاستهداف الشرائح المستحقة مثل وضع سقف استهلاك محدد يتم على أساسه منح الدعم؛ في الأردن ومصر والسودان يتم خفض تعريفة خدمات الكهرباء لفئات الاستهلاك الأدنى، كما يخصص كل بلد ميزانية لدعم سلع أو خدمات محددة؛ إذ تدعم دولة فلسطين والسودان خدمات النقل، وتدعم عُمان مواطنيها بخدمات الإسكان في حين تستثني كل من الأردن والجزائر ولبنان ومصر مياه الشرب وخدمات النقل من الدعم مقابل الغذاء المنخفض السعر.
وتفرض الحروب نظام الدعم الغذائي إذ يتدهور الوضع المعيشي للفقراء تحت خط الفقر، ورغم تعثر الإيرادات إلا أن ميزانية الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية والحلول البديلة تتجه صوب دعم الغذاء كأولوية مرحلية؛ في العراق بدأ نظام التموين بالبطاقة السلعية عقب فرض عقوبات أمريكية في أغسطس عام 1990، تكونت الحصة التموينية من الطحين والأرز والسكر والزيت والحليب والبقوليات والشاي، واستمرت المعونات شهريًا إلى عام 2003م، بعد ذلك تم استبعاد الحليب والبقوليات والشاي من السلة الغذائية التي أصبحت تصل كل عدة أشهر نتيجة الفساد الإداري والمالي، وشحة الموازنة العامة، واستمرار الحصار الأمريكي والتفجيرات الإرهابية ، في الوقت الذي كان أرخص على المستهلك الأمريكي شراء البنزين من شراء المياه المعدنية.
وفي العام الماضي2021م أعلنت الحكومة العراقية تخصيص 446 مليون دولار لدعم المواطنين في ثلاثة مواد تموينية هي السكر والزيت والأرز وفائض من الحنطة والطحين فقط من العام الماضي، إذ تقلصت ميزانية الدعم بعد سنوات من الحرب، كما تقلصت في تونس بنحو مليون دولار، وبلغت ميزانية الدعم 1.2 مليار دولار لدعم الغذاء، ومبلغ مليوني دولار لدعم المحروقات في العام الماضي 2021م وسط مطالبات بتخفيض سعر مواد استهلاكية ذات قيمة غذائية كالبيض واللحوم والفواكه حيث بدأ الدعم في تونس مبكرًا منذ عام 1970م بتخفيض ثمن بعض المواد الغذائية الأساسية من زيت وقمح وحليب وبقوليات.
وتدعم الدول مواطنيها في الأزمات العالمية بتخفيض أسعار السلع الأساسية خصمًا من حجم الموازنة العامة والنقد الاحتياطي؛ حيث دفعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا مصر لتخفيض أسعار المواد الغذائية خاصة القمح والأرز الذي تستورده من روسيا بسعر مخفض، وتعد أوكرانيا رابع دولة مصدرة للقمح والذرة الصفراء، ما يفرض دعمًا حكومياً لأهم سلعة غذائية تعتمد عليها الشعوب الفقيرة ومنها بلادنا، وفي هذا الشأن صرح المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي في اليمن ديفيد بيسلي لوكالة الأنباء الفرنسية « كنا نظن أننا وصلنا إلى القاع، لكن لا، الحال أسوأ نحن نحصل على نصف طلباتنا من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، سيكون لهذه الحرب تأثير مأساوي على البلد «.
ويعد نظام الدعم الحكومي حلمًا لدى دول منكوبة كاليمن الذي يعاني شعبه من ويلات العدوان، والاحتراب، وتوقف الرواتب، وتدني الأجور، والبطالة، والفقر المدقع، ورغم عدم وجود ميزانية في ظل توقف الاستثمارات والتصدير في زمن الحرب إلا أن المجاعة على بعد خطوة من اليمنيين بعد 7 سنوات من القتل والتدمير فضلاً عن الجوع وسوء التغذية وهشاشة العظام، كما أن 80% من المواطنين بحاجة إلى أحد أشكال المساعدة الإنسانية، وفقًا للواقع ومؤشرات تقارير دولية، ما جعل بعض المواطنين يتلقون معونات غذائية مذلة، شحيحة القيمة الغذائية، لا تكفي، ومتقطعة حد التوقف من بعض المنظمات الدولية كمشاريع استثمارية لتجار حروب دوليين ومحليين في حين لا يجد من تحسبهم أغنياء من التعفف كسرة خبز في بيوتهم أو مياه معقمة، ما يفرض مساهمة حكومة الإنقاذ في زمن الحرب والمجاعات بدعم المواد الغذائية وفي مقدمتها القمح والبقوليات وحليب الأطفال، وفرض الرقابة ليشتريها المواطن بسعر مخفض، ودعم الإنتاج المحلي .. ليوقف الدعم الحكومي مهزلة كشوفات استغلال المواطنين وإذلالهم تحت لافتة « منظمات إنسانية إغاثية « التي لتتكسب وتسد فراغًا لكنها لا تسمن ولا تغني من جوع.

قد يعجبك ايضا