علاقة الدولة بالرياضة

د. جابر يحيى البواب

 

 

أصبحت الرياضة عنصرا من عناصر الفخر والاعتزاز الوطني للدول المتقدمة والنامية، وعاملا من عوامل الاحتواء وفرض هيبة الدولة بشكل مرضٍ ومرغوب، بحيث باتت هذه الدول وخصوصا المتقدمة تستغل الرياضة من أجل إبعاد الشباب عن السياسة، والتعبئة والتأثير على الجماهير لصالح العمل السياسي خاصة أثناء الأحداث الرياضية الكبرى كبطولة كأس العالم لكرة القدم أو الدورات الأولمبية الدولية والمحلية أو غيرها من المنافسات الرياضية وخاصة الألعاب التي تحظى بقبول كبير لدى الشباب والجماهير الرياضية عامة، ولقد حرص القادة السياسيون في مختلف دول العالم على استثمار المناسبات الرياضية في تحسين شعبيتهم، والعمل على تميز دولهم من خلال استضافة البطولات الرياضية الكبرى “الدولية والإقليمية والعربية”، البطولات التي غابت عن اليمن منذ الحصار والعدوان والذي أثر كثيراً على النشاط الشبابي والرياضي والنظرة الضيقة للرياضة والتي مفادها أن الرياضة مضيعة للوقت والجهد والمال.. بينما تنظر لها الدول المتقدمة بنظرة مستقبلية منفتحة على كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والسياحية، باعتبار أن الرياضة لها نصيب في تحقيق مزايا المجلات المذكورة، لذلك فإن هذه الدول توليها اهتماما سياسيا كبيرا.
وفى ظل هذا الاهتمام السياسي من رأس الدولة، يرى المصريون أن علاقة الدولة بالرياضة حكمتها على مدى تاريخها ثلاث مدارس رئيسية.. المدرسة الأولى، وتعطى الأولوية لدور الدولة، وهى المدرسة التي كانت سائدة منذ ثورة 23 يوليو 1952م، وعبّرت عن وجودها في عدة مظاهر أهمها حرص رئيس الدولة على حضور الفعاليات الرياضية والظهور بمنظر “البطل الداعم”، ووجود كيان حكومي معني بالرياضة ومقدم للخدمة الرياضية المدعومة على نحو يناظر تلك المقدمة في مجالي التعليم والصحة، والاحتكام إلى إطار تشريعي قوي يجعل الدولة هي المحرك الرئيسي للنشاط الرياضي، وهذا الأمر كان واضحا في سياسة الدولة اليمنية بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر 1963م وخصوصا في بداية الثمانينيات، أي أن التجربة المصرية تم تطبيقها في اليمن بعد الثورة المصرية 23 يوليو 1952م.
حيث بدأ الإطار التشريعي بتشكيل المجلس الأعلى للشباب والرياضة ومن ثم إصدار قانون الشباب والرياضة وتحول المجلس إلى وزارة الشباب والرياضة بقانون 1995، أيضا قانون إنشاء صندوق رعاية النشء والشباب الذي نظم العمل الرياضي في اليمن منذ إصداره وحتى ظهور الحصار والعدوان، فقد أخضع هذا القانون جميع “الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة ماليا وتنظيميا وإداريا وفنيا وصحيا لإشراف الجهة الإدارية المختصة”، وهي وزارة الشباب والرياضة، التي لها في سبيل ذلك “الاطلاع على جميع دفاتر الهيئة ومستنداتها ومتابعة أنشطتها المختلفة”.
المدرسة الثانية، تعطى الأولوية للرياضة كنشاط أهلي تديره هيئات رياضية لها جمعياتها العمومية المستقلة ومجالس إداراتها المنتخبة، وتركز هذه المدرسة على ضرورة استقلالية الحركة الرياضية المصرية بمعزل تام عن وزارة الشباب والرياضة التي ينبغي إلغاؤها، وإعطاء جميع اختصاصاتها للجنة الأولمبية، وهى المدرسة السائدة في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، التي يناصرها البعض ولكن من باب إعطاء الاستقلالية التامة للجنة الأولمبية والاتحادات مع بقاء الوزارة ودورها الإشرافي والرقابي على الاتحادات، باعتبار أن الوزارة هي الممول والداعم “فكرة تنظيم العلاقة بين الوزارة واللجنة الأولمبية لا زالت مفقودة”.
المدرسة الثالثة، هي المزج بين وجود دور إشرافي للدولة ممثلة في وزارة الشباب والرياضة وبين ضمان استقلالية الحركة الرياضية، وتقوم هذه المدرسة على فكرة التمكين المتبادل، وتأكيد العلاقة التكاملية بين مؤسسات الدولة والنشاط الرياضي، فزيادة قوة الهيئات الرياضية ليس من شأنها بالضرورة إضعاف دور وزارة الشباب والرياضة.. وبالمنطق نفسه، فإن زيادة القدرة المؤسسية للوزارة ليست بالضرورة خصما من استقلال الحركة الرياضية، وهذا ما تسعى إلى تحقيقه المدرسة الأخيرة التي ظهرت ملامحها بجلاء في مصر نهاية العام 2017م بعد إصدار قانون الرياضة المصري رقم 71 لسنة 2017م، الذي أعطى الهيئات الرياضية الحق في وضع نظمها الأساسية الخاصة بها من خلال جمعيات عمومية تنعقد لذلك الغرض، واحتفظ لوزارة الشباب والرياضة بدور الإشراف المالي والرقابي على عمل هذه الهيئات دون تدخل فني في شؤونها، وفعّل هذا القانون من دور اللجنة الأولمبية، كما انطلقت هذه المدرسة من تعدد مراكز القوى في مجال الرياضة بحيث لم تعد تقتصر فقط على وزارة الشباب والرياضة بوصفها الجهة الإدارية المركزية في القانون، وإنما لتشمل اللجنة الأولمبية، والاتحادات الرياضية، والأندية الرياضية، وشركات القطاع الخاص لاسيما في مجال الرعاية، والإعلام الرياضي، والروابط الرياضية.
“خالص التحية للجنة التشريعات في وزارة الشباب والرياضة التي تفتقر إلى عنصر المقارنة والاستفادة من تجارب الآخرين”.

قد يعجبك ايضا