يأتي عيد الجلاء أو عيد الاستقلال اليمني بعد جلاء آخر جندي بريطاني عن عدن في الـ30 من نوفمبر 1967م.. ولكن بأي حال عاد؟
قبل أن أسأل عن حال اليمن اليوم، أحب أن أذكر بتضحيات أبناء اليمن شمالاً وجنوباً في سبيل التحرير ونيل الاستقلال الناجز بعد قرابة 130 عاماً من الاحتلال البريطاني الغاشم الذي عمد إلى تجزئة وتفتيت اليمن إلى “كانتونات” صغيرة تسمى مشيخات وسلطنات وإمارات، بلغ عددها 23، مستخدماً سياسة (فرق تسد) وأساليب الدس والوقيعة واللعب على وتر التناقضات الاجتماعية البسيطة التي عمل على تغذيتها باستمرار مستهدفاً بالدرجة الأولى ضمير اليمن الواحد ومصير أبنائه المشترك.
يأتي عيد الجلاء هذا العام واليمن يواجه مشاريع احتلالية عديدة بيافطات ومسميات مختلفة تنفذها أدوات إقليمية لخدمة أطماع استعمارية كبرى قديمة جديدة بتعاون من قبل أدوات محلية رخيصة تدغدغ عواطفها طموحات المشاريع الصغيرة ويُسيل لعابها المال السعودي والإماراتي المدنس.
ففي هذا اليوم يسأل اليمنيون: هل يشهد اليمن اليوم احتلالاً أمريكياً أقول نعم، هل يشهد احتلالا بريطانيا وإسرائيليا وسعوديا وإماراتيا؟ أقول نعم.. فالأحداث والوقائع على الأرض تثبت ذلك، ولا خيار أمام شرفاء وأحرار اليمن غير مقاومتهم ومواصلة الكفاح المسلح لطردهم مدحورين أو يلقون حتفهم في مقبرة الغزاة عبر التاريخ .
وتاريخياً، كان اليمنيون يلجأون ويطلبون المساعدة من القوى الصديقة الأجنبية لطرد الاحتلال وتحرير وطنهم .. لكن يبدو أن الآية انقلبت والمعادلة تغيرت في هذا الزمن العربي الرديء، الذي بات فيه اليمنيون يعينون الأجنبي على احتلال وتمزيق بلدهم وقصف الجبهة الداخلية ومشاعر وأواصر الوحدة الوطنية وثوابتها الجامعة وذلك دون هوادة أو وازع من ضمير!!
لم يعد لدى كثير من اليمنيين – للأسف- ولاء شريف للوطن.. فصارت التبعية والارتهان للوصاية الخارجية بوصلة الباحثين عن المصالح الضيقة والحسابات والمشاريع الصغيرة التي تنسجم مع سياسات وخيارات أعداء اليمن الحر.
لا شك أن التاريخ سيعيد نفسه وستشهد اليمن ثورة كبرى ضد المستعمر وأعوانه.. ولا قلق ما دام هناك رجال صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه.
“خلي عيونك ساهرة ما يهم لو ذقت القهد
منك تعلمنا الصمود ما با يهزك ريح..
تبقى كما انته وأنا دايم معك دايم معك..
بالروح لك بانجود ما با يهزك ريح..
ما با يهزك ريح يا هذا الجبل مهما حصل ..
ولا العواصف والرعود ما با يهزك ريح”.
ما سبق، أبيات من نشيد وطني كان يشدو بها الجنوب اليمني بعد الاستقلال .. وحينما كانت ترقص الحكومة مع الشعب صاحب المصلحة الأولى في الحرية والاستقلال والاستقرار.
تحية لكل وطني غيور ينبذ ويقاوم الاحتلال بكافة أشكاله وأنواعه.
جاء عيد الجلاء واليمن في مآتم، يحترق بنار الاحتلال الجديد القديم الذي يوزع الموت والفقر على الجميع، وما يعيد الأمل إلى النفس الكارهة لقوى الاحتلال البغيض هو استمرار التحدي ومواصلة الصمود الوطني المحمول على جناحي ثورة 21 سبتمبر -الحرية والاستقلال.
فلا بد لليمني أن يشد مئزره من جديد، ويعزف أجمل الانتصارات ويسطر أقوى الملاحم والبطولات زجراً وردعا وطرداً لشذاذ الآفاق، الذين أفسدوا أرض اليمن ونهبوا خيراتها ونالوا من سيادتها وقدسية هويتها الإيمانية ومركزها الحضاري الذي مد العون والمساعدة للآخرين.
فتباً للعقوق.. سحقاً للغزاة .. واللعنة على المتخاذلين.