مدير عام محطة أبحاث تهامة بالكدن – محافظة الحديدة المهندس محمد علي عبدالله سالم لـ “الثورة”: ثورة 21 سبتمبر أولت الزراعة أهمية كقطاع أساسي في الاقتصاد اليمني
هل البحوث الزراعية- كمؤسسة وطنية بحثية- انحرفت كثيرا عن مسارها وهدفها الذي أقيمت من أجله خلال عقود ما قبل ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م؟ وهل ستشهد هيئة البحوث والإرشاد الزراعي تغيراً حقيقياً، بعد كل ذلك التدمير الذي تعرضت له سواء بسبب فساد الإدارات السابقة أو بما تعرضت له بعض منشآتها من القصف والنهب الممنهج من قبل الإدارات السابقة؟ وما هي توجيهات قيادات ثورة الـ 21سبتمبر الخالدة من أجل تصحيح انحراف هذا المسار؟.
كل تلك القضايا وغيرها من هموم ومعاناة المزارع التهامي هي ما تم طرحه على طاولة مدير عام محطة أبحاث تهامة بالكدن محافظة الحديدة المهندس محمد علي عبدالله سالم، والذي بدوره أوضح في معرض رده على تساؤلات “الثورة” ما يربط المحطة بالمزارع هو علاقة شراكة متكاملة الأركان لاسيما وأن حكومة المجلس السياسي الأعلى ومن خلال محددات الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة صارت تسلط الضوء على هيئة البحوث الزراعية باعتبارها لبنة أساسية لا تتم العلميات الزراعية إلا بحضور فاعل وملموس للبحوث والدراسات، فإلى تفاصيل اللقاء:الثورة/
يحيى الربيعي
في البداية، حدثنا نبذة مختصرة عن محطة أبحاث تهامة؟
– محطة أبحاث تهامة هي محطة أبحاث زراعية في الجانبين النباتي والحيواني، تقدم ابحاثها خدمة للمجتمع، حيث تقوم ببحث المشكلات والمعاناة التي تواجه مزارعي المحاصيل النباتية ومربيَّ الثروة الحيوانية كي يتم علاجها أو إيجاد حلول تقنية لها في محطة أبحاث تهامة.
المحطة تعرضت لغارة جوية في يناير 2016م، وهي الغارة التي أدت إلى تدمير البنية التحتية من معامل ومختبرات وآليات بالإضافة إلى إهلاك البذور التي كانت تمثل الأصول الوراثية، وبذور محسنة تم إتلافها بالكامل، وبعدها توقفت المحطة حوالي سنتين.
ومع بداية الثورة الزراعية تم إعادة تأهيل المحطة، وبدأنا بعملية إكثار مخرجات البذور التي كانت تخرجها المحطة بعد طلبها من بنك الجينات في محطة ذمار، وتم توزيعها على المزارعين كونها بذور جيدة ومرغوبة لدى المزارعين.
هل يمكن أن تطلع القارئ على نبذة عن هذا البنك، وعن تاريخ الزراعة في اليمن،؟
– اعتمدت اليمن قديما على محاصيلها الزراعية كاحتياطي نقدي للبلد، حتى نهاية الخمسينيات، وتشير إحدى المصادر التاريخية إلى أن اليمن إبّان حكم الإمامة، اشترت بعض المشتقات النفطية من بينها مادة الكيروسين “الجاز” التي كان يستخدمها السكان لإنارة المصابيح، من السعودية عن طريق مقايضتها بمحاصيل البن والحبوب عوضاً عن المال.
وحسب تصنيف القبو الدولي للبذور في سفالبارد بالنرويج الذي افتتح في 2008م، فإن اليمن تعتبر واحدة من ضمن 7 مناطق في العالم، صُـنـفت على أنها مهد الزراعة القديمة. والتي حددها العالم الروسي الكبير “نيكولاي فافيلوف” في أوائل القرن العشرين، ضمن أبحاثه الهامة في مضمار أصول النباتات والبذور، وهو الأمر الذي كشفت عنه مجلة “ناشيونال جيوجرافيك” العربية، في عددها العاشر، يوليو 2011م.
كما أن خريطة “مناشئ المحاصيل المزروعة”، التي وثقها القبو الدولي للبذور بالنرويج (وهو أكبر بنك في العالم لحفظ البذور من الانقراض)، أوضحت أن اليمن يعد منشئاً لمحاصيل القمح والشعير والشوفان والقطن.
أما بالنسبة للبنك، فيتبع هيئة البحوث والإرشاد الزراعي، ويعد من إرث اليمن الزراعي في الوقت الراهن لحفظ البذور والأصول الوراثية منذ الخمسينات (ضمن 1400 بنك بذور في العالم)، وأعلم أن المركز الوطني للأصول الوراثية يحتفظ بأكثر من 5 آلاف نوع من بذور وعينات نباتية و60 محصولاً زراعياً.
كيف تصف لنا الحالة التي كانت عليها البحوث في عقود ما قبل الـ 21 سبتمبر؟
– كانت هناك انحرافات كبيرة في مجال البحوث والإرشاد الزراعي بصورة عامة.. ويكفي أن تعرف أن الباحث حينها كان مجرد عابث لا يهمه سوى الميزانيات، وكم سيكسب من وراء هذا البحث أو تلك الدراسة، وكذلك هو المرشد الزراعي.. لذلك ظلت معاناة المزارع اليمني الذي ينبغي أن تعمل البحوث من اجل حل مشاكله غائبة عن البحث ومنسية من الإرشاد.
وما الذي تدركه الآن من بشائر التصحيح؟
– ما تقوم به اللجنة الزراعية والسمكية العليا بالتعاون مع مؤسسة بنيان التنموية مع هيئة البحوث الزراعية هو إعادة النظر فيما هو قائم، وبذل الجهود من أجل إعادة الاعتبار للبحث العلمي المرتبط أساسا بتكوين الهيئة، والذي تراجع كثيراً خلال العقود الماضية، لدرجة توقفت فيها الهيئة عن تنفيذ أي بحث علمي زراعي، لتطوير وإنتاج التقنيات الزراعية الحديثة.
وتسعى الزراعية العليا ومؤسسة بنيان من خلال تركيز اهتمامها بالثورة الزراعية وعلى البحوث بدرجة أساسية إلى تأكيد أهمية الحفاظ على محاصيلنا الزراعية التي طورها الأجداد لاسيما وأن عشرات المحاصيل التي اشتهر بها اليمنيون بدأت بالانقراض التدريجي، لدرجة أننا فقدنا بعضا من الأصول الجينية، وصرنا نستورد البديل غير المناسب لها من الخارج.
الآن، بحمد الله، بات الجميع يدرك أن القطاع الزراعي هو القطاع الأساسي لليمن، كونه لا يتأثر بالتقلبات الخارجية كما تتأثر بقية القطاعات كالنفط مثلاً؛ ولكي ينهض هذا القطاع، فقد أدرك الجميع أنه ينبغي الاهتمام بالبحث العلمي الزراعي، كون انتعاش الزراعة اليمنية مرتبط بعودة هيئة البحوث الزراعية لدورها العلمي.
نعود إلى موضوعنا، كم حجم البذور المتوفرة لديكم وتلك التي يتم توزيعها حاليا؟
لدينا أربعة أصناف من محاصيل الدخن، الكدن 1، الكدن 2، الكدن 3، الكدن 5، والتي تم إكثار في المحطة بكمية تقارب 200كيلو التي تم إكثارها على أساس أن يكون لدينا مخزون لعام 2021 – 2022م، ولدينا خطة توزيع البذور للمزارعين على مستوى إقليم تهامة بالكامل بكميات محدودة وفق تقسيم مناطق محافظة الحديدة المختلفة بحسب مواسم سقوط الأمطار، وكذلك تجريب مخرجات المحطة من البذور أو هيئة تطوير تهامة أو التي يمكن أخذها من المحطات الإقليمية الأخرى أو من المزارعين النموذجيين في إطار توجه الدولة نحو الاكتفاء الذاتي في محاصيل الحبوب الأساسية في الغذاء، وبالتالي نأخذ الحبوب التي تتوفر لدينا إمكانيات إكثارها هنا أو البيئة المناسبة لها، ونسعى إلى اختصار الوقت بعمل التجارب عند المزارع بشكل مباشر من أجل تقليل الجهد واختصار الوقت، وبالتالي نوفر إمكانية أن يتبنى المزارع نفسه تقنية الإكثار في حال أن لاقت البذور رواجا بحيث يتم تبنيها من قبل المزارع.
كم المدة القانونية التي يفترض أن تأخذ عملية الإكثار؟
– كنا نأخذ ما بين 3 – 4 سنوات في مسارات اختبارية قبل اطلاقها للمزارع، الآن عندما نقوم بالتطبيق المباشر لدى المزارع يتم اختصار المدة.
ماذا تربطكم كمحطة أبحاث lن علاقة بتدخلات المنظمات لاسيما في مجال البذور؟
-لا علاقة لنا بالمنظمات، ولم يسبق لنا أن تعاملنا معهم.
تقول لا علاقة، ويقال إن المنظمات هكذا تدخل البذور صالحة، وفاسدة، ومخصي، وملوث ومريضة، وبعضها تجري تجارب لمراكز أبحاث أجنبية بمحسنات ضارة بالتربة؟
– للأسف، قبل توجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله بانطلاق الثورة الزراعية في العام 2017م، دور الأبحاث كان مغيبا تماما، فلم يسبق أن احيلت إلينا أي كميات أتت عن طريق منظمات بصورة رسمية أو غير رسمية بغرض فحصها واختبار صلاحيتها من عدمها سواء لسهل تهامة أو لغيرها أو حتى تشتري من منتجات المحطة بذورا.
وماذا عن التشريعات، هل كانت تخول للمحطة اتخاذ أي إجراء في هذا الاتجاه؟
-يفترض قانونا ألا تمر أي بذور أو مدخلات زراعية إلا عن طريق هيئة تطوير تهامة ومحطة الأبحاث، الجهتان المخول لهما إدارة العملية الزراعية في سهل تهامة بالكامل في الجانب النباتي أو الثروة الحيوانية بالإضافة إلى “المحاجر”، هذه الجهات الثلاث التي يفترض ألا تدخل أي بذور إلا عن طريقها.
طيب، ما الصفة التي منحت المنظمات بموجبها صلاحية التدخل خارج إشراف هذه الجهات التي تكلمت عنها؟
-الكثير من المنظمات يتم الترتيب لها عبر مقاولين من المجتمع المدني المحلية على مستوى اليمن، وهي التي تقوم بنشر هذه البذور بين المزارعين وعرفنا بالمصيبة بعد ما انتشرت لدى المزارع. في البداية كانت تنسق المنظمات مباشرة مع منظمات المجتمع المدني بحيث تتولى الأخيرة توزيع البذور، وبعضها كانت تتعامل مع المزارع بصورة مباشرة وعلانية.
وما هي المعالجات التي وضعتها إدارة الثورة الزراعية حاليا؟
– الآن العملية تسير بطريقة سرّية، خاصة بعد أن أصدرت اللجنة الزراعية والسمكية ووزارة الزراعة والري توجيهات بتحجيم دور المنظمات، بالإضافة إلى ما يفرضه المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية على المنظمات من شروط التنسيق مع الجهات ذات العلاقة في الزراعية العليا ووزارة الزارعة والهيئة العامة لتطوير تهامة والمحاجر والمحطة. وقد منع توزيع أي بذور إلا عن طريق جهة مختصة وبواسطة مهندسين زراعيين مختصين بهيئة البحوث أو هيئة تطوير تهامة، وبعد فحصها وإجراء الاختبارات لتعيين مدى صلاحيتها وتعيين التربة المناسبة لزراعتها.
– وماذا عن الآثار التي أحدثت مرحلة التسيب والإهمال كيف يمكن معالجتها؟
-الحمد لله، لم يصل الأمر إلى مستوى من الخطورة التي يصعب معها إيجاد الحلول، والحقيقة أننا لم نخض في البحث في هذا الجانب، لكن في الفترة السابقة نحن وزعنا بذور الدخن والذرة الرفيعة، والآن لدينا مشروع الذرة الشامية، لكن في الفترة السابقة كانت هناك مشكلة بالنسبة للإنبات.
وما الدور الذي يربط المحطة بالمزارع في ظل الحراك الثوري ؟
– ما يربط المحطة بالمزارع هي علاقة شراكة متكاملة الأركان لاسيما وأن حكومة المجلس السياسي الأعلى ومن خلال محددات الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة صارت تسلط الضوء على هيئة البحوث الزراعية باعتبارها لبنة أساسية لا تتم العمليات الزراعية إلا بحضور فاعل وملموس للبحوث والدراسات.