“كل شيء كان جميلا ، والوضع كان مستقرا ، والخير كان في الطريق ، ولم يكن هناك داع لما أحدثه الناس من اضطرابات وبلبلة .. كنا في أمن وأمان” .. بهذا المنطق الاستحماري أراد أحد الزملاء أن يقنعني بأن هذا هو الوضع قبل ثورة الـ 2 من سبتمبر ، بل والأدهى أنه مازال مصرا أن الاستقلال كان موجودا ، ولا يرى أن الأمريكيين كانوا يستعدون لدخول اليمن ثم احتلاله ؛ وعليه فإن أبناء الشعب الذين خرجوا ثائرين كلهم كانوا مخطئين ، فقط الأخ “الجهبذ” هو صاحب الموقف الحكيم ، والمنطق السليم !!
مثل هذا الشخص يستغل المعاناة التي نمر بها اليوم بسبب العدوان والحصار ليعطي نفسه موقفا زائفا من القوة ليقارن بين أشياء انتقاها بحذر ليثبت أن ما يقوله صحيح ، وفي الحقيقة أنه يملك ذاكرة ذبابة ، والمشكلة أن هذه “الذبابة” تملك وسائل إعلام ومروجين ، ويتعمد تزوير الحقائق . ودعونا لنعد قليلا للأحداث التي سبقت الثورة لنرى صحة إدعائه ، الفترة التي لم يكن للثوار يدٌ فيها بعد .. نحن نتحدث عن مرحلة التدمير الممنهج للجيش اليمني تمهيدا لاحتلال البلد ، والذي منع حدوث كل هذا بالفعل هي ثورة الـ 21 من سبتمبر ، وطبعا سرد الأحداث بالتفصيل سيحتاج الكثير من الوقت ، لذا سأقوم بسرد مختصر فقط لتنشيط ذاكرة صديقنا الغائب عن الوعي ، والذي يبدو أنه يعاني من “الزهايمر” أو أزمة في الضمير والانتماء !!
ـ المرحلة الأولى : بعد تصفير العداد لعفاش حدثت اضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية .. انتشار القاعدة والبدء بمرحلة التدخلات الأمريكية العسكرية الصريحة .. تدمير أسلحة الدفاع الجوي والمنظومة الصاروخية المتواضعة سرا .. مطالبات بتحسين الأوضاع المتردية .. النظام لا يكترث .. خروج ثورة شعبية (11 فبراير) ضد الفساد وارتفاع الأسعار وانتشار البطالة .. النظام لا يبالي .. الأعداد في ازدياد .. الإصلاح يحاول ركوب الموجة (أزمة سياسية في نظام المحاصصة) .. تدخلات خارجية .. استخدام مفرط للقوة .. اندلاع مواجهات بين الفرقاء .. الأعداد في ازدياد .. تصاعد المواجهات وبدء التصفيات .. الساحات تغلي .. الإعلام يؤجج التصادم .. اللجوء للخارج .. المبادرة الخليجية .. الإصلاح يتسلم الدفة ويسكت .
في المرحلة الثانية أرجو منكم أن تركزوا على التدخل الخارجي الواضح وخطورته : الدنبوع يكلف باسندوة بتشكيل حكومة .. انتخابات بمرشح واحد .. تشكيل لجنة عسكرية وأمنية لهيكلة الجيش ! .. وفد أمريكي يصل صنعاء للإشراف على هيكلة الجيش (!!) .. تسلم الأمريكيون ملفات تحتوي (كل) بيانات الجيش وتسليحه (!!!) .. السفير يعلن وصول قوات المارينز إلى صنعاء .. طائرات “الدرونز” الأمريكية ترتكب مجازر في عدة محافظات ، والدنبوع يصفها بالأعجوبة ! .. تزايد عمليات الاغتيالات لعسكريين ومشائخ وسياسيين وأكاديميين .. القرار (2140) الخاص بوضع اليمن تحت الوصاية (البند السابع) .. تدمير 40 طائرة يمنية في عدة محافظات وفي ظروف غامضة (!!!) ، واغتيالات متنقلة معظمها ضد أفراد وضباط عسكريين (خاصة الطيارين والدفاع الجوي) .. الجرعة الاقتصادية ليلة العيد (تهنئة العيد!) ..
لاحظوا ، إلى هنا لم تبدأ ثورة الـ 21 من سبتمبر بعد ، وإذا ما أضفنا الانهيار المخيف للأوضاع الأمنية ، وانتشار عناصر “القاعدة” ، واقتحامات لمؤسسات عسكرية وأمنية وحكومية جهارا نهارا ، وترأس السفير الأمريكي لأهم الاجتماعات السياسية والعسكرية ، وتدهور الاقتصاد ، واغتيال ومقتل الآلاف من المواطنين والعسكريين (سجل عام 2013م فقط أكثر من 3 الآف قتيل) ، واقتحام السجون وتهريب السجناء والمجرمين ، وتفجيرات متنقلة شملت الأسواق والتجمعات وحتى المساجد ، وغيرها من الأحداث المؤلمة والغريبة !!
إذا كان كل هذا لا يشكل خطورة تستدعي التحرك في مواجهتها ، فماذا كان يجب على الناس أن يفعلوا وقد انعدم الأمن والأوضاع من سيئ إلى أسوأ ؟!!!! وإذا لم يكن هناك من داع للثورة ، فماذا كان يجب أن يفعل الشعب في الوقت الذي بات فيه الفرد العسكري لا يأمن أن يخرج لابسا زيه الرسمي ؟! كان التحرك ضروريا ، وثورة الـ 21 من سبتمبر هي ثورة شعبية قامت بحماية الشعب والبلد من المؤامرات ، وأسست لمرحلة جديدة كانت كفيلة بلملمة شعث اليمنيين والنهوض باليمن الحديث المستقل ، ولذلك فقد عاجل الأعداء في استهدافها بعدوانهم الإجرامي بعد شهور قليلة من انتصار الثورة ، ولكن هيهات لهم أن ينالوا من ثورتنا وشعبنا وبلدنا العزيز .