الثورة / إسكندر المريسي
بدأ حزب الله إدخال الوقود الإيراني إلى لبنان عبر سوريا في خطوة يقول عنها الحزب إنها تهدف للتخفيف من أزمة خانقة يمر بها لبنان، لكن معارضيها يرون أنها بمثابة “رهن للبنان لدى إيران”.
وفي إطار مساعيه للتخفيف من أزمة محروقات حادة يشهدها لبنان مع تراجع قدرته على الاستيراد على وقع انهيار اقتصادي متسارع، أعلن حزب الله الشهر الماضي أن باخرة أولى محمّلة بالمازوت ستبحر من إيران. وقال الأمين العام للحزب حسن نصرالله في وقت سابق، إنها أفرغت حمولتها في مرفأ بانياس غرب سوريا.
وبدأت عشرات الصهاريج ذات اللوحات السورية تدخل صباحاً على مراحل منطقة الهرمل (شرق) عبر معبر غير شرعي، وفقما أفاد مراسل فرانس برس. وعلى طول الطريق باتجاه مدينة بعلبك تجمع العشرات من مناصري الحزب ابتهاجاً، ورفع بعضهم أعلام الحزب بينما أطلقت النساء الزغاريد ونثرن الأرز والورود على الصهاريج التي أطلق سائقوها العنان لأبواقها.
حزب الله يثبت معادلة “الحياة مقاومة”
كثيرة هي الدلالات التي حملها وصول قوافل المازوت الإيراني من سوريا إلى لبنان، فالمقاومة أكدت أن دورها يشمل جوانب أبعد من محاربة الاحتلال والإرهاب.
في 19أغسطس الماضي أعلن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، انطلاقَ باخرة المحروقات الأولى من إيران في اتجاه لبنان.
فوجئ الجانب الأمريكي. ونتيجة الإرباك، سارعت السفيرة الأمريكية في بيروت، دوروثي شيا، إلى الاتصال بالرئيس اللبناني ميشال عون، وأبلغته بموافقةَ بلادها على استجرار الغاز الطبيعي والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان، عبر سوريا، متغاضية في ذلك عن “قانون قيصر”.
حين أعلن حزب الله نيّتَه استقدامَ المحروقات من إيران إلى لبنان، وجدت مبادرته كثيراً من الاعتراض والتشكيك لدى خصوم الداخل والخارج، وفرصة لهم في كسر صدقية أمينه العام.
بينما وصف المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، إعلانَ السيد نصر الله بأنه “قصة لا يصدّقها عاقل، ومناورة سياسية لتفادي غضب الرأي العام، وأن الأمر ينطوي على جرأة، وعلى خرق واضح للعقوبات المفروضة على إيران”.
لكن حقيقة عبور قوافل المازوت إلى لبنان، عبر سوريا، أسقطت جميع هذه الرهانات. ومثّل الإنجاز مصداقاً لمقولة إن “الحياة مقاومة”، لا تقف عند تحرير الأرض ومحاربة الإرهاب، بل تنخرط في معالجة آلام الناس.
هي رسالة موجَّهة – قبل أي أحد – إلى من يتّهم المقاومة زُوراً بأنها تروّج ثقافةَ الموت، فها هي تنتشل الشعب من موت بطيء، في الأعصاب والأوقات والقهر، نحو خرق واضح في جدار حصار غير مباشِر، أو على الأقل غير معترف به رسمياً.
رسائل مباشرة وقلب للموازين
هي رسالة مباشِرة إلى كل من يتهم المقاومة بأنها ليست من الشعب، فها هي تُظهر للعالم، مرةً أخرى، أنها من الشعب، وتعيش آلامه وأوجاعه، ومستعدة دائماً للتضحية من أجل حياته الكريمة.
الوجه الآخر للانتصار كَرَّسَ في السياسة مجدَّداً، المقاومةَ محوراً منتصراً، عماده هذه المرة التعاون الثلاثي بين إيران وسوريا وحزب الله.
ثمّة قلبٌ للموازين حانت ساعته، فكان ما كان على البحر والبر، واكتفى الأميركي ومحوره بالتفرج على الواقع الجديد، فهما لا يملكان شيئاً يفعلانه، ولا يقويان على فعله حتى لو أمكنهما ذلك، في ظل متغيرات عميقة تحدث في المنطقة.
ففي البَر عبرت الشاحنات من دون عوائق، وفي البحر تسير السفن الإيرانية وسط عجز عن منعها، أميركياً وإسرائيلياً.
التضحية هنا تكمن في الشق الميداني تحديداً، فالمقاومة اتخذت كل الخطوات اللازمة لتأمين وصول القافلة إلى لبنان، من إيران عبر سوريا.
واشنطن، التي عَدَّت وصول النفط الإيراني إلى لبنان ضرباً من الخيال، لم تجد سوى خط الغاز المصري تعويضاً عن الخيبة، وتمويهاً لحصار “قيصر”. وهو إنجاز آخر أُضيف إلى سجّل المقاومة، ما دام الهدف إخراجَ لبنان من أزمته، فلماذا فشلت واشنطن و”تل أبيب” في إخضاع المقاومة؟
الكاتب في الشؤون السياسية، ميشال أبو نجم، قال إن “الاستراتيجية الأميركية رمت إلى الفصل بين حزب الله، كمقاومة، وبيئته الحاضنة”.
وفي حديث إلى الميادين، أكد أبو نجم أنه “لا يكتمل بُعد المقاومة العسكري إلا باكتمال البُعدين الاقتصادي والاجتماعي، اللذين يشكّلان ركيزة أساسية من روافد دعم المقاومة العسكرية”، مشيراً إلى أن “المجتمع لا يكون مقاوماً فقط بالسلاح، بل إنه يحتاج إلى الدعم عبر مقوّمات الحياة”.
ولفت إلى أن “استراتيجية الولايات المتحدة تعتمد على مفهوم القوة الناعمة، إلى جانب القوة العسكرية. وهذا الشكل من الحرب هو أقسى أنواع الحروب”، مشيراً إلى خصوصية هذه المواجهة، وأن حزب الله “تعاطى معها على نحو متدرّج، وخصوصاً منذ تداعيات 17 أكتوبر 2019م.
كسر الهيمنة الأمريكية
بدوره، قال الكاتب والباحث في الشؤون الإسرائيلية، حسن لافي، إن “حزب الله يكرّس مشهداً جديداً، مفاده أن المقاومة قادرة على كسر الهيمنتين الأمريكية والإسرائيلية”، مضيفاً “إسرائيل تعمل، في الأعوام الأخيرة، على شيطنة حزب الله من خلال الاستثمار في أزمات لبنان”.
وأشار لافي، في لقاء مع الميادين، إلى أن “إسرائيل” “لا تستطيع ضرب قوافل المحروقات، لأنها ستدفع ثمناً عسكرياً باهظاً”، مشدّداً على أن “محور المقاومة تحوّل إلى حَبْل النجاة للبنان بعد أن عملت إسرائيل على تصويره على أنه سبب المشاكل”.
من جهته، قال المحلل السابق لدى “البنتاغون”، مايكل معلوف، إنه “يجب الثناء على أفعال حزب الله بعد أن تفرّج كل الأطراف، بمن فيهم الغرب، على أزمة لبنان”.
وأضاف، “استراتيجية إدارة بايدن ستكون تحت المجهر فيما يتعلق بأيّ مواجهة، سواء أكانت ضغوطاً أو عقوبات قصوى، ليس فقط تجاه لبنان، بل أيضاً تجاه إيران”، مشدداً على أن “على واشنطن التوقف عن النظر إلى البلدان عبر عين إسرائيل.