التسول.. ظاهرة خطيرة تستدعي معالجات شاملة من الدولة والمجتمع

 

• الإسلام يحفز المسلم على العمل وعلو الهمة وعزة النفس
• كيف يمكن للزكاة أن تساهم في معالجة الظاهرة؟!

قضية التسول تعتبر من القضايا الاجتماعية والاقتصادية الهامة في عالم اليوم، حيث أصبحت تتطلب جهوداً مستمرة لتحديد حجمها والتعرف على عواملها وأسبابها وآثارها الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها، حيث يؤدي كل ذلك في نهاية الأمر إلى تضافر الجهود وتعاون المهن الإنسانية والتخصصات العلمية من أجل وضع التصورات والسياسات والاستراتيجيات لمكافحة الظاهرة والحد من آثارها ونتائجها على الفرد والمجتمع

الثوره /

ووفقا لدراسة بعنوان “مشكلة التسول في المجتمع اليمني والمتغيرات الشخصية والاجتماعية المرتبطة بها”، تتعدد الظواهر والمشكلات الاجتماعية التي توجد في المجتمعات الإنسانية، ولكل مجتمع قضاياه ومسائله ومشاكله التي تنبع من مجموع الظروف المعايشة والمتغيرة، لكن الظواهر الجديرة بالبحث هي تلـك التـي تعكس أبعاداً اجتماعية واقتصادية ونفسية ملفتة للنظر بسبب بروزها على السطح أو خروجها عن المألوف الاجتماعي سواء بالنسبة لما هو كائن أو لما ينبغي أن يكون.
هذا وتعاني بعض المجتمعات من ظاهرة التسول، وتتزايد نسبة هذه الظاهرة في المجتمعات التي تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، ويرتفع فيها معدلات البطالة والقهر الاجتماعي، كما يتخذ التسول أشكالاً عديد باختلاف ثقافة وعادات المجتمع.
ظاهرة مركبة
والمجتمع اليمني كغيره من المجتمعات يواجه الكثير من الظواهر الاجتماعية والمشكلات بعضها يظـل كامناً هادئاً في أعماق المجتمع لا يبرز والبعض يبرز ويندفع بشدة والسبب القلق والارتباك، وظاهرة التسول أو مشكلة التسول هي من تلك الظواهر التي تعاني منها المجتمعات ومن بينها المجتمع اليمني.
إن ظاهرة التسول مظهر غير حضاري مزعج يضر بالأمة والمجتمع، بغض النظر عن أسبابها ذاتيـة كانت أو اجتماعية تتعلق بطبيعة التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية مرتبطة بالموارد وطبيعة إدارتها، لـذلك فإن انتشارها يشكل مظهراً من مظاهر الضعف في إدارة الموارد الطبيعية والاقتصادية والبشرية، وهو إمـا فشل فردي من خلال عدم قدرة الفرد المتسول على الاستفادة من إمكاناته العضلية والذهنية كإنسان، أو فشل تنظيمي من خلال ضعف التنظيمات المسئولة عن التنمية، وفشلها في وضع سياسات تكفل عدم تبديد الموارد وتوزيعها توزيعاً عادلاً.
لذا يمكن القول إن مسؤولية تفشي وانتشار ظاهرة التسول لا تقع على الفرد فقط، بـل علـى النظـام الاجتماعي أيضاً، حيث نلاحظ أن هذه الظاهرة المرضية لا توجد إلا في المجتمعات التي يسود فيها التفاوت الاجتماعي والطبقي بين الناس أو تسود قيم اللامبالاة واللامسؤولية ويغيب الوعي بشأن هذه الظاهرة.
لذلك فإن الوقوف على أبعاد الظاهرة لا يكون صحيحاً أو ممكناً علمياً إلا إذا تم النظـر إليـه منهجيـاً باعتباره نظاماً فرعياً لنظام أشمل وأعم هو النظام الاجتماعي، وتعتبر ظاهرة التسول من الظواهر المركبة التي تستدعي حشد كل الجهود العلمية والعملية، والتخطيطية والتنفيذية للحد منها والقضاء عليها من قبل عديد من الجهات التي يدخل في إطار مسؤولياتها تحديد حجم الظاهرة والسيطرة عليها، سواء جهات حكومية أو غير حكومية.
وتضيف الدراسة إلى أن ظاهرة التسول تعود بشكل أساسي للفقر والبطالة وقلة الحال. إلا أن الاعتماد على التسول كمهنة يومية تدر دخلاً معقولاً، سببه تعاطف الناس مع الاستجداء الكاذب للكثير من أنواع التسول وأساليبه ومظاهره وتختلف من مجتمع لآخر تبعاً للإطار الثقافي والاجتماعي للمجتمع.
التي تقول دراسة أعدتها الدكتورة سكينة أحمد هاشم أن المتسولين هم الذين يعيشون على المساعدات المالية، وأيضاً بعض العاطلين الذين تستهويهم المعيشة على المساعدات المالية ويرفضون فرص العمل ويفضلون العيش على المساعدات.
إن التسول في المجتمع اليمني لازال يمارس بشكل فردي أو أسري ولم يتحول بعد إلى انحراف منظم يمارس في إطار شبكات أو عصابات، لذلك نجد أن تصنيف التسول لن يتم على أساس عامل التنظيم وعدم التنظيم، وإنما سيكون على أساس واقعية وعدم واقعية ممارسة التسول، وانطلاقاً من ذلك يمكن تقسيم التسول إلى نوعين:
١ – تسول مباشر.
٢ – تسول غير مباشر.
ويعتبر بعض الباحثين أن من أساليب التسول غير المباشر ممارسة الأعمال الهامشية وتجارة الأرصفة، ولكن في مجتمعنا اليمني نجد أن هذا التقييم مبالغ فيه، وذلك نظراً للظروف الاقتصادية السائدة في المجتمع اليمني، ولذلك يجب تحديد الأعمال والخدمات الهامشية التي يمكن اعتبار ممارستها شكل من أشكال التسول غير المباشر، كما يمكن تحديدها بأنها الأعمال التي تقوم على بيع خدمة أو سلعة لا تحقق إشباعاً حقيقياً لمشتريها، أو يتم شراؤها بسعر أكبر من سعرها الحقيقي والسائد، مثل (الأطفال الذين يمسحون زجاجات السيارات).. إلخ..
رؤية إسلامية
يغرس الإسلام في نفس المسلم حب العمل، وتربيته على علو الهمة وعزة النفس، والترفع عن الدنايا، وإن رسول الإسلام ليضع ذلك في صف المبادئ التي يبايع عليها صحابته، ويخصها بالذكر ضمن أركان البيعة. فعن أبي مسلم الخولاني قال: حدثني عوف بن مالك قال: ” كنا عند رسول االله – صلى االله عليه وآله وسلم- سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال: “ألا تبايعون رسول االله ـ صلى االله عليه وآله وسلم ؟ ولنا حديث عهد ببيعة. قلنا: قد بايعناك! حتى قالها ثلاثًا، وبسطنا أيدينا فبايعنا، فقال قائل: يا رسول الله، إنا قد بايعناك فعلام نبايعك؟ قال: “أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا”، وأسر كلمة خفية، قال: ” ولا تسألوا الناس شيئًا” قال راوي الحديث: “فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه، فما يسأل أحدا أن يناوله إياه”. (رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة)
العمل هو الأساس:
وقد علم الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم- أصحابه مبدأين جليلين من مبادئ الإسلام:
– المبدأ الأول: أن العمل هو أساس الكسب، وأن على المسلم أن يمشي في مناكب الأرض ويبتغي من فضل الله، وأن العمل- وإن نظر إليه بعض الناس نظرة استهانة- أفضل من تكفف الناس، وإراقة ماء الوجه بالسؤال: “لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيأتي بحزمة من حطب فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه” (رواه البخاري في أول كتاب “البيع” عن الزبير).
– المبدأ الثاني: أن الأصل في سؤال الناس هو الحرمةُ، لما في ذلك من تعريض النفس للهوان والمذلة، فلا يحل للمسلم أن يلجأ للسؤال إلا لحاجة تقهره على السؤال، فإن سأل وعنده ما يغنيه كانت مسألته خموشًا في وجهه يوم القيامة.
والعلاج العملي هنا يتمثل في أمرين أولهما: تهيئة العمل المناسب لكل عاطل قادر على العمل، وهذا واجب الدولة الإسلامية نحو أبنائها، فما ينبغي لراع مسئول عن رعيته أن يقف مكتوف اليدين أمام القادرين العاطلين من المواطنين، كما لا يجوز أن يكون موقفه منهم بصفة دائمة مد اليد بمعونة قلت أو كثرت من أموال الصدقات، فقد ذكرنا في مصارف الزكاة قوله عليه الصلاة والسلام: “لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي”، وكل إعانة مادية تعطى “لذي مرة سوي” ليست في الواقع إلا تشجيعا للبطالة من جانب، ومزاحمة الضعفاء والعاجزين في حقوقهم من جانب آخر.
دور الزكاة
ودور الزكاة هنا لا يخفى، فمن أموالها يمكن إعطاء القادر العاطل ما يمكنه من العمل في حرفته من أدوات أو رأس مال، كما بينا ذلك في مصارف الزكاة، ومنها يمكن أن يدرب على عمل مهني يحترفه ويعيش منه، ومنها يمكن إقامة مشروعات جماعية -مصانع أو متاجر أو مزارع ونحوها- ليعمل فيها العاطلون وتكون ملكًا لهم بالاشتراك كلها أو بعضها.
– وثانيهما: يتمثل في ضمان المعيشة الملائمة لكل عاجز عن اكتساب ما يكفيه، وعجزه هذا لسببين:
(أ)إما لضعف جسماني يحول بينه وبين الكسب لصغر السن وغياب العائل كما في اليتامى، أو لنقص بعض الحواس أو بعض الأعضاء، أو مرض معجز… إلخ، تلك الأسباب البدنية التي يبتلى المرء بها، ولا يملك إلى التغلب عليها سبيلاً. فهذا يعطى من الزكاة ما يغنيه، جبرا لضعفه، ورحمة بعجزه، حتى لا يكون المجتمع عونًا للزمن عليه، على أن عصرنا الحديث قد استطاع أن ييسر بواسطة العلم لبعض ذوي العاهات كالمكفوفين وغيرهم، من الحرف والصناعات ما يليق بهم، ويناسب حالتهم، ويكفيهم السؤال، ويضمن لهم العيش الكريم، ولا بأس بالإنفاق على تعليمهم وتدريبهم من مال الزكاة.
(ب) والسبب الثاني العجز عن الكسب هو انسداد أبواب العمل الحلال في وجه القادرين عليه، رغم طلبهم له، وسعيهم الحثيث إليه، ورغم محاولة ولي الأمر إتاحة الكسب لهؤلاء. فهؤلاء – ولا شك- في حكم العاجزين عجزا جسمانيا مقعدا، وإن كانوا يتمتعون بالقوة؛ لأن القوة الجسدية وحدها لا تطعم ولا تغني من جوع، ما لم يكن معها اكتساب.
وبهذا البيان يتضح لنا ضلال الكثيرين ممن ظنوا أن الزكاة صدقة تعطى لكل سائل، وتوزع على كل مستجدٍ، وظن بعضهم أنها تعين على كثرة السائلين والمتسولين الشحاذين! بل تبين لنا أن الزكاة لو فهمت كما شرعها الإسلام، وجمعت من حيث أمر الإسلام، ووزعت حيث فرض الإسلام أن توزع، لكانت أنجح وسيلة في قطع دابر التسول والمتسولين.
السيد القائد حفظه الله في احدى محاضراته الرمضانية طرح حلولاً لمشكلة التسول : «يمكن أن ينشئ الناس على مستوى أوسع: تعاونيات زراعية، جمعيات استثمارية، أعمالاً كثيرة تساهم وتساعد الناس في بناء اقتصاد صحيح، بدلاً من التسول، البعض يتجهون للتسول، وهذه عادة سلبية جدًّا وكريهة للغاية وسيئة جدًّا، تحط من كرامة الإنسان، والبعض ليسوا مضطرين، يعني: لم يصل بهم الحال إلى الاضطرار، والبعض لا يتفاعلون مع من يسعى إلى إنقاذهم من هذه الظاهرة السلبية جدًّا، نحن جربنا هذا وأقمنا نشاطاً لرعاية بعض المتسولين والسعي لإنقاذهم من ظاهرة التسول التي هي حطٌ من الكرامة، وحاولنا أن نقنعهم للكف عن هذه الظاهرة، ومساعدتهم مالياً؛ حتى يخرجوا من هذه الظاهرة، ومساعدتهم عملياً بمشاريع معينة، وبرعاية بشكلٍ أو بآخر، فحاول البعض أن يتهربوا من ذلك، واتجهوا نحو ظاهرة التسول بما يدخل ضمنها من أساليب سلبية ولا إنسانية، البعض يعرون أطفالهم في الشمس لفترات طويلة؛ للاستعطاف بهذه الوسيلة، البعض ينشطون بشكل أو بآخر يتظاهرون بالمرض، أو يتظاهرون بالجراحة، أو يتظاهرون بأشكال معينة.

قد يعجبك ايضا