في يوم الثامن من ذي الحجة من كل عام يجتمع المسلمون من كل فج عميق ليشهدوا مناسك لهم بلباس واحد وبصوت واحد (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك)، يتوافد حجاج بيت الله في هذا اليوم إلى مشعر منى استعدادا للوقوف في صعيد عرفات الله يوم الحج الأكبر، ومع حلول هذه الذكرى الدينية العظيمة تتجدد في الذاكرة قصيدة (يا راحلين إلى منى بقيادي) التي قالها شوقا وحنينا قبل أكثر من (639) عاما الشاعر اليمني عبدالرحيم البرعي أحد شعراء القرن الثامن الهجري بعد أن داهمه المرض وأعياه التعب وهو في طريقه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج إلا أن الأجل سبق الأمل ليتوفى دون أن يلحق بركب الحجاج، ولما احس بدنو أجله وهو على بعد 50 ميلا عن مكة المكرمة جاء بأشهر قصائده التي قالها وأصابته في مقتل الشوق إلى الحج والتي قال فيها:
يا راحلين إلى منى بقيادي
هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
حرمتموا جفني المنام لبعدكم
يا ساكنين المنحنى والوادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي.
العيش أطربني وصوت الحادي
فإذا وصلتم سالمين فبلغوا
منى السلام أهيل ذاك الوادي
وتذكروا عند الطواف متيما
حبا براه الشوق والإبعاد
لى في ربى ظلال مكة مرهم.
فعسى الإله يجود لي بمرادي
ويلوح لي ما بين زمزم والصفا
عند المقام سمعت صوت منادي
يقول لي يا نائما جد السرى
عرفات تجلوا كل قلب صادي
من نال من عرفات نظرة ساعة.
نال السرور ونال كل مرادي
يا رب أنت وصلتهم وقطعتني
فبحقهم يا رب حل قيادي
بالله يا زوار قبر محمد.
من كان فيكم رائحا أو غادي
فليبلغ المختار ألف تحية.
من عاشق متقطع الأكباد
قال هذه الكلمات شوقا لمكة ولأداء مناسك الحج وزيارة قبر المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام ولفظ أنفاسه الأخيرة وتوفاه الأجل سنة (803) هجرية في منطقة ما يسمى وادي الصفراء وسميت منطقة دفنة بـ(حيف البرعى).
وهنا استوقفتني ذاكرتي للمقارنة بين تلك الفترة من زمن البرعي وزماننا هذا وكيف أنشد البرعي معبرا عن شوقه وحنينه لأداء فريضة الحج ولم تحجب عنه سكرات الموت ذلك الشوق والحب عن قول هذه القصيدة التي يتردد صداها مع كل موسم حج جديد، كأني استعيد ملامح فترة زمن البرعي ومقارنته بزماننا هذا زمن الحرمان من أداء فريضة الحج ومنعها أمام المقتدر وغير المقتدر من قبل السلطات السعودية بحجة انتشار جائحة وباء كورونا لينحصر قوام حجاج هذا العام في عدد لا يزيد عن (60.000) حاج من المقيمين داخل المملكة تحت إجراءات مشددة وانحراف عن ممارسة أداء شعائر الحج وفق هواهم في ظل صمت عربي وإسلامي مريب ومخز وكأن مكة قد أصبحت حكرا لآل سعود دون غيرهم !!!!!
ماذا لو استفاق شاعرنا المخضرم عبدالرحيم البرعي ليرى حال الحج في زمننا هذا وما نعانيه من صد وحرمان تجاه أداء مناسكها تحت أعذار واهية ومبررات لا أساس لها ومقارنة أعداد حجاج بيت الله بحجاج ملاهي ومراقص محمد بن سلمان الليلية في جدة التي تفوق أعداد مرتادي حفلاتهم الواحد ضعف أعداد حجاج بيت الله، بماذا سينشد وبأي الكلمات سيبدأ قصيدته تجاه هذه المواقف؟ متى ستنجب هذه الأمة برعيا لعصرنا هذا لينشد شعرا ينفض من خلاله التراب من أعين المتخاذلين الصامتين أمام مخططات مسح الهوية الإسلامية بأياد صهيو سعودية والتي يأتي في مقدمتها إلغاء ظاهرة الحج السنوية.. ولكن هيهات لهم ذلك ولا نامت أعين الجبناء وكل عام وانتم بخير.