ينمو على سفوح الجبال ويختلف عن النوع التهامي بحباته الصفراء كبيرة الحجم: الفل العزاني مصدر دخل غالبية أبناء منطقة جبل حديد في محافظة حجة
الثورة /يحيى محمد
تشير العديد من المصادر التاريخية إلى أن نبتة الفل العزاني قديمة النشأة في جزيرة العرب، وأن الهجرات إلى بلاد شرق آسيا قد جلبت شتلة من هذا النوع من الفل إلى الجزيرة العربية، فكان أول ظهور للفل في بلاد اليمن على يد الأمير أحمد فضل القمندان الذي أتى بها من الهند وتم غرسها في بستان الحسيني في محافظة لحج.
أما المهندس علي الطيب أحد أبناء جبل حديد بمديرية خيران المحرق محافظة حجة وأحد المهتمين بزراعة شجرة الفل العزاني بالمنطقة ، فيقول في حديث خص به صحيفة الثورة وفريق الدراسات والبحوت بمؤسسة بنيان التنموية أثناء الزيارة التي نظمتها بنيان والزراعية العليا إلى عدد من محافظات الجمهورية في الفترة من 18 مايو-3 يونيو 2021م: أن تاريخ زراعة الفل العزاني في جبل حديد يعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، مشيرا إلى أنه ورغم هذه المدة الطويلة لم تتم الاستفادة من هذه النبتة الطيبة، والسعي للتفكير جدياً في استثمارها كعطور أو كمواد تجميل.
ولفت الطيب إلى أن الفل العزاني من الأشجار النادرة التي يجب المحافظة عليها من الانقراض بالتشجيع على زراعتها من خلال تطوير أساليب زراعتها ونقل وتعميم زراعتها على المناطق المشابهة لمنطقة جبل حديد بمديرية خيران المحرق، كما يمكن التنسيق مع تجار العطور لعمل عقود زراعية مع مزارعي الفل العزاني وغيرها من الأشجار والنباتات العطرية بغرض إنشاء معامل وطنية لإنتاج وصناعة العطور.
ونوه الطيب إلى إمكانية تقليل معدل استهلاك أشجار الفل للماء عن طريق تشجيع المزارعين على استخدام منظومات الري الحديثة، والتقليل من الكلفة الباهضة للمياه من خلال التوعية بأهمية بناء خزانات حصاد مياه الأمطار للاستفادة منها أثناء فترات الجفاف.
أما محمد الخميسي صاحب مزرعة فل عزاني في المنطقة، فقد أشار إلى أن زراعة الفل العزاني لم تعد مجرد هواية، وإنما حرفة وتجارة ينتفع منها الكثيرون، وهي فخر أهالي منطقة جبل حديد بمديرية خيران المحرق، بمحافظة حجة، منوها إلى أن أراضيهم هي الموطن الوحيد الذي لا يزال يزرع أشجار الفل العزاني في اليمن، متعزلا باعتبار الفل العزاني أحد أشهر النباتات العطرية التي تداعب الوجدان وتناجي العشاق والمحبين بشذاها الفواح، موضحا أن الفل العزاني ينمو على سفوح الجبال ويختلف عن الفل الأبيض التهامي بحباته الصفراء كبيرة الحجم، ولها رائحة تفوق بجمالها أشهر العطور العالمية.
وفي استطلاع أجرته صحيفة الثورة بصحبة فريق البحوث والدراسات (بنيان) في المنطقة تتبعنا تاريخ الفل العزاني في اليمن حيث التقينا العديد من المزارعين كبار السن ومن ذوي الخبرة بزراعة الفل العزاني الذين بدورهم أوضحوا أن زراعة الفل العزاني ظهرت في المناطق ذات المناخ المعتدل، مشيربن إلى أن مناطق الشغادرة وملحان في محافظة المحويت، وجبل حديد وجياح في محافظة حجة هي المناطق الأكثر شهرة في زراعته من زمن طويل.
وأفاد المزارعون أن الفل العزاني ظل يمثل مصدر دخل أساسي اعتمد عليه معظم مزارعي جبل حديد إلى أواخر السبعينيات قبل ظهور شجرة القات التي جذبت الكثير نحو التحول إلى زراعتها ما أدى إلى انحسار الاهتمام بزراعة أشجار الفل العزاني إلى درجة لم يتبق منها سوى القليل من الأشجار التي يتم زراعتها ضمن حقول القات والمزروعات الأخرى، لتتحول بذلك التدهور إلى مصدر ثانوي للدخل، ولم يتوقف تناقص الاهتمام بزراعة الفل العزاني عند دخول القات بل أخذ يزداد تدهورا كلما طال أمد العدوان بسبب توقف عملية تصدير الفل إلى الخارج.
طريقة الزراعة
يزرع الفل العزاني- حسب توضيح المزارعين- عن طريق البذور الناضجة ذات اللون الأحمر حيث تمر البذرة بأربع مراحل وهي العجوم والفشوق والعناقيد ومرحلة تكون البذرة الناضجة.. والفل العزاني شجرة معمرة دائمة الخضرة لها أفرع تشبه أشجار المانجو إلا أن أشجار الفل ذات إزهار في مرحلة نموها الأول تكون مغلقة وتسمى عجوم وبعد انفتاحها تسمى فشوق حسب الأسماء المتعارف عليها بين المزارعين في المنطقة، وهذه لأزهار ذات بتلات صفراء اللون وبعد تساقط البتلات يتكون عنقود متدلٍ يحتوي على عدة براعم وبعد النضج يكون لون البرعم أحمر ويحتوي على أربع بذرات ناضجة، ومتوسط عمر الشجرة يصل إلى أكثر من 50 – 80 سنة.
الحرث والري
وهنا يعتمد مزارعو أشجار الفل العزاني على استخدام الأسمدة العضوية (الذبل) في تسميد أشجار الفل مرة واحدة كل عامين خلال فصل الشتاء بعد انتهاء عملية الحصاد، وحسب إفادة المزارعين الذين تمت مقابلتهم، فإنه يتم تقليب التربة بعد الانتهاء من جني المحصول في نهاية الخريف وبداية الشتاء، ويتم قلب التربة على عمق 15-30 سم وذلك لتهوية التربة، وتشجيع الجذور على النمو، واحتفاظ التربة للماء.
أما الري فقد مثل حجم شجرة الفل العزاني وكثرة أوراقها وغزارة إنتاجها بالإضافة إلى تزامن موسم الإنتاج خلال أيام الصيف وما يمتاز به من شدة الحرارة عوامل جعلت من شجرة الفل العزاني هي الأكثر استهلاكا للماء عن غيرها من الأشجار فهي تحتاج إلى أكثر من عشر ريات في الموسم، وكل رية تأخذ وحدتي ماء غمرا كل عشرة أيام، وبما أن المنطقة جبلية شحيحة المياه يضطر المزارعون وخصوصا في حالات الجفاف إلى نقل المياه من أقرب منطقة في سهل تهامة عن طريق الوايتات حيث تصل الكلفة إلى 16000 ريال للسقية الواحدة ، وتبدأ عمليات الري مع بداية عملية تكون البراعم في فصل الربيع، وتستمر بشكل دوري كل عشرة أيام إلى نهاية فترة حصاد الأزهار في فصل الخريف من كل عام.
الحصاد والنقل
تجنى أزهار الفل العزاني مغلقة كي تتحمل النقل إلى الأسواق المحلية البعيدة والخارجية، وكذلك كي تصل إلى المستهلك قبل نفاد رائحتها العطرية التي تنفذ بعد ثلاثة أيام بينما تنفذ رائحتها العطرية خلال يوم واحد في حاله جنيها وهي متفتحة، ولذلك لا يتم تسويق الأزهار المتفتحة إلا في الأسواق القريبة كسوق بني يوس حيث يفضل المستهلك في هذه الأسواق الأزهار المتفتحة.
وتبدأ عملية الجني في فصل الصيف وتمتد إلى فصل الخريف وعلى عدة مراحل: المرحلة الأولى وتسمى (الجادة)، والثانية (الخلفة)، والثالثة (اللحقة)، وما بين كل مرحلة وأخرى شهر ونصف، أما كمية الإنتاج في كل مرحلة، فتعتمد على كمية المياه التي حصلت عليها الشجرة في كل مرحلة.
ويتراوح متوسط إنتاج الشجرة مكتملة النمو ما بين ثمانية ألف إلى عشرة آلاف عكاوة، وكل عكاوة تتكون من 40 زهرة، أي بمعدل 32,000 إلى 400,000 زهرة لكل شجرة، وهي إنتاجية جيدة كونها إنتاجية خالية من استخدام المخصبات الزراعية والرعاية المتكاملة من قبل المزارعين.
الجدير ذكره أن الفل العزاني يمر بمجموعة عمليات قبل بيعه للمستهلك بصورة نهائية، وهي عمليات تسهم في حفظ المنتج دون حدوث أي تغيير في خواصه الطبيعية.
أولى هذه العمليات هي عملية تنظيم البراعم في أطواق دائرية (عكاوات)، حيث يتم في هذه العملية تطريز براعم الفل بشكل منتظم ومرصوص في أشكال دائرية تتكون من أربعين برعما، ويمكن للعامل الواحد أن ينتج 20 عكاوة في الساعة الواحدة بأجر 250 ريالا، الغرض الأساسي من هذه العملية هي صناعة أطواق ذات إشكال رائعة تستخدم للزينة ناهيك عن الحد من التلف السريع، وتسهيل عملية نقل وتسويق الفل، ومن ثم يتم رصها داخل قوالب (قروف) مصنوعة من سيقان أشجار الموز بحيث يحتوي كل قالب على 20 عكاوة، والغرض الأساسي لهذه العملية هو حماية الفل من الصدمات والحرارة العالية أثناء عملية النقل إلى الأسواق لاسيما أثناء عملية التصدير إلى الخارج، كما يتم إضافة قوالب الثلج إلى صناديق حفظ الفل لحمايته من الحرارة العالية.
الأسواق والأسعار
في فترة ما قبل العدوان كانت بشكل كبير تتم في السعودية عبر تجار محليين من نفس المديرية، ولا يقتصر تسويق الفل العزاني على الأسواق الخارجية وحسب، وإنما يتم تسويقه في العديد من الأسواق التهامية مثل سوق المحرق وسوق الثلوث وسوق الربوع وسوق الخميس، ويعد سوق الخميس من أفضل الأسواق لبيع الفل العزاني رغم بعده عن المنطقة مقارنة ببقية الأسواق، ولعل ذلك يرجع إلى تزامن موعد هذا السوق مع العطلة الأسبوعية التي يرغب فيها معظم الناس إلى الترويح عن أنفسهم والجلوس مع العائلة.
ويعاني مزارعو الفل العزاني من صعوبة النقل إلى الأسواق نتيجة وعورة الطريق ما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل، ونظرا لقلة الإنتاج وتوقف عملية التصدير إلى الخارج، فقد لجأ أبناء المنطقة إلى الدراجات النارية لنقل الفل إلى الأسواق وهي طريقة مكلفة لأن كل مزارع يضطر إلى تسويق منتجاته بصورة فردية وفي تسابق محموم على بدايات السوق ما يعني ارتفاع الكلفة أمام عائد مالي قليل بسبب قلة الطلب.. ويتراوح سعر العكاوة ما بين 250 إلى 350 ريالاً في الأسواق المحلية، وما بين 10 إلى 15 ريالا سعوديا في الأسواق الخارجية.