تفاصيلُ الشّيطان!
عبدالرحمن الأهنومي – رئيس التحرير
رغم الاعتراف الأممي والدولي بأن الحصار المشدد على اليمن قد تسبب في كارثة إنسانية لا سبيل إلى وقفها إلا بتدفق الشحنات من الوقود والسلع الأساسية وعلى نحو يغطي العجز الحاصل في الأغذية والقمح والوقود والدواء وغيرها من الضروريات ، وعلى رغم مما يعانيه الشعب اليمني من وضع معيشي قاسٍ جدا جراء الحصار المشدد والحرب العدوانية الغاشمة التي تستمر رحاها للعام السابع ، ورغم الحديث المكثف للمنظمات والهيئات الإغاثية عن الضرورات الملحة لوقف الكارثة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تساوم على حقنا كشعب يمني في الحصول على الوقود والأغذية والأدوية وغيرها من ضروريات العيش.
وعلى خلاف الحديث المتصل من قبل المسؤولين الأمريكيين حول المعاناة التي أصابت اليمنيين بفعل الحرب والحصار المشدد تحت الإشراف والإدارة الأمريكية إلا أنهم يقدمون تفاصيل لا تؤدي إلى وقف الكارثة الإنسانية -التي تعصف بملايين المواطنين ممن باتوا يفتقرون لمقومات الحياة الضرورية- بل إلى ما يؤدي إلى تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية وفرض شروط وفروض الاستسلام ووفق صيغ ومقترحات أمريكية تتناول الكارثة في عمومها ، لكنها في التفاصيل لا تقود إلى معالجتها بل إلى فرض أجندات الاستسلام، والشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال.
المواقف السياسية الأمريكية كأنها تسير باتجاهين متضادين إذا كانت تُؤشر لشيء ما فهو أن أمريكا تُقِرّ بالكارثة الإنسانية وتعترف بضرورة معالجتها في العموم لكنها في التفاصيل تسعى للقفز عليها وفرض أجنداتها وشروطها وأهدافها السياسية والعسكرية ، وما يقوله الأمريكيون حول الملفات الإنسانية والحصار في التصريحات والبيانات وفي وسائل الإعلام الموجهة تفضحه المقاربات التي يقدمها المبعوث “ليندر” ومفردات لسانه ولغة الطيش والرعونة التي يُطلقها في سياق التعبير عن الرغبات والأجندات ، تلك القائمة منها على الوهم والغرور والغطرسة، وتلك القائمة على الظلم والعدوان.
إن محاولات القفز على الحق الإنساني للشعب اليمني إلى قضايا الحرب والميدان، بالاشتغال على التجويع والإمعان في الحصار واستخدامها كأوراق تفاوضية، ستبقى محاولات لا وزن لها ولا قيمة حتى على مستوى الجلبة الإعلامية والسياسية التي تحدثها الإدارة الأمريكية، والدعاية التي تسوقها حول ما تصفه رفض صنعاء للسلام.
أي مستوى من النفاق والدجل والتضليل والكذب ذلك الذي لم تبلغه أمريكا وهي تُحَمِّل أنصار الله -على لسان مسؤوليها- مسؤولية فشل السلام ، إذا كانت ترفض السماح لخمس سفن وقود محجوزة عرض البحر منذ أشهر من بلوغ موانئ الحديدة، وأي سلام تتطلع إليه أمريكا وهي تساوم بالحصار وبالتجويع مقابل شروط سياسية وعسكرية ترغب بها.
في كل الأحوال ما ينبغي على الإدارة الأمريكية والنظام السعودي وإمارات آل زايد وبقية كيانات العدوان والخطيئة هو التخلي عن النوازع الشيطانية التي تسكنها، ذلك أن القوة التي راهنت عليها قد فشلت في تحقيق المساعي الشيطانية في اليمن، وما لم يتعلم الأمريكيون والسعوديون ومن إليهم في الحلف العدواني من دروس فشلهم الميداني ومن عِبَر مآلات الحرب التي دخلت عامها السابع ومن تحولاتها فإلى حيث ألقت رحلها أم قعشم!
يفوت تحالف العدوان بقيادة أمريكا أن الفشل الذي منيت به الجيوش التحالفية المذخرة بأحدث أنواع الأسلحة والطائرات والتكنولوجيا والقنابل الموجهة والفتاكة والمدمرة خلال السنوات السبع الماضية سيكون مضاعفا في قادم الأيام والأشهر..فقد باتت المعادلة مختلفة اليوم وعلى نحو يجعلنا لا نخسر شيئا بعد ما فقدنا كل شيء بما في ذلك لقمة العيش، مقابل خسارته بأُصلائه ووكلائه في المنطقة لكل شيء.
لعبة الضغوط القصوى والحرب على المعائش وسبل الحياة والإمعان في التجويع لا تعيد مقاتلا واحدا من جبهات القتال إلى منزله، لكنها ستدفع الملايين ممن لم يلتحقوا بجبهات القتال إلى الالتحاق بها، وبدلا من الرهانات على تحقيق ما استصعب تحقيقه في ما مضى وصار مستحيلا اليوم وأشد استحالة في القادم يحتاج الأمريكيون وحلفاؤهم في المنطقة ممن يتشاركون في العدوان علينا أن ينزلوا قليلا عن مقامرتهم التي ستدفعهم كلفاً باهظة ويعترفون بحق هذا الشعب العظيم في الحصول على الوقود والضروريات وفي حقه من حرية السفر والتنقل عبر مطاراته وفي حقه في أن يعيش كالبشر، ويقبلون بهذا الحق ولا ضرر عليهم ، إنما الضرر سيكون في ما إذا ركبوا خيلهم وظلوا على غطرستهم وعنجهيتهم وعدوانهم.
ما يريده اليمنيون حقا أساسيا تكفله كل القوانين والمواثيق الدولية الإنسانية وكل شرائع الأرض والسماء تؤكده وتفرض وجوبا القتال عن هذا الحق، وسيموتون دونه حتما ولن يدخروا وسيلة ولا ممكنا في مواجهة المعتدين وإلحاق أبلغ الأضرار بهم.