في ذكرى النكبة الفلسطينية ومع تداعيات أحداث “سيف القدس” الأخيرة.. الصراع العربي الإسرائيلي إلى أين؟

لطف لطف قشاشة

في 15 مايو عام 1948م حدثت النكبة الفلسطينية، وإلى الآن ظل الصراع العربي والإسرائيلي على مدار أكثر من سبعة عقود من أشد الصراعات في العالم وأقواها ..
ثلاثة أجيال تعاقبت على الشعب الفلسطيني منذ أن دنست القطعان الصهيونية فلسطين عام 48م وتوسعت عام 67م لتضم مع أراضي 48 القدس والضفة الغربية وغزة لتبني عليها ما يعرف بأرض الميعاد المزعوم للصهيونية العالمية والدولة اليهودية ..
هذه الأجيال توزعت بين مُهجَّر إلى دول الشتات في مخيمات اللاجئين وباق تحت سطوة وتسلط الحكومة الإسرائيلية في أراضي الداخل -ما يعرف بأراضي 48- ومنها من يعيش في مناطق القدس الشرقية ومناطق ما يعرف بمناطق السلطة الفلسطينية التي جعلت من نفسها شرطيا غبيا لدولة الاحتلال الصهيوني وجزءاً محاصراً في قطاع غزة من قبل الاحتلال والسلطة والدول العربية المعروفة بدول الاعتدال وتواطؤ عالمي لا نظير له، وكل هذه الجهات التي تحاصر شعب فلسطين في القطاع تنفذ رغبات الغدة السرطانية التي أنهكها رجال المقاومة في القطاع ولم تجد وسيلة لإركاعه إلا بهذه الوسيلة ..
تلك الأجيال الثلاثة بذل في سبيل تدجينهم ومسخ هويتهم وإذلالهم وتشريدهم واستباحة أرواحهم ودمائهم الكثير الكثير بل وصل الحال إلى أن تتدخل بعض الأنظمة العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل وطبَّعت معهم لتنفيذ مخططات التدجين ومسخ الهوية بحرف بوصلة العداء إلى جهات داخل الأمة العربية والإسلامية بمسميات وعناوين طائفية ومذهبية وقومية حتى وصل الحال إلى تغييب القضية الفلسطينية برمزيتها الدينية والعربية من قاموس الأنظمة والدول العربية والإسلامية، هذا في جانب التدجين ومسخ الهوية، وفي جانب الاستهداف بالقتل والتشريد والحصار فقد استفاد المحتل الصهيوني من المال الخليجي الكثير في تغطية نفقات وتكاليف حروبه واعتداءاته المتكررة على الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في لبنان وسوريا، وهذا معلوم أيضا ..
كل ما سبق يوضح مدى ما تعرضت له القضية المركزية للأمة من استهداف كي يضمن الكيان الصهيوني الغاصب أمنه واستقراره وتطوره سعيا من تلك الدول إلى جعله أقوى وأعظم دولة في منطقة الشرق الأوسط لتضمن معه الدول الغربية وأمريكا الاستفادة القصوى من مقدرات وخيرات وثروات المنطقة، وقد سوَّقت تلك الدول لعقود هذا الكيان الغاصب كدولة حريات وأفضل ديموقراطية في المنطقة بخلاف حقيقة تكوينها العنصري والمجرم كون شعب إسرائيل لفيف من قطعان مجرمة وغير منضبطة ولا تاريخ لوجودها كحامل للديمقراطية والحقوق والحريات..
هذه الحالة التاريخية التي سردناها سابقا نقلت مسارات التآمر التي وقعت على القضية الفلسطينية وزيفت الوعي كذلك، ولكن تلك المؤامرات وذلك التزييف ورغم شدتها وحجم الدعم المالي والأمني والعسكري والسياسي الذي بذلته الدول الحليفة لإسرائيل لم يكن سهلا ومفروشا بالورود ولم يحقق نجاحا كاملا لنقل معه إن القضية المقدسة نتيجة كل المؤامرات التي حيكت ضدها قد أنهتها والى الأبد وإننا بدأنا نعيش واقعا آخر يظهر فيه الكيان الصهيوني بأنه المتحكم والممسك بزمام الأمور وألا فائدة مع نتائج تلك التطورات المتلاحقة التي أوضحناها سابقا، ألا فائدة ترجى من أي نشاط أو تحركات سابقة ومصاحبة وحالية لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لتعيد المقاومة الأمل في نفوس الشعوب العربية لتواصل مشروع الممانعة لأن ما وصلت إليه القضية لم يعد مجدياً معه أي حراك أو ممانعة ..
نقول وبالعودة إلى الأحداث التي تعيشها المنطقة منذ أحداث انتفاضة الأقصى أواخر رمضان المبارك وتداعياته في انتصار قطاع غزة للقدس الشريف والتي توسعت إلى انتفاضة شاملة وواسعة ومتنوعة شملت جميع مناطق فلسطين المحتلة والضفة الغربية والقطاع ما أفقد العدو الغاصب قدرته وتركيزه حين وجد نفسه أمام هذه المواجهات الشاملة بعد أن اعتقد أنه قد مزق الوحدة الوجودية الوطنية لجميع فئات الشعب الفلسطيني وأنه قد مسخ هويتهم فأصبح عرب 48 معزولين عن القطاع وأبناء الضفة في واد بعيد بفعل اتفاقية أوسلو وتوهمهم بالسلام المنشود، لكن هذه التداعيات اليوم حققت التفافاً شعبياً واحداً وبمظاهر مقاومة متنوعة جعلت مؤامرات سبعة قرون تنهار أمام هذه الإرادة الشعبية الفلسطينية ..
يضاف إلى ذلك أن تداعيات الانتفاضة في الداخل الفلسطيني المحتل وردة الفعل من حكومة الكيان ضد من قد صاروا جزءا من مواطني الكيان كشفت عن الوجه القبيح لهذا الكيان وكيف تعامل مع حراك جماهيري بنفس الوحشية التي تعاملت بها عصابات وقطعان الهاجانا قبل سبعة عقود وأظهرت أن ما حاولت تسويقه بأنها دولة تحمي الحريات مجرد قناع سقط مع أول امتحان حقيقي ..
كما أن تداعيات المواجهات أعادت بوصلة الوعي الجماهيري إلى أصله بأن عدو الشعب الفلسطيني والأمة هو الكيان الغاصب وأن المهرولين إلى التطبيع لم يعد لبضاعتهم أي رواج داخل الشعوب ..
كما أن القدرة القتالية للمقاومة من حيث امتلاك القرار والفعل في المكان والزمان الذي تحدده بدون إملاءات أو خلافه قد وضعت الصراع اليوم في متغير جذري، فلم يعد الشعب الفلسطيني بحاجة لاستجداء الوسطاء والهيئات الأممية للجم الغطرسة الصهيونية بل رأينا عكس ذلك، وسوف تتطور إلى أن نرى الصهاينة يتسولون التهدئة ويستجدون المساعدة ولن يجدوها بسبب تطورات الصراع في النظام العالمي الجديد الذي لا يعد من أولويات حلفاء إسرائيل..
ويبقى الأخطر من تداعيات الأحداث أنها أظهرت هشاشة الكيان وقوته الاقتصادية التي استنزفت خلال الأيام القليلة للأحداث بشكل مقلق جدا للكيان عندما استهدفت المقاومة بعض المنشآت الاقتصادية ومصادر الطاقة داخل الكيان على سبيل المثال..
إذاً نحن نعيش تداعيات أمنية وعسكرية واقتصادية غيَّرت المعادلات وواقع الصراع بعد أن يئس العالم الحر من تغير الموازين لصالح المقاومة بفعل مؤامرات النظام الإمبريالي العالمي الذي استهدف الوعي العربي ليصل إلى مراحل من اليأس المطبق، إلا أن جهود وثمرة العمل الذي قاده محور الممانعة قد أظهر حقيقة الوجود الهش للكيان الصهيوني بعد أن عمل وفق السنن وحقق ما سعى إليه، وأظهر أن ما ذكره الله عن حقيقة الصهاينة وبأنهم الأوهن والأضعف هو الحق وأن قوتهم استمدوها حين تخاذلت الأنظمة العميلة وسلَّمت قرارها للمحتل وقمعت شعوبها وهجنتهم، واليوم نحن على ثقة بأن الكيان الغاصب سيزول حتما وأن فلسطين ستعود عربية إسلامية قوية وقادرة، فانتظروا إنا منتظرون.

قد يعجبك ايضا