بصوت تلاوته العطرة للقرآن الكريم يستقبل اليمنيون شهر رمضان المبارك ، ارتبط اسمه بهذا الشهر الفضيل لسنوات عديدة ، من خلال البث اليومي المباشر لنقل شعائر خطبتي وصلاة الجمعة ، وشعائر صلاة الفجر من الرحاب الطاهرة بالجامع الكبير بصنعاء والتي كان يسبقها تلاوات عطرة من آي الذكر الحكيم بصوته وتلاوته العطرة التي تخفق لها القلوب وتضفي على الأجواء الرمضانية روحانية ، مضافة إلى روحانية هذا الشهر الفضيل ، لتلاوته وقعها الخاص الذي يشد كل من يستمع إليها وتجبره على الوقوف بتمعن لتدبر الآيات ومعانيها .
صارت تلاوته بالنسبة للسواد الأعظم من اليمنيين بشارة رمضان التي لا يحلو بدونها ، فكان بالنسبة لهم فاكهة رمضان الشهية التي لا يمكن أن يخلو منها أي منزل في الريف والحضر ، ارتبط اسمه بكتاب الله الذي حفظه عن ظهر قلب بالقراءات السبع ، علاوة على الإرث الذي تركه خلفه في مجال الإنشاد والموشحات اليمنية البديعة التي أثرى من خلالها مكتبة الإذاعة والتلفزيون بروائع الإنشاد والموشحات اليمنية الرائعة ، التي ما يزال لها وقعها وأثرها على المستمعين والمتذوقين لفن الإنشاد والموشح اليمني ، والذي يعد الفقيد الراحل من أبرز المجددين له .
ظل قلبه معلقا بالجامع الكبير بصنعاء الذي قضى فيه معظم حياته ، بين الدراسة والتدريس ، حيث شكل بمفرده مدرسة علمية في تحفيظ وتعليم كتاب الله ، مدرسة تخرج منها الكثير من العلماء والحفاظ الذين تتلمذوا على يديه ونهلوا من فيض علمه ، من خلال تلاوته العطرة أحبه الناس وألفوا عليه وصار بالنسبة لهم مرتبطا بشهر رمضان ، إنه الشيخ الحافظ محمد حسين عامر رضوان الله عليه ، الحافظ لكتاب الله المداوم على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، أنار الله بصيرته بعد أن حرم من نعمة البصر ، والذي غيبه الموت في صنعاء يوم السبت بتأريخ 15 رمضان 1419 هـ الموافق 3 يناير 1999 م نتيجة لإصابته بمرض بلهارسيا الكبد، والذي ظل يعاني منه حتى وفاته رحمة الله عن عمر ناهز 61عاما ، وأتذكر حينها تلكم المشاعر النبيلة والصادقة والجياشة التي اكتست وجوه غالبية اليمنيين واليمنيات غداة سماعهم بفاجعة وفاته ومشاهدتهم لمراسيم تشييع جنازته والتي كان لي شرف وأجر المشاركة فيها .
جنازة مهيبة وحضور ومشاركة شعبية واسعة تليق بمقام ومكانة الفقيد الراحل الشيخ الحافظ محمد حسين عامر ، مشاعر الحزن والأسى كانت طاغية على وجوه كل من شاركوا في موكب التشييع ، الكل ذرفوا الدموع في وداع من ألفوا على سماع تلاوته والإستمتاع بأناشيده وموشحاته ، الكل شعروا بحجم الخسارة ، وفداحة المصاب الذي لحق بهم وبالوطن جراء رحيل هذا الشيخ الحافظ والعالم الجليل الذي كان وسيظل علامة فارقة في حياتهم وتاريخهم ، والذي اختاره الله إلى جواره في أحب الشهور إلى قلبه ، شهر الله ، شهر رمضان المبارك الذي كان يعطر فيه أسماعنا ويطرب فيه قلوبنا بتلاوة كتاب الله بصوته الفريد الذي ما يزال حتى اليوم وسيظل إلى ما شاء الله فاكهة رمضان الشهية التي لا تمل لكل اليمنيين جيلا بعد جيل .
بالمختصر المفيد، في ذكرى وفاة الشيخ الحافظ محمد حسين عامر نستحضر ذلكم التاريخ الحافل بالعلم والتقى والورع الذي خلده رضوان الله عليه في حياته والتي وهبها لحفظ وتحفيظ القرآن الكريم وذكر الله والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله الطاهرين من خلال الأناشيد والموشحات ، ونقف بإجلال وعرفان أمام الإرث الخالد الذي خلفه والذي تفرد به على الكثير من أقرانه من الحفاظ والمنشدين ، فرضوان الله عليه ، وسلام على روحه الطاهرة في هذه الأيام المباركة ، ونسأل الله بأن يجزيه خير الجزاء نظير ما قدمه لكتاب الله وطلبة العلم ، وأن ينزله منازل الشهداء والأولياء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
صوما مقبولا وذنبا مغفورا وعملا متقبلا وإفطارا شهيا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .