في صدق عمله رضا الله وفي طيب ذكره حب الناس

الصماد.. الرئيس الذي نذر حياته للوطن فبقي حياً

 

يقول أحد الحكماء: ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فأتركه اليوم» وكذلك كان الرئيس الصماد، قدم الفعل الصادق والالتزام بالثوابت التي كفلتها الشرائع السماوية للإنسان من عزة وكرامة وإباء وعدم المساومة بقضايا الأمة واستقلالها وأمنها واستقرارها، لذلك أحبه الناس.. وهكذا أصحاب الفعل الطيب يحصدون حب من كانوا هدفا لهذا الفعل.
الثورة/ وديع العبسي

خلال مسؤوليته الرئاسية، شعر الناس به، بصدقه، بحمايته لقضية الوطن الذي يئن تحت وقع غارات الطائرات، وتحت عدوانية الحصار من قبل دولا استهواها القتل والدم من أجل تحقيق مصالح أمريكية وصهيونية.
يذهب أهل العلم إلى أنه من مظاهر أو علامات حب الله للعبد، اتصاف هذا العبد بالصفات الراقية، فهو متواضع غير متكبر، ولا يخشى في الله لومة لائم وهو مخلص في العمل لله تعالى «والمَحبّة ثمرة من ثمرات الإخلاص، ومن حقّق مَحبّة الله، حقَّق مَحبّة الملائكة، ومَحبّة الناس جميعاً.».
وفي ثمار حب الله، تجد العبد متصفا بحال من التسليم والرضا بقضاء الله وقدره؛ فمَن أحبّ الله؛ رَضِيَ بكلّ ما يقضيه عليه؛ لِعلمه بأنّ الله لا يقدر له إلّا بِما يعود عليه بالخير، وأنّه خلقه مُكرّماً مُفضّلاً على جميع المخلوقات، وجعل الجنّة منزله في الآخرة، وكذا في ثمار حب الله تجد بَذْل الرُّوح في سبيل الله؛ فمَن أحبّ الله؛ بَذَلَ أغلى ما يملك في سبيل نَيْل مرضاته، وكذا حُسْن الظنّ بالله -سُبحانه-، وعِظَم الرّجاء به، وغِيرته من انتهاك حُرمات الله، فالمحبّ لله -سُبحانه-؛ لا يقبل انتهاك حدود الله، وتجاوز أوامره.
وقد ذهبت العديد من الكتابات التأبينية والمعبرة عن الحزن لفقد الرئيس الصماد انه كان على هذه الصفات والسمات.

السلام المشرِّف
كان الرئيس الصماد صادقا في أداءه مهمته، قريبا من هموم الناس، ولذلك مثّل استشهاده فاجعة كبيرة، الأمر الذي منح الشهيد الصماد مكانة استثنائية في قلوبهم وذاكرتهم وبات واحدا من الأعلام الذين يحفظ لهم الناس سطورا طيبة عطرة الذكر.
في القضية الوطنية رأوه منافحا عن حق الأمة بأن تعيش حياة كريمة مستقلة من إملاءات الآخرين، وهو أمر لم يكن ليقدم فيه أي تنازلات.
في الجلسة الافتتاحية للقاء حكماء وعقلاء اليمن الذي دعا له قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بمشاركة واسعة من مختلف المحافظات وبحضور رسمي ومجتمعي يوم الاثنين 5 يونيو 2017، قال الرئيس الصماد “رسالتنا ثابتة، نحن مع السلام، السلام المشرف الذي يحفظ لليمنيين عزتهم وكرامتهم»، وحينها في كلمته وصف المبعوث الأممي ولد الشيخ وبكل شجاعة بأنه «غير محايد وغير نزيه لا يحمل خبرا ولا خيرا للشعب اليمني غير ما يملى عليه في عواصم العدوان”.
حينها أيضا ألهمته فراسته لإدراك «أن العدوان يشتغل على أربعة مسارات، المسار الأول اختراق الجبهات فيما يمثل المسار الثاني نشر الفوضى والاختلالات الأمنية والمسار الثالث محاولة تركيع اليمن بالورقة الاقتصادية وصولا إلى المسار الرابع المتمثل في تفكيك الجبهة الداخلية وهي المسارات التي ميدانها الرئيسي هو المجتمع وأبنائه ومشايخه وقبائله.»
وكلها معطيات من السلوك والمبادئ والقناعات، بتراكمها في نفوس الناس أوجدت له مساحة كبيرة من الحب, ومن الشعور بفداحة الفقد.
ويربط غالبية الناس الشهيد الصماد بالشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي الذي أوجد خلال وقت قصير من الحكم مساحة من الإنجازات ورؤى التحديث والتطوير، كذلك كان الصماد الذي لامس ما في نفوس الناس من هموم وطموحات فهاجم الفساد وحث على الثبات في وجه العدوان، ورسم ملامح دولة مدنية حديثة لا تقف عند عائق العدوان لكنها تجعل منه وقودا لإضاءة دروب الإنجاز إلى دولة قوية وحضارية.

اليوم المعلوم
في اليوم المعلوم لتشييع جثمان الشهيد صالح الصماد ورفاقه الستة يوم السبت الـ 28 من أبريل 2018، كانت مظاهر أخرى تدل على حب الناس لهذا الرجل الصادق، إذ توافدت الجموع الغفيرة إلى ميدان السبعين منذ اليوم السابق للتشييع من مختلف المحافظات، صباح ذلك اليوم كان المكان مكتظا بالمحبين للشهيد الرئيس، حينها عنون موقع «المنار اللبناني» خبر التشييع ب»اليمن يودّع الشهيد الصماد ورفاقه بحضور مليوني رغم استهداف محيط المشيّعين»، في ذلك اليوم لم تبال حشود المشيعين التي وصفتها مواقع الأخبار العربية بالمليونية بمحاولات طائرات التحالف السعودي إفشال مسيرة الحب والوفاء بشنها غارات بالقرب منهم، على محيط ميدان السبعين، وواصلوا مسيرتهم هاتفين “الله أكبر- الموت لأمريكا- الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للإسلام”.
وتشهد له سيرته النضالية دوره الكبير، في تعزيز التلاحم والاصطفاف وتعزيز الصمود الشعبي في مواجهة العدوان، لذلك لم يكن مستغربا أن تتفق كل هذه الجموع وآخرين بأكثر عددا في بقية المحافظات التأكيد على أن دماء الشهيد الصماد وكافة شهداء الوطن لن تسقط بالتقادم وسيثأر الشعب اليمني من كل الطغاة والمجرمين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق الشعب اليمني وسيدفعون الثمن غاليا عاجلاً أم آجلا.
وقد دل ذلك الاحتشاد على سيرته العطرة ودماثة خلقه وتواضعه الذي شهد عليه الكثير، لم يرتجِ مالاً أو ثروات، إنما ملك بخلقه وثقافته كنوز الدنيا وأموالها، «يذكرنا بالرجال الأوائل الطيبين من الآباء والأجداد في هذا الوطن الذين يتعاملون مع الآخرين ومع المجتمع بحسن أخلاقهم ونقاء سريرتهم، وحبهم المتفاني، وخدمتهم للوطن من أجل الوطن، وصدق الشاعر حين قال:
الخط يبقى زمانا بعد كاتبه
وكاتب الخط تحت الأرض مدفونا
والذكر يبقى زمانا بعد صانعه
وخالد الذكر بالإحسان مقرونا»
يومها ودعته الجموع بقلوب مكلومة لفراقه، بَكَوه بقلوبهم كما بكوا سابقين ممن تَرَكُوا أثرا طيبا وما زالت معانيهم باقية ومتوارثة من رجالات الوطن الأوفياء الذين أثروا بعطائهم وعملهم وسواعدهم الوطن وتركوا بصماتهم للزمن والتاريخ، عزاؤهم ما خلفه من أثر طيب، وما أجمل أن يرحل الإنسان طيب الذكر وكأنه لم يرحل.

رجل السياسة والتفاهمات
في واحدة من الشواهد التي خلقت للشهيد حبا في نفوس الناس نجد أن رحلته القصيرة في رئاسة المجلس السياسي الأعلى بذكاء وفطنة وحب للوطن وجدت صداها ومسارها إلى جهات خارج الوطن فنزعت منهم الإعجاب بهذه الشخصية، فتقول صحيفة «الأخبار اللبنانية» إن «اغتيال» الصماد يمثل «خسارة كبيرة لحركة أنصار الله».
وتتحدث «الأخبار «عن مناقب الصماد فتصفه بأنه كان «محاوراً بارعاً» فهو «رجل السياسة والتفاهمات مع شركائها، كما هو رجل الحرب الذي اقترن ظهوره ورحيله بالتصدي للعدوان السعودي وأدواته، من الحرب الرابعة على صعدة إلى السنة الرابعة من الحرب على اليمن».
وفي سياق متصل، استنكر عبدالباري عطوان في رأي اليوم اللندنية ما وصفه بـ»مجزرة العرس اليمني».
يقول عطوان: «إنّها جرائِم حرب لا يَجِب أن تقع، ناهِيك أن تستمر وتتكرَّر، والمُتورِّطون فيها لا بُد من مُثولِهم أمام العَدالة ومُواجَهة القَصاص العادِل، ودَفع التَّعويضات لأُسَر الضَّحايا بالقَدر نَفسِه الذي تُعَوِّض فيه السعوديّة ودُوَل الخليج الضَّحايا الغَربيين».

قد يعجبك ايضا