الثورة نت /
هو ديدن الأمريكيين مع جماعاتهم في المنطقة، وعلى قاعدة تبديل الجلد مدت واشنطن جسور الاعلام لأبو محمد الجولاني، ليكون بداية تصدير الجماعة في صورة جديدة للرأي العام الأمريكي والغربي، وبداية جديدة عبر تكتيك امريكي يستخدم قصف العقول للتأثير في الواقع السياسي.
في الخبر، بعد شهرين على إثارة الصحافي الأميركي مارتن سميث، الجدل إثر نشره صورة تجمعه بزعيم النصرة، أبو محمد الجولاني الذي أطلّ بالبزّة الرسمية وتخلّى عن زيه العسكري، نشرت شبكة PBS الأميركية أخيراً، مقتطفات من المقابلة التي يفترض أن تعرض كاملة في وثائقي يعدّه سميث لصالح برنامجه Frontline الأميركي. وقد أثارت مضامين هذه المقاطع، الجدل مجدداً، إذ استكمل الجولاني ما بدأه في ظهوره الأول بالزي الرسمي، كجزء من تقديم صورة مختلفة له أمام الغرب، وها هو يؤكد في هذه المقاطع، أن النصرة لا تشكل أي خطر على الولايات المتحدة، أو أوروبا.
لا تعيش جبهة النصرة أي حرج من تغير جلدها العقائدي او السياسي، او حتى بتبديل أزياء قادتها، كلّما احتاجت المرحلة السياسية الامريكية لذلك، واثبت الجولاني على مر مراحل عديدة انه الاقدر على التلون، والقدرة على ضبط التناقضات داخل تنظيمه الإرهابي، ويتكئ بذلك على عدة عوامل أهمها الدعم الأمريكي، والتأقلم مع متطلبات المرحلة، والتغييرات السابقة في سجل النصرة، وكان ابرزها فترة الانفصال الشكلي عن تنظيم القاعدة، والعمل على تشكيل جسم سياسي للنصرة، ليتماشى مع الدعوة لفصل التنظيمات المتطرفة عن ما اسموها بالمعتدلة، في استنساخ واضح لتجربة طالبان في أفغانستان، وعندها بدأ الإعلان عن تشكيل ما يسمى بحراس الدين، والانتقال السلس لبعض قادة النصرة اليه ليكون الرديف الحقيقي للنصرة في الشمال السوري، وفي ذلك الوقت كان أبو محمد الجولاني، متحمس لتضخيم دور حراس الدين، وخلف الكواليس كانت الاحاديث تدور، ان زعيم جبهة النصرة الارهابية كان يدعم بروز حراس الدين، كي تتحول النصرة الى جانب المجتمع الدولي في مواجهة الإرهاب الذي تمثله القاعدة بفرعها الجديد، وفق سيناريو امريكي واضح، متفق عليه، ومخرجه في ادلب.
إن ظهور الجولاني الأخير كان جزء من مراحل عديدة، عملت عليها المخابرات الامريكية، منذ الادعاء الكاذب بالانفصال عن تنظيم القاعدة، هذه المراحل كان قادتها شخصيات عديدة منها السعودي عبد الله المحيسني، وعبد المنعم حليمة المعروف بابو بصير، وهو سوري الجنسية، هؤلاء الذين قادوا مرحلة تبديل الاتجاه للنصرة، منذ خطاب الانفصال عن القاعدة، عبر عدة مراحل منها، استنساخ تجربة الاخوان المسلمين في ادلب، عبر ما اسموه في حينها ضرورة المرحلة، وفقه الضرورات وسد الذرائع، وابرز ما ركزت عليه المرحلة التي سبقت ظهور الجولاني ما يخص الشارع، حيث بدأت بتخفيف تطبيق العقوبات الشرعية امام الناس، وتحاشي بث أي صور للعمليات الإرهابية، من قطع الرؤوس الى التمثيل بجثامين الشهداء من الجيش السوري، مع استمرارها خلف الات التصوير، وفصل أبو اليقظان المصري عن الواجهة الشرعية للنصرة في شباط 2019، وكان المصري شرعياً في الجناح العسكري للتنظيم الارهابي، وعُرف بوضوحه في التعبير عن روح المشروع المتطرف، وتصدير القادة السوريين في جبهة النصرة، ضمن أوامر واضحة من المخابرات الامريكية تنص على عدم تسليط الضوء على الإرهابيين من جنسيات أخرى، كان ذلك كله بتزامن واضح مع بروبغندا الانفصال عن القاعدة، وإعادة تصدير جبهة النصرة، كتنظيم معتدل مقبول دولياً.
اذا المسألة لم تكن اعتباطية، بل عملية مدروسة جدا، بدأت منذ 2016، والتوافق الإقليمي الدولي، على مناطق خفض التصعيد في شمال سوريا، والاتفاق على فصل المجموعات الإرهابية، عن ما اسمته حينها الولايات المتحدة الامريكية وتركيا، بالمجموعات المعتدلة، منذ ذلك الوقت، وواشنطن تعمل على الاستفادة من الارهابية لتحقيق دورا مؤثرا على مستوى الجغرافيا السياسية، لتحجز لها دورا في المعادلات الميدانية والسياسية القادمة في سورية، من هنا جاء اللقاء الذي اجراه الصحفي الأمريكي، مارتن سميث، مع أبي محمد الجولاني، الحدث الأبرز على مستوى الإعلام الغربي والعربي، لنفيه صفة الإرهاب عن أفعال التنظيم، وهو مؤشرا على نمطية التفكير الأمريكي تجاه المنطقة وشعوبها.
إن الدعاية التي رافقت الظهور الإعلامي للجولاني، تندرج بوضوح ضمن نظرية “قصف العقول”، عن طريق استخدام سلاح الصورة والكلمة، الاستراتيجية الأساس لقصف العقول المستهدَفة بالمعلومات التي تريد الإدارة الامريكية التأثير فيها، وكسر الحاجز النفسي، وحماية الجولاني بموكب من الأكاذيب، وتجاوز مناخ العداء للنصرة وقائدها الإرهابي، وتحسين صورته عبر جسر القوة الناعمة، والمضحك بالأمر إن مَن تحاول الإدارة الأمريكية محو سجله الإرهابي من العقول، هو نفسه مَن أعلنت الوزارة الخارجية عام 2017 عن جائزة بقيمة عشرة ملايين دولار، مقابل أي معلومات عنه.
بالنتيجة، إن هدف واشنطن يختصر بسعيها، لتوظيف جبهة النصرة في الشمال السوري، كما هو حال قسد، في الشمال الشرقي، وداعش في البادية السورية، ومحاولة إدخال النصرة إلى مجال المشاركة السياسية في مستقبل سوريا، طبعا هذا لن يكن متاحاً ومع استمرار تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية، الأمر الذي استدعى التدخل الأمريكي بشكل مباشر، بحملة تضليل إعلامية مناقضة لحقيقة واقع إرهاب التنظيم، مستخدمين فلسفة القوة الذكية، والعبث بمفاهيم الذاكرة الجمعية، وهي أساليب خطرة ضمن الرهان الأمريكي، والذي تراه شعوب المنطقة رهان فاشل، وهذه الشعوب لن تسامح بالجرائم التي ارتكبت بحقها.
حسام زيدان – العالم